الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/01/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص لما تقدم في الدروس السابقة

كان الكلام في الدروس السابقة في امكان نفي الثالث بالدليلين المتعارضين بعد تساقطهما، ونسب الى المشهور امكان ذلك واستدل له بدليلين

الدليل الأول: ما ذكره المحقق الخراساني (قده) من امكان نفي الاباحة بالدليلين اللذين دل أحدهما على الوجوب والأخر على الحرمة، بدعوى ان التعارض الذي يوجب العلم بكذب أحد الدليلين انما يوجب العلم بكذب أحد الدليلين فيوجب سقوط أحد الدليلين غير المعين عن الحجية فيبقى الاخر غير المعين ويمكن الاستناد اليه لنفي الاحتمال الثالث

وتقدم الاعتراض عليه وتبين انه ليس تاماً

الدليل الثاني: ما ذكره المحقق النائيني (قده) من عدم تبعية الدلالة الإلتزامية للمطابقية في الحجية فاذا سقط الدليلان عن الحجية في مدلولهما المطابقي فلا موجب لسقوطهما عن الحجية في مدلولهما الإلتزامي

وفرق هذا الدليل عن الدليل الأول هو ان الدليل الأول يتمسك بأحد الدليلين غير المعين لنفي الثالث واما ما ذكره المحقق النائيني فهو يتمسك بكل من الدليلين، فان نفي الاباحة مدلولاً التزامياً لكل منهما

ومن هنا انطلقنا للبحث عن مسألة تبعية الدلالة الإلتزامية للدلالة المطابقية في الحجية لان الدليل الثاني يبتني على القول بعدم التبعية حيث ذهب الى ذلك المحقق النائيني (قده) وتبعه جملة من الاعلام بينما ذهب السيد الخوئي (قده) الى القول بالتبعية، ويستفاد من كلام السيد الخوئي ما يصلح ان يكون برهانا للتبعية، وحاصله ان المدلول الإلتزامي للدليل الدال على الوجوب هو حصة خاصة من عدم الاباحة المقارن للوجوب ومن الواضح بان هذه الحصة تنتفي بانتفاء الوجوب فكيف يمكن اثبات هذه الحصة بدعوى ان الدليل يدل على نفي الثالث،

نعم لو كان المدلول الإلتزامي للدليل الدال على الوجوب هو ذات عدم الاباحة فيمكن الالتزام ببقائها مع انتفاء المدلول المطابقي، ومثل له بالإخبار عن النار ولازمه الاخبار عن الحرارة فليس اللازم هنا هو ذات الحرارة ولو كانت من سبب اخر بل هو الحرارة الناشئة من النار فلو تبين كذب الخبر وانه ليس هناك نار فلا يمكن اثبات الحرارة

وتقدم مناقشة هذا الدليل وقد ركزنا على ان محل الكلام ليس هو مطلق الملازمة ولو كانت عقلية بل محل الكلام هو الملازمة العرفية وبعبارة أخرى الكلام في الدلالة الإلتزامية العرفية التي تعني ان الكلام له ظهور في مدلوله المطابقي وله ظهور في مدلوله الإلتزامي

والمحقق النائيني (قده) كأنه يفترض ان الملازمة عرفية وان الكلام فيه ظهوران فاذا سقط الظهور الأول فلا موجب لسقوط الظهور الثاني وقد قاس المقام بالخبرين المستقلين المنفصلين عندما يكون لكل واحد منهما ظهور وسقط عن الحجية لسبب من الأسباب فلا موجب لسقوط الاخر، ومن الواضح بان هذا لا يرد عليه ما ذكره السيد الخوئي (قده)

وذكرنا بان المدلول الإلتزامي يمكن تصوره على انحاء أربعة تقدم ذكرها وان الداخل في محل النزاع منها هو خصوص النحو الثالث وهو في ما اذا كان المدلول الإلتزامي علة والمدلول المطابقي معلول كما اذا اخبر عن الاحراق فانه اخبار عن وجود نار بالالتزام، والنحو الرابع في ما اذا كان المدلول المطابقي والمدلول الإلتزامي متلازمان من دون ان تكون بينهما علاقة العلية والمعلولية من قبيل الدليل الدال على حرمة شيء فانه دال بالالتزام على عدم اباحته فلا توجد علية ومعلولية بين الشيء وضده او بين الشيء ونقيضه ، والوجه في دخولهما في محل الكلام هو ان الاخبار عن المعلول ليس اخبار عن حصة من العلة بل هو اخبار عن ذات العلة فان المعلول يتحصص من ناحية العلة دون العكس، فلا يتم كلام السيد الخوئي في هذا النحو، نعم هو يتم في النحو الثاني أي اذا كان المدلول المطابقي علة والمدلول الإلتزامي معلولاً

واما النحو الرابع فهو داخل في محل الكلام فان المدلول الإلتزامي للإخبار عن الحرمة هو ذات عدم الاباحة لا انه حصة منها ولا برهان على انتفاء ذات عدم الاباحة عند انتفاء الحرمة وما ذكرناه كتوجيه لكلام المحقق النائيني (قده) من ان الكلام له ظهوران فإننا نوافقه عليه بهذا المقدار ولكن لا يمكن ان نتعامل مع هذا الدليل كالتعامل مع الدليلين المستقلين المنفصلين لأننا ندعي بان ظهور الدليل في المدلول الإلتزامي متفرع على ظهوره في المدلول المطابقي وكذا في حجيته، وهذا يلجئنا الى القول بالتبعية

ومن هنا يظهر ان الوجه الثاني لنفي الثالث غير تام كالاول، وهنا يمكن ان نختم هذه المسالة وهو انه لا يمكن نفي الاحتمال الثالث بالدليلين المتعارضين بعد تساقطهما

وتعرضنا بعد ذلك الى بحث اختلاف النسخ، وقد انتهينا الى النتيجة في أصل المسالة وهو ان الأصل الاولي في الدليلين المتعارضين هو التساقط بمعنى عدم شمول دليل الحجية لكل منهما وتعرضنا لسائر الاقوال الأخرى في الأصل الاولي وهي التخيير والتوقف والاحتياط

ثم تعرضنا لقاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح

ويتبين من جميع ما تقدم ان الأصل الاولي بلحاظ دليل الحجية العام في الدليلين المتعارضين هو التساقط والمقصود به عدم شمول دليل الحجية لكل منهما كما انه لا يشمل أحدهما المعين لأنه ترجيح بلا مرجح

ومما تقدم يتبين ان هناك جملة من الأمور تخرج عن باب التعارض فلا يكون مقتضى الأصل الاولي فيها التساقط وانما يتقدم فيها أحد الدليلين على الاخر

المورد الأول: التخصص، المورد الثاني: الورود، والمورد الثالث: الحكومة، المورد الرابع: التخصيص

ونحن نتكلم عنها بمقدار الدليل على خروجها عن باب التعارض وتقديم أحد الدليلين على الاخر

اما التخصص فهو خروج لاحد الدليلين عن موضوع الاخر تكوينا بان يكون أحدهما رافعا لموضوع الاخر تكوينا من دون تعبد شرعي، كما لو دل دليل قطعي على حرمة شيء فان هذا الشيء يكون خارجا عن دليل رفع ما لا يعلمون

واما الورود فهو بان يرفع أحد الدليلين موضوع الاخر حقيقة بتوسط التعبد الشرعي، كما إذا دل دليل ظني على حرمة شيء فانه يكون واردا على رفع ما لا يعلمون لأنه يرفع عدم العلم حقيقة بتوسط التعبد الشرعي