40/10/11
الموضوع: تعريف التعارض
كان الكلام في المورد الثاني الذي وقع الكلام بينهم في إدخاله في باب التزاحم ام في باب التعارض: وهو التزاحم من غير ناحية القدرة ، وقد ادخل المحقق النائيني (قده) المقام في باب التزاحم وخالفه اخرون حيث ذهبوا الى انه يدخل في باب التعارض وقد مثل له المحقق النائيني[1] (قده) بما اذا ملك المكلف في شهر محرم النصاب الخامس للابل وهو خمس وعشرون من الابل التي يجب فيها خمس شياه في محرم وبعد مضي ستة اشهر ملك بعيرا جديدا فحصل النصاب السادس الذي يجب فيه بنت مخاض فاذا جاء محرم الثاني نستطيع ان نقول انه يجب عليه خمس شياه وفي رجب الثاني يصح ان يقال انه ملك ست وعشرين من الابل مر عليها الحول فيجب فيها بنت مخاض لكن هذه النتيجة لم يلتزموا بها لان مقتضى ذلك ان يدفع زكاتين في عام واحد الا ان الأدلة دلت على ان المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين وعلى هذا الأساس وقع الكلام في ان المقام هل يدخل في باب التزاحم او لا؟ وقد ذهب المحقق النائيني (قده) الى إدخاله في باب التزاحم وحكم بوجوب دفع خمس شياه للتقدم الزماني الذي قالوا انه احد مرجحات باب التزاحم؛ لانه يرى ان التزاحم لا يتوقف على العجز عن امتثال التكليفين بل يتحقق حتى في مورد العلم بعدم وجوب الجمع بين التكليفين وان كان المكلف قادرا على الجمع بين الامتثالين وهذا لا يدخل في باب التعارض باعتبار انه لا يوجد أي تنافي بين الدليلين بلحاظ المدلولين
والراي الثاني: هو ما ذهب اليه السيد الخوئي (قده) من ادخال المقام في باب التعارض فقال معترضا على كلام المحقق النائيني (قده): (ولم يتضح لنا وجه لكون هذا المثال من باب التزاحم، فإنه من قبيل تعارض الدليلين في مسألة الظهر والجمعة بعينه، إذ لا تنافي بين ما يدل على وجوب الظهر وما يدل على وجوب الجمعة، لامكان الجمع بينهما. ولكن التنافي بينهما إنما هو من جهة الدليل الخارجي، وهو الاجماع والضرورة القاضية بعدم وجوب ست صلوات في يوم واحد، كما تقدم. فالصحيح إدخال المثال المذكور في التعارض دون التزاحم، وانحصار التزاحم بما إذا كان المكلف عاجزا عن امتثال الحكمين معا)[2]
وهذا المطلب يمكن دعمه ببيان انه في محل الكلام لا يجب الجمع بين التكليفين اما للاجماع والتسالم او للروايات الدالة على ان المال الواحد لا يجب تزكيته في السنة مرتين ومعنى عدم وجوب الجمع بينهما مع فرض قدرة المكلف على الجمع بينهما هو ان الشارع يتنازل عن احد التكليفين لمصلحة هو يراها وهذا يعني حصول حالة تكاذب بينهما فلا ندري اي تكليف تنازل عنه الشارع فكل من الدليلين يطلب من المكلف امتثاله ونحن نعلم بان احدهما لا يجب امتثاله، وهذا العلم الاجمالي بسقوط احد التكليفين يخلق حالة التكاذب بين الدليلين فيدخل المقام في باب التعارض
ومن جهة اخرى قد يقال بدخول المقام في باب التزاحم بتقريب ان المستفاد من الادلة الدالة على وجوب الزكاة بعد مضي الحول هو ان موضوعها هو مرور حول تام من دون ان يفترض فيه التداخل، فان المفهوم عرفا من قولنا يجب على المكلف اذا مضى على سكناه في الدار شهر ان يدفع كذا من المال هو ان موضوع هذا الحكم هو مضي شهر تام لا تداخل فيه؛ لاننا لو قلنا بان موضوع الحكم هو الشهر المتداخل فلازمه ان هذا المكلف لو سكن الدار خمساً وثلاثين يوماً ان يدفع هذا المقدار من المال مراراً لانه في اليوم الاول من الشهر الثاني يجب عليه ان يدفع هذا المقدار من المال وفي اليوم الثاني من الشهر الثاني نستطيع ان نقول انه مضى عليه شهراً اذا كان ابتداء الحساب هو اليوم الثاني من الشهر الاول، وهكذا الا ان هذا لا يمكن الالتزام به.
وبتطبيق الكلام على المقام نقول ان الظاهر من الحول الذي تجب عنده الزكاة هو الحول غير المتداخل، والزمان الذي مضى على تملك المكلف للابل في المثال هو ثمانية عشر شهرا من اول محرم في العام السابق الى رجب من العام الثاني، وهذا المقدار لا يشكل عامين تامين مستقلين، فلا يمكن ان يقال بانه مضى على النصاب الخامس عند هذا المكلف حول ومضى على النصاب السادس عنده حول، نعم اذا بقي مالكاً للنصاب السادس حولا تاما فعندئذ يجب عليه ان يدفع بنت مخاض، فموضوع الحكم لم يتحقق الا لواحد من النصابين، فاما ان يلحظ النصاب الخامس فيجب عليه ان يدفع زكاتها في محرم القادم او ان يلحظ النصاب السادس فيجب عليه ان يدفع زكاتها في رجب القادم، وهذا يعني ان هناك تنافي بين الحكمين في مرحلة تحقق الموضوع والفعلية، والمحقق النائيني (قده) يرى بان التزاحم يتحقق لو كان هناك تنافي في مرحلة الفعلية.
والذي يبدو ان الاقرب للتصديق هو الاول لانه مع فرض وجود تكليفين فعليين والمكلف قادر على امتثالهما معاً فلا وجه لعدم طلب امتثالهما من المكلف الا اذا فرضنا ان الشارع تنازل عن احد التكليفين وهذا يحقق حالة التكاذب بين التكليفين فيقع التعارض بينهما.