الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أسباب حصول التعارض بين الأدلة

قلنا بان الشيخ الطوسي[1] (قده) أشار في مقدمة كتاب التهذيب الى ما ذكرناه حيث قال (قده) : ( ذاكرني بعض الاصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم ، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبازائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه) وهذه العبارة تشمل كلا القسمين فهي تشمل الاحاديث الواصلة الينا بالإضافة الى الصادرة عنهم، ثم يقول ( حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا ، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا) هذا إشارة الى التشكيك الذي اشرنا اليه فهو لا يختص بالقسم الأول وانما يشمل القسم الثاني، ثم يقول: ( سمعت شيخنا أبا عبد الله أيده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالامامة فرجع عنها لما التبس عليه الامر في اختلاف الاحاديث وترك المذهب ودان بغيره لما لم يتبين له وجوه المعاني فيها ، وهذا يدل على انه دخل فيه على غير بصيرة واعتقد المذهب من جهة التقليد ، لان الاختلاف في الفروع لا يوجب ترك ما ثبت بالادلة من الاصول)

وهذا يؤكد ما نريد ان نقوله من ان هذا البحث مهم جدا وانه يساهم في كثير من الحالات في علاج حالة التعارض في الموارد التي قد يتخيل وجود التعارض فيها، فاذا عرفنا ان من أسباب الاختلاف هو وجود الناسخ والمنسوخ او ان منها استعمال التقية في كلام الائمة (عليهم السلام)،

والأسباب التي ذكرها من تصدى لهذا البحث كثيرة ولكن يمكن ارجاعها الى اقسام رئيسية وادراج هذه الأسباب في تلك الأقسام:

القسم الأول: ما يرتبط بالباحث نفسه الذي يتراءى له وجود اختلاف بين الأحاديث نتيجة جهله باللغة وعدم اطلاعه على أساليب المحاورة وعدم علمه بالقوانين التي تتحكم في اساليب المحاورات وغفلته عن القرائن الحالية والمقالية او انه لا يلتفت الى وجود قرينة او انه لا يلتفت الى قرينية الموجود او يجهل حصول ظاهرة التغير في الأوضاع اللغوية،

ويدخل في هذا القسم عدم الالتفات الى تعدد الموضوع في الحديثين وهذا موجود في الروايات كثيراً وفي النصوص أيضا اشير الى هذا ففي الكافي[2] عن سلمة بن محرز قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء قال: ليس عليه شئ فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم فقالوا: اتقاك، هذا ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له: عليك بدنة، قال: فدخلت عليه فقلت: جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني فقالوا: اتقاك هذا ميسر قد سأله عما سألت فقال له: عليك بدنة، فقال، إن ذلك بلغه فهل بلغك؟ قلت: لا، قال ليس عليك شيء))

والرواية الثانية في الفقيه ج2 ص231 ح1103

ويدخل فيه ما ذكره بعض المحققين من اختلاف آيات السلم مع آيات الحرب في القران الكريم، قال تعالى: ﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا[3] وفي اية أخرى يقول سبحانه: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[4] فيرى بعض المحققين ان الاختلاف فيها راجع الى تعدد الموضوع فآيات السلم تامر بالسلم في حالة ضعف المسلمين وعدم توفر الظروف المناسبة للقتال بخلاف الآيات الأخرى

ويدخل فيها ما يلاحظ من اختلاف الروايات في تحديد ما يجب في الإفطار العمدي في شهر رمضان ففي بعضها يامره (عليه السلام) بالعتق وفي بعضها يأمره بالإطعام وقد يأمره في بعضها بصوم شهرين ولكن مع الالتفات الى ان الحكم الأساسي هو التخيير كما نصت على ذلك بعض الروايات الصحيحة والامام (عليه السلام) بين بعض افراد هذا الواجب التخييري بحسب ظرف السائل فعندما يكون السائل ضعيف البنية فالإمام لا يأمره بالصيام وعندما يكون ليس ميسور الحال لا يأمره بالإطعام وعندما يكون يعيش في بيئة لا عبيد فيها لا يأمره بالعتق

ويدخل في هذا القسم أيضا ما ورد في استعمال انية الذهب والفضة ففي روايات ورد النهي وفي بعضها ورد الكراهة فهذا يوجب تخيل وجود اختلاف بين الحديثين بناءً على ان الكراهة يراد بها المعنى المصطلح ولكن لو قلنا بما ذهب اليه كثير من المحققين من ان الكراهة لم تستعمل سابقا بالمعنى الاصطلاحي بل هي تستعمل في المبغوض كما في قوله تعالى: (( وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان )) في مقابل (( حبب اليكم الايمان)) فكره في مقابل حبب أي بمعنى المبغوضية، وعليه فلا اختلاف في هذه الاحاديث لان الكراهة في زمان صدور النصوص كان يراد بها التحريم او معنى ينسجم معه لا ان المراد منها معنى مقابل للتحريم فان هذا اصطلاح جديد ليس له وجود في الزمان السابق، نعم هناك بعض الروايات التي يفهم منها الكراهة بمعنى مقابل للتحريم على كلام في ذلك

هذا القسم الرئيسي الأول، ان اعتقاد الاختلاف بين الحديثين يرجع الى الباحث نفسه


[1] تهذيب الاحكام، ج1، ص1.
[2] الكافي، ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج4، ص378.
[3] الأنفال/السورة8، الآية61.
[4] التوبة/السورة9، الآية29.