الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصل الاولي في الدليلين المتعارضين

في مقابل القول بالتساقط في الدليلين المتعارضين هناك احتمالات نذكرها لبيان معانيها:

فقد تقدم سابقا ان الأصل في الدليلين المتعارضين هو التساقط وتقدم ان معنى التساقط هو عدم العمل بكل من الدليلين المتعارضين وفي المقابل هناك راي يقول ان الأصل هو التخيير أي الالزام بالعمل بأحد الدليلين من دون فرق بين ان يكون الدليل الذي عمل به موافقا للقواعد او مخالفا لها، وثاني يقول بالاحتياط والمراد به العمل بنحو يدرك به الواقع حيث يمكن الاحتياط، وثالث يقول بالتوقف والظاهر ان المراد به هو التوقف عن الرجوع الى ثالث غير الدليلين وانما يجب على المكلف ان لا يخرج في مقام العمل عن احدهما ولكن حسب ما تقتضيه الأصول والقواعد وبهذا يفترق عن التخيير.

ولا نريد ان ندخل في هذه التفاصيل، وقد تبين ان القاعدة في المقام هي التساقط التام والرجوع حينئذ الى الأصول والقواعد، وعلى كل حال فان النزاع بتمامه مبني على القول بالطريقية في باب الامارات وهو القول المعروف المشهور فان قيام الطريق لا يغير من الواقع شيئا وانما هي طريق لإصابة الواقع ولا يحدث بسبب قيام الامارة مصلحة او مفسدة في المتعلق بسبب قيام الامارة.

وفي المقابل فقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) في الرسائل بان الأصل هو التخيير على القول بالسببية وعلله بان المورد حينئذ يدخل في باب التزاحم فان ملاك التزاحم موجود فيه على القول بالسببية لان المفروض ان معنى السببية في الامارات هو انه بقيام الامارة يحدث ملاك في المتعلق، فبقيام الامارة الأولى على الوجوب مثلا تحدث مصلحة ملزمة في المتعلق وبقيام الامارة على الحرمة تحدث مفسدة ملزمة في المتعلق وبهذا يثبت ملاك كلا الحكمين وبسبب ضيق قدرة المكلف عن استيفاء كلا الملاكين يقع التزاحم بينهما ويتعين القول بالتخيير. فالأصل الاولي على القول بالسببية هو التخيير بينما كان الأصل على الطريقية هو التساقط

والسببية لها معاني فتارة تفسر بالمصلحة السلوكية بمعنى ان تحدث مصلحة بسبب سلوك طريق الامارة دون ان تحدث مصلحة في المتعلق وقد التزم به الشيخ الانصاري (قده) لدفع اشكال ابن قبة حول جعل الحجية للأمارة مع احتمال عدم اصابتها للواقع مما يؤدي الى تفويت الواقع على المكلف بسبب اتباع الامارة ولأجل ذلك طرح الشيخ الانصاري (قده) مسلك المصلحة السلوكية بان الشارع يعوض المكلف بمصلحة بمقدار ما فات من الواقع نتيجة العمل بالأمارة وهذه المصلحة قائمة بسلوك طريق الامارة

الا ان السببية بهذا المعنى لا تستوجب ما يقوله الشيخ (قده) من ارجاع باب التعارض الى باب التزاحم وكون مقتضى الأصل هو التخيير لا التساقط؛ فان المصلحة السلوكية انما يلتزم بها في ما اذا كانت الامارة طريقاً معتبراً أي الامارة التي تكون منجزة اذا اصابت الواقع ومعذرة اذا اخطأته، ففي بعض الأحيان يحصل تفويت للواقع على المكلف نتيجة العمل بها فيتدارك ما فات من الواقع بالمصلحة السلوكية، وهذا الكلام لا يأتي في الامارات غير المعتبرة، والمفروض في محل الكلام عدم شمول دليل الحجية لكلا الخبرين المتعارضين فلا يمكن ان يكون دليل الحجية شاملا لاحدهما على الأقل فضلا عما اذا قلنا بالتساقط، فلا يمكن ان تدخل المسالة في باب التزاحم لعدم الدليل على وجود الملاك في كلا الحكمين، فالظاهر ان هذا لا يوجب ارجاع المقام الى باب التزاحم وتغير الأصل الاولي من التساقط الى التخيير.

واما اذا فرضنا ان المراد بالسببية في عبارة الشيخ (قده) هو السببية عند المعتزلة بمعنى ان قيام الامارة يبدل الواقع في صورة الخطأ، او السببية عند الاشاعرة بمعنى ان قيام الامارة يبدل الواقع مطلقاً، فعلى القول بالسببية بهذا المعنى قد يقال برجوع باب التعارض الى باب التزاحم فاذا قام خبر على وجوب شيء يكون موجباً لحدوث مصلحة في المتعلق، واذا قام خبر اخر على حرمته تحدث فيه مفسدة ملزمة، وحيث ان المكلف غير قادر على الجمع بين الامتثالين فحينئذ يقع التزاحم بين الحكمين والعقل يحكم بالتخيير.

ولكن الصحيح في المقام هو عدم رجوع المقام الى باب التزاحم لأمور:

الأول: ان هذا الارجاع له لازم باطل وهو انه عند عدم وجود مرجح في باب التزاحم لابد ان نلتزم بالتخيير بمعنى اننا نخير المكلف بين الفعل والترك وهذا لا معنى له لان المكلف بحسب طبيعته لا يخلو من أحدهما من دون وجود التخيير الشرعي فهذا من قبيل التزاحم بين الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون فقالوا بان هذا لا يدخل في باب التزاحم