40/10/12
الموضوع: تعريف التعارض
في الدرس السابق نقلنا رايين في مسالة دخول المورد الثاني في باب التزاحم او التعارض والراي الثاني كان يرى دخول المقام في باب التزاحم يستند الى ان عدم وجوب الجمع بين امتثال التكليفين ليس ناشئا من تنازل الشارع عن احد التكليفين وعدم جعله لاحدهما وانما هو لعدم فعلية كلا التكليفين باعتبار عدم تحقق موضوع وجوب الزكاة الا لاحد النصابين واذا لم يكن كلا التكليفين فعليا فلا يجب الجمع بين الامتثالين وهذا لا علاقة له بمسالة التنازل لانه انما يكون لو كان كلا التكليفين فعليا، وهذا الشيء لا يوجب التنافي بين الجعلين ولا التكاذب بين دليلي التكليفين فبناءً على ان الموضوع مضي حول تام غير متداخل فهو لم يتحقق الا مرة واحدة لان مضي حول تام غير متداخل لم يمضي الا على احد النصابين وانما التنافي في مرحلة تحقق الموضوع وهذا يدخل المقام في باب التزاحم
فاذا قلنا بان الدليل ينصرف عن التداخل فان معنى هذا ان هذا الموضوع لم يتحقق الا لاحد التكليفين اما التكليف بدفع زكاة النصاب الخامس او التكليف بدفع زكاة النصاب السادس، فانما لا يريد من المكلف الجمع بين الامتثالين لعدم فعلية احد التكليفين ولان التكليف الفعلي واحد فلا يجب عليه الا امتثالا واحدا،
وهذا لا يوجب التنافي بين الجعلين ولا التكاذب بين الدليلين وانما يكون التنافي في مرحلة تحقق الموضوع والفعلية لان الموضوع بحسب الفرض مضي حول غير متداخل وعليه فان الموضوع لم يتحقق الا مرة واحدة خلال هذه الفترة فالحكم بدفع الزكاة لا يكون فعليا الا لاحد النصابين
وواضح ان هذا الراي يرتكز على ان الموضوع هو الحول التام غير المتداخل، واما اذا قلنا بان الموضوع هو الحول الكامل وان كان متداخلا بهذا النحو من التداخل المتحقق في المثال في باب الزكاة لا التداخل المتحقق في المثال السابق، وفي مقامنا قد يقال بان الموضوع هو مضي حول وان كان متداخلا وادعي بان العرف يرى صدق مضي حول على النصاب الخامس وصدق مضي حول على النصاب السادس فيقال في اول رجب من العام الثاني ان فلانا مضى على تملكه خمساً وعشرين من الابل حول كامل ومضى أيضا على تملكه ستاً وعشرين من الابل حول كامل، وحينئذ لا يتم ما ذكره من ادراج المقام في باب التزاحم لتحقق موضوع وجوب الزكاة لكلا النصابين، فيكون كلا التكليفين فعليا وحينئذ يأتي ما ذكرناه في الوجه الأول من ان عدم ايجاب الجمع بين التكليفين على المكلف لا يمكن ان يفسر الا بالتنازل المتقدم فيحصل التنافي بين الجعلين والتكاذب بين دليلي التكليفين فيدخل المقام في باب التعارض،
فالنكتة في الجواب هي في فهم المراد من الحول الذي اشترطت الأدلة مضيه على النصاب في ايجاب الزكاة وهل هو الحول التام غير المتداخل او الاعم منه ومن المتداخل.
