40/10/08
الموضوع: تعريف التعارض
الوجه الثالث لتاييد ما ذكره السيد الخوئي (قده) من ان المقام يدخل في باب التعارض لا في باب التزاحم هو ما ذكرناه في الدرس السابق وحاصله ان هناك اشكال في باب التزاحم في الواجبات الاستقلالية وهو انه لو كان الامر بكل من الواجبين المتزاحمين مشروطا بترك الاخر يلزم منه ان يصبح وجوب كل منهما فعليا لو تركهما معا وهذا يؤدي الى طلب الجمع بين المتضادين وهو محال
وحله هو ما ذكروه من ان طلب كل منهما لو كان على نحو الترتب لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين ، وبعبارة أخرى: ان معنى الترتب هو ان الله سبحانه لا يريد من العبد ان يجمع بينهما لانه لا يريد الا احدهما لان وجوب الأول بحسب الفرض مشروط بترك الاخر فاذا جاء به فهو لا يريد منه الأول.
وهذا الجواب عن الاشكال لا يتم في محل الكلام فيبقى الاشكال قائماً وهو يمنع من ادراج المقام في باب التزاحم؛ فلو فرضنا ان وجوب كل واحد من الواجبين الضمنيين المتزاحمين مشروط بترك الاخر فبتركهما معاً يصبح وجوب كل منهما فعليا مما يؤدي الى طلب الجمع بين المتضادين لان فعلية التكليف بالركوع وفعلية التكليف بالقيام يعني صيرورة الامر الاستقلالي بالمجموع المركب من كافة الأجزاء والشرائط فعلياً.
الوجه الرابع : دعوى ان ادلة الأجزاء والشرائط ظاهرة في الارشاد الى الجزئية والشرطية وليس مفادها حكماً تكليفياً حتى اذا وردت بلسان الامر والنهي وهذا المفاد لا يقبل التزاحم، والقاعدة في مثل المقام ان نتمسك باطلاق دليل الجزئية التي مفادها الارشاد الى ان هذا معتبر في المركب وان المركب ينتفي بانتفائه مطلقا حتى في حالة العجز عنه، وهذا ينتج عدم امكان الاتيان بالمركب في حالة العجز ولازم هذا الكلام سقوط الامر بالمركب عند العجز عن احد الأجزاء او الشرائط، نعم اذا فرض وجود دليل يدل على عدم سقوط الامر بالمركب عند العجز عن بعض أجزائه وشرائطه –كما ادعي ذلك في باب الصلاة- ففي هذه الحالة يقع التعارض بين اطلاق الدليل الدال على جزئية الجزء الأول واطلاق الدليل الدال على جزئية الجزء الاخر وهذا التعارض ناشيء من العلم الإجمالي بعدم ثبوت احدى الجزئيتين.
المورد الثاني: التزاحم من غير ناحية القدرة أي مع فرض القدرة على الاتيان بكلا الواجبين ، وقد ادخل المحقق النائيني (قده) المقام في باب التزاحم وخالفه اخرون حيث ذهبوا الى انه يدخل في باب التعارض وقد مثل له المحقق النائيني[1] (قده) بما اذا ملك المكلف في شهر محرم خمس وعشرين من الابل التي يجب فيها خمس شياه وبعد مضي ستة اشهر ملك بعيرا جديدا فحصل النصاب السادس الذي يجب فيه بنت مخاض فاذا جاء محرم الثاني نستطيع ان نقول انه يجب عليه خمس شياه وفي رجب الثاني يصح ان يقال انه ملك ست وعشرين من الابل مر عليها الحول فيجب فيها بنت مخاض الا ان الأدلة دلت على ان المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين وعلى هذا الأساس يقع التزاحم بين الحكمين وهو ينشا من الدليل الخارجي الدال على ان المال الواحد لا يزكى في السنة الواحدة مرتين،
وقد قدم