40/10/21
الموضوع: نفي الاحتمال الثالث
المورد الثالث للنقض الذي ذكره السيد الخوئي (قده) على كلام المحقق النائيني (قده) لاثبات امكان التمسك بالدليلين المتعارضين بالرغم من تساقطهما لنفي الثالث هو قوله:
(و منها) - ما لو أخبر شاهد واحد بكون الدار في المثال المذكور لعمرو، وأخبر شاهد آخر بكونها لبكر، فلا حجية لاحد منهما في مدلوله المطابقي - مع قطع النظر عن المعارضة - لتوقف حجية الشاهد الواحد على انضمام اليمين. فهل يمكن الاخذ بمدلولهما الالتزامي. والحكم بعدم كون الدار لزيد، لكونهما موافقين فيه، فلا حاجة إلى انضمام اليمين؟و (منها) - ما لو أخبرت بينة على كون الدار لعمرو، واعترف عمرو بعدم كونها له، فتسقط البينة عن الحجية، لكون الاقرار مقدما عليها، كما أنها مقدمة على اليد، فبعد سقوط البينة عن الحجية في المدلول المطابقي. للاعتراف، هل يمكن الاخذ بمدلولها الالتزامي، وهو عدم كون الدار لزيد مع كونها تحت يده؟ إلى غير ذلك من الموارد التي لا يلتزم بأخذ اللازم فيها فقيه أو متفقه.)[1]
واما الجواب الحلي فذكر باننا نسلم ان الاخبار عن الملزوم اخبار عن اللازم ولكنه ليس اخباراً عن اللازم على اطلاقه بل هو اخبار عن حصة خاصة من اللازم وهي الحصة اللازمة للملزوم، كما في الاخبار عن ملاقاة البول للثوب فهذا ليس اخباراً عن نجاسة الثوب عبى الاطلاق وباي سبب كان انما هو اخبار عن نجاسة الثوب بسبب سقوط البول عليه، وبعد ان علمنا بكذب البينة في اخبارها عن المدلول المطابقي يعلم بكذبها في اخبارها عن المدلول الالتزامي، فحتى لو علمنا بثبوت النجاسة من سبب اخر لكنها خارجة عن مفاد الدليل فإنها ليست مدلولا التزامياً للدليل حتى يقال بان الدليل يكون حجة فيها
وبناءً على هذا ففي محل الكلام فالخبر الدال على الوجوب يدل بالالتزام على عدم الاباحة الملازمة للوجوب لا على مطلق عدم الاباحة وكذا الخبر الدال على التحريم هو يدل على حصة خاصة من عدم الاباحة وهي الملازمة للتحريم، فاذا علمنا بسقوط الدليل الدال على الوجوب عن الحجية في مدلوله المطابقي فهو يسقط عن الحجية في مدلوله الالتزامي، وكذا الدليل الاخر الدال على التحريم، فالخبران يسقطان عن الحجية بلحاظ كلا المدلولين فلا يمكن التمسك بهما لإثبات نفي الثالث، وهكذا الحال في سائر الأمثلة التي تذكر في المقام
وهذا الجواب له تقريب اخر ذكره في المحاضرات، وخلاصته: ان الدلالة الالتزامية متقومة بأمرين: ثبوت الملزوم والملازمة فاذا قام دليل على ثبوت الملزوم وكانت الملازمة واضحة بنظر العرف يثبت كلا الامرين فيدل الدليل بالالتزام على اللازم كما يدل بالمطابقة على الملزوم، واذا انتفى احد الامرين تنتفي الدلالة الالتزامية، وفي محل الكلام فُرض عدم ثبوت المدلول المطابقي للمعارضة اي عدم ثبوت الملزوم مما يعني اختلال احد الركنين الذين ترتكز عليهما الدلالة الالتزامية، وهذا لا يفرق فيه بين الحدوث وبين البقاء ففي محل الكلام ينتفي الملزوم في مرحلة البقاء.
وما ذكره السيد الخوئي (قده) يصلح ان يكون برهانا في مسالة تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية حيث ذكر ان المدلول الالتزامي للدليل في محل الكلام ليس هو مطلق عدم الاباحة وانما هو عدم الاباحة اللازم للمدلول المطابقي على غرار ما لو اخبرت البينة عن سقوط قطرة بول فالمدلول الالتزامي ليس مطلق النجاسة بل هو النجاسة المسببة من سقوط قطرة بول فالعلم بكذب المدلول المطابقي يستلزم العلم بكذب المدلول الالتزامي وسقوط تلك عن الحجية يستلزم سقوط هذه عن الحجية.
ولتمحيص جواب السيد الخوئي (قده) لابد من الإشارة الى ان محل الكلام ليس هو مطلق الدلالة الالتزامية لأنها تارة تكون عقلية وأخرى عرفية وثالثة عادية بل ان محل الكلام هو خصوص الدلالة الالتزامية العرفية، فان الملازمة تارة تثبت بالبرهان العقلي كما لو قام البرهان على ان الدائرة لو كان قطرها كذا فان محيطها كذا، وتارة تكون ملازمة عرفية يفهمها العرف بحيث انه يرى الدليل الدال على الملزوم دال على اللازم،
والظاهر من الوجه الثاني الذي ذكره المحقق النائيني (قده) اختصاص محل الكلام بالملازمة العرفية فالكلام في الدليل الذي له ظهور في المدلول المطابقي وظهور في المدلول الالتزامي فالكلام عن ظهورات ودلالات والملازمة العقلية لا تدخل في باب الدلالات اذ لا ظهور فيها نعم بين طرفيها ملازمة عقلية قام عليها البرهان فالعلم بأحدهما يلازم العلم بالأخر الا ان هذا لا يدخل في باب الدلالة لأنها مختصة بالألفاظ والكلام لا دلالة عقلية له بل له دلالة عرفية فقط
فمحل الكلام هو الملازمة العرفية أي لو كان الكلام ظاهراً في المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي معا وهو انما يكون ظاهرا في المدلول الالتزامي عندما تكون الملازمة واضحة عرفا بين الامرين، وذكر المحقق النائيني (قده) بان سقوط احد الظهورين عن الحجية لا يستلزم سقوط الظهور الاخر عنها فهو يفترض ظهور الكلام في مدلوله الالتزامي كظهوره في مدلوله المطابقي