والمقصود بالادلة هي النصوص والاحاديث الواصلة الينا، والاختلاف في الحديث يمكن تصوره على انحاء:
النحو الأول: ان نفترض ان الاختلاف بين الدليلين اختلاف واقعي
النحو الثاني: ان نفترض ان الاختلاف بين الدليلين اختلاف شكلي بان يتخيل الانسان ان هناك اختلافا بين الحديثين نتيجة لجهله باساليب اللغة وقوانين المحاورة وعدم التفاته الى القرائن التي يعتمد عليها المتكلم وغيرها من الأسباب التي تكون من هذا القبيل ولكنه لو أزال جهله واطلع على هذه الأمور واحاط بها سيجد ان الاختلاف مجرد خيال،
وعلى هذا فيكون المراد من الاختلاف الواقعي هو الاختلاف الذي لا يزول حتى بعد معرفة قوانين اللغة وأساليب الكلام والمحاورة والالتفات الى القرائن وما شاكل ذلك، وهذا يمكن تصوره على نحوين أيضا: لأننا تارة نفترض الاختلاف بين حديثين نحرز صدورهما وجدانا من الامام (عليه السلام) والنحو الثاني هو الاختلاف بين احاديث لا نحرز صدورها وجدانا من الامام (عليه السلام) وان كنا نحرز صدورها تعبدا،
والنحو الأول هو الذي اوجب ان يصدر التشكيك من قبل غيرنا في الامامة والعصمة التي نعتقدها في الائمة (عليهم السلام) فقالوا كيف يمكن الاعتقاد بامامة الائمة وعصمتهم والحال انه يصدر منهم احاديث مختلفة، وهذا يقرب كونهم مجتهدين لا معصومين، نعم هذا التشكيك قد لا يمتد الى الاحاديث النبوية التي يرويها السنة عن النبي (صلى الله عليه واله) اما لعدم ثبوت احاديث متعارضة عندهم او لانهم ينكرون وجودها، وهذا القسم من الاختلاف واقع في رواياتنا لكنه نادر جدا فهناك روايات تشير الى ان الامام متعمد ان يوقع الاختلاف ولكن هذا له أسبابه وسيتضح من خلال البحث ان هناك أسباب معقولة جدا وانه مع الالتفات الى هذه الأسباب يرتفع هذا التشكيك ويتبين ان هذا الاختلاف لا ينافي العصمة، ولنفرض ان من جملتها النسخ فقد يبين حكما ثم يبين حكما اخر في نفس الموضوع ناسخا للأول وليس كل الناس يعلمون بالناسخ والمنسوخ، وأيضا فان التقية تلعب دورا في هذا المجال فقد يبين حكماً لشخص ويبين حكماً لشخص اخر في نفس الموضوع بشكل اخر، فهذا القسم نادر الوقوع وعلى تقدير وقوعه فله أسبابه الخاصة التي سياتي بحثها والتي سيرتفع هذا التشكيك معها
والقسم الثاني: هو الاختلاف في الأحاديث المنقولة عنهم بمعنى اننا لا نحرز صدورها من المعصوم وجدانا وان كان هذا ثابت بالتعبد والدليل ومن الواضح ان هذا لا يوجب التشكيك في العصمة والامامة لأننا لا نحرز صدور هذين الامرين المتضادين منه (عليه السلام)، كما هو حال الأحاديث المختلفة عند العامة والتي لا توجب التشكيك بعصمته (صلى الله عليه واله) لعدم احراز صدورها عنه (صلى الله عليه واله)
ولكن الظاهر من بعض الكلمات حصول التشكيك حتى في هذا القسم بمعنى ان جماعة من الملاحدة او من الطوائف الأخرى شككوا في العصمة لمجرد وجود أحاديث متعارضة مدونة في كتبنا الحديثية
وجوابه ان هذا لا ينافي عصمة الائمة (عليهم السلام) ولا ينافي جعل قول المعصوم الذي نتيقن من صدوره والذي لا معارض له من مصادر التشريع، ومع ذلك شككوا في عصمتهم بل ينقل الشيخ الطوسي[1] (قده) في بداية كتاب التهذيب ان هذا الاختلاف أدى الى ارتداد جماعة عن الامامة والعصمة والظاهر من عبارته انه لا يقصد الاختلاف في الاحاديث المعلومة الصدور عنهم بل ظاهر عبارته في الاحاديث المنقولة عنهم.