40/11/05
قد يقال بان القاعدة الأولية في المتعارضين وان كانت تقتضي التساقط ولكن هناك قاعدة أخرى تكون مقدمة عليها واذا جرت هذه القاعدة لا يقال بالتساقط بل يلتزم بشمول دليل الحجية لكل من الدليلين المتعارضين وهذه القاعدة يعبر عنها بان الجمع مهما امكن أولى من الطرح، فاذا فرضنا امكان الجمع بين الدليلين المتعارضين ولو بنحو من التأويل او ما يسمى بالجمع التبرعي يكون كل منهما مشمولاً لدليل الحجية ولا تصل النوبة الى التساقط او الترجيح على أساس الاخبار العلاجية الا بعد هذه القاعدة فمثلا لو قال دليل (ثمن العذرة سحت) وقال دليل اخر (لا باس ببيع العذرة) يمكن الجمع بينهما بحمل الأول على عذرة الانسان والثاني على عذرة غيره وبهذا يرتفع التنافي بينهما ولا مانع من شمول دليل الحجية لهما معا، وقد تعرض الشيخ الانصاري (قده) لهذه القاعدة مفصلا واطال الكلام حولها وكذلك تعرض لها صاحب الكفاية وقد ناقش كل منهما فيها، وقد ذكرت عدة وجوه للاستدلال على القاعدة:
الوجه الأول: ان شمول ادلة الحجية لكل واحد من المتعارضين في حد نفسه لولا التعارض يفيد لزوم العمل بهذا الدليل الا اذا لزم من العمل به محذور عقلي، واذا لم نعمل الجمع التبرعي يلزم من العمل بهما الوقوع في المحذور العقلي للتنافي بينهما، ولكن اذا رفعنا التنافي بينهما يرتفع هذا المحذور، فاذا امكن تأويل الدليلين المتعارضين يرتفع المحذور العقلي من العمل بهما معاً لارتفاع التنافي بينهما واذا ارتفع المحذور العقلي فدليل الحجية يوجب العمل بهما.
الوجه الثاني: قياس ما نحن فيه على التعارض بين الدليلين المقطوعي الصدور كما في تعارض الخبرين المتواترين فلا اشكال في ارتكاب التأويل لرفع التنافي بينهما، ومفاد دليل الحجية معاملة الدليلين مظنوني الصدور معاملة مقطوعي الصدور، فكما نفعل ذلك في الدليلين مقطوعي الصدور فلنفعل ذلك في الدليلين مظنوني الصدور
وكلا الوجهين ليس تاماً، اما الأول فان هذه القاعدة لا يمكن ان تجري في محل الكلام فإنها عند من يرى تماميتها انما يلتزم بها في غير باب التعارض باعتبار ان هذه القاعدة في طول ثبوت الحجية فبعد الفراغ عن ثبوت الحجية للدليل يقال بان العمل به مهما امكن أولى من الطرح، فهي قاعدة مبنية على الفراغ عن ثبوت الحجية، فبعد الفراغ عن ثبوت الحجية يقال بان مقتضى دليل الحجية لزوم العمل بالخبر مهما امكن، وفي محل الكلام فان كل واحد من الخبرين وان كان مستكملاً لشرائط الحجية بقطع النظر عن التعارض الا اننا لم نفرغ عن حجيتهما في فرض التعارض بل ان حجيتهما وعدمها هو محل الكلام والاشكال في باب التعارض اذ يستحيل ثبوت الحجية لهما معا في فرض التعارض، وبهذا يتبين بطلان الدليل الأول اذ لا يكون دليل الحجية شاملا لكلا الدليلين حتى يقال بان مقتضاه هو لزوم العمل بكليهما مهما امكن ومع امكان التأويل يمكن العمل بهما فيلزم العمل بهما ولا يصار الى الطرح والتساقط، ولذا لو تمت هذه القاعدة فهي لا تشمل محل الكلام بل هي تجري في الخبر الذي ليس له معارض فنقول هذا خبر ثبتت له الحجية فالعمل به مهما امكن أولى من طرحه
واما الثاني: فجوابه ان هذا قياس مع الفارق فبعد الفراغ عن صدورهما يتمحض التنافي حينئذ في دليل حجية الظهور فشمول دليل حجية الظهور للأول معارض بشموله للثاني فيصار الى الجمع بين الظهورين المتنافيين بالتأويل لان السند لا يدخل عنصراً في هذا التنافي، وأين هذا من محل الكلام في باب مظنوني السند اللذين لم نفرغ عن ثبوت الحجية لهما معاً بل لا يمكن ان يكونا حجة معاً فالسند هنا يدخل في باب التعارض وعندما يدخل السند في البين يغير من المعادلة ولا يمكن ان يقال بان التعارض ينحصر بدليل حجية الظهور،
وبعبارة أخرى ان قاعدة الجمع مهما امكن أولى من الطرح مبنية على الفراغ عن ثبوت الحجية للدليل وفي مقطوعي السند فرغنا عن ثبوت الحجية لهما معاً بينما لم نفرغ عنها في مظنوني السند.
ومن هنا يظهر ان الدليل الثاني كالأول ليس تاماً
والصحيح في أصل المسالة ان هذا الجمع الذي يقال بانه أولى من الطرح ان كان المقصود به الجمع العرفي الذي يشكل ظهوراً في الدليل وتقتضيه ادلة الحجية العامة فلا اشكال في ان هذا يتعين العمل به وهو ما نسميه بالجمع العرفي كما في الحكومة والورود والتخصيص وكالجمع بين الخاص والعام والمطلق والمقيد، وقد قلنا سابقا ان موارد الجمع العرفي خارجة عن باب التعارض واذا دخلت في باب التعارض اصطلاحا فالحكم فيها واضح وهو انه يصار الى هذا الجمع العرفي،
وان كان المقصود بالجمع في القاعدة هو الجمع الذي لا يساعد عليه الفهم العرفي وهو ما يسمى بالجمع التبرعي فلا دليل على تعين هذا الجمع وانه أولى من التساقط فلا دليل على هذه القاعدة
ولعل مما يؤيد هذا هو انه بناءً على العمل بهذه القاعدة يكون الجمع دائما ممكنا لأنه بلا ميزان ولا ضوابط فيمكن حمل الأدلة على اختلاف الزمان والمكان فيرتفع التنافي، ويلزم من ذلك لغوية وجود الاخبار العلاجية فالمفروض ان هذه القاعدة مقدمة على القاعدة الثانوية المستفادة من الاخبار العلاجية وكذا على القاعدة الأولية التي قلنا انها تقتضي التساقط وهذا لا يمكن الالتزام به
ومن هنا يتبين ان ما ذكر من قاعدة ان الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ليس تاما فيبقى الأصل الاولي يقتضي التساقط على ما قلناه.