40/10/18
الموضوع: في حكم التعارض
والكلام يقع في حكم التعارض وقبل الدخول في هذا البحث لا بد من تأسيس الأصل بين الدليلين المتعارضين
ومن الواضح بانه ليس المقصود بالبحث هو تأسيس الأصل في المتعارضين بلحاظ الاخبار العلاجية لوضوح انه مع وجود الاخبار العلاجية لا تصل النوبة الى الأصل بعد فرض وجود الدليل على حكم التعارض وانما يكون للاصل ثمرة عندما نفترض عدم وجود دليل على حكم الدليلين المتعارضين فالمقصود بالبحث هو تأسيس الأصل بلحاظ دليل الحجية العام الشامل لكل واحد منهما وفي هذا الصدد نقول:
انه لا بد من ان نميز بين أنواع دليل الحجية لانه تارة يكون عبارة عن السيرة العقلائية وأخرى يكون دليلا شرعيا امضائيا يمضي ما عليه بناء العقلاء وثالثة يكون دليلاً شرعياً تأسيسياً فلابد من لحاظ دليل الحجية الذي نتكلم عن تأسيس الأصل بلحاظه
اما القسم الأول: وهو في ما لو كان دليل الحجية العام هو السيرة العقلائية كما يدعى ذلك في حجية خبر الثقة وحجية الظهور فان الأصل في حالة التعارض يقتضي التساقط لانه بعد فرض عدم امكان الجمع بين الدليلين المتعارضين جمعاً عرفياً وعدم وجود دليل يدل على ترجيح احدهما على الاخر كما هو المفروض في مسالتنا فهنا لا يوجد بناء من العقلاء على الاخذ بكل واحد من الدليلين المتعارضين في مورد التعارض وهذا يثبت لنا التساقط بمعنى عدم شمول دليل الحجية لكل واحد منهما، والوجه في هذا هو ان الحجية الثابتة ببناء العقلاء هي من باب الطريقية الى الواقع ومن الواضح بان طريقية كل واحد من الدليلين تلغي طريقية الاخر لان المفروض ان بينهما تنافي وهذا هو معنى ما قلنا من ان بناء العقلاء انما ينعقد على الاخذ بالدليل عندما يصح ان يكون طريقا الى الواقع ومع التعارض فان العقلاء لا يعتبرونه طريقا الى الواقع
واما القسم الثاني: وهو ان يكون دليل الحجية حكما شرعيا لكنه إمضائياً لا تأسيسياً كما هو المعروف في الأدلة الشرعية الدالة على حجية خبر الثقة ومقتضى الأصل في هذا القسم هو التساقط أيضا فان نفس ما اثبتناه في القسم الأول يأتي هنا أيضا باعتبار ان الأدلة الشرعية الامضائية لا تضيف شيئا جديدا فهي محدودة بحدود ما بنى عليه العقلاء ففي هذه الحالة ليس لدينا الا بناء العقلاء وقد عرفنا ان الدليل لو كان هو بناء العقلاء فالأصل في المتعارضين يقتضي التساقط
وبعبارة أخرى: لا بناء من قبل العقلاء على العمل بكل من الدليلين المتعارضين فلا يمكن ان نتوقع من الدليل الشرعي شيئا اخر لأنه دليل امضائي لا تأسيسي
واما القسم الثالث: وهو في ما لو كان دليل الحجية العام دليلا شرعيا تأسيسياً فهذا هو محل النزاع وان مقتضى الأصل هل يقتضي التساقط او ثبوت الحجية في الجملة او هو شمول دليل الحجية لكل منهما مطلقا او على تقدير.
وذهب المشهور الى ان الأصل هو التساقط وعدم شمول دليل الحجية لكل منهما واستدل السيد الخوئي (قده) على ذلك ب ( أن الاحتمالات - المتصورة بالتصور الأولي - ثلاثة: فاما أن يشمل دليل الحجية لكلا المتعارضين. ولا يشمل شيئا منهما، أو يشمل أحدهما بعينه دون الاخر. لا يمكن المصير إلى الاحتمال الأول، لعدم امكان التعبد بالمتعارضين، فان التعبد بهما يرجع التعبد بالمتناقضين، وهو غير معقول. وكذا الاحتمال الأخير، لبطلان الترجيح بلا مرجح، فالمتعين هو الاحتمال الثاني.ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث العلم الاجمالي من عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي. فان شمول الدليل للطرفين موجب للمخالفة القطعية، والترخيص في المعصية، وشموله لأحدهما ترجيح بلا مرجح، فلم يبق إلا عدم الشمول لكليهما)[1]
ويلاحظ عليه ان الاحتمالات الثبوتية ليست ثلاثة فهناك احتمال رابع وهو احتمال شمول دليل الحجية لكل منهما لكن لا مطلقا وانما على تقدير عدم الاخذ بالدليل الاخر، فان المحذور يلزم من شمول دليل الحجية لكل منهما بنحو مطلق ولتلافي هذا المحذور يلتزم بشمول دليل الحجية لكل من الدليلين المتعارضين بنحو مقيد، فلا تثبت الحجية في عرض واحد حتى يؤدي الى التعبد بالمتنافيين، والوجه في هذا الاحتمال ينشا من ان دليل الحجية كان شاملاً لكلا الدليلين المتعارضين وان ما منع من شموله لكل منهما هو محذور التعبد بالأمرين المتنافيين ومن الواضح بان هذا المحذور انما يلزم اذا التزمنا بالشمول المطلق دون الشمول المقيد واذا كان المحذور المتقدم يرتفع برفع اليد عن اطلاق شمول دليل الحجية لكلا المتعارضين فلا موجب لرفع اليد عن اصل دليل الحجية.
واجابوا عنه بان هذا أيضا يؤدي الى المحذور المذكور في حالة ترك العمل بكلا الدليلين فسوف يتحقق موضوع حجية كل واحد منهما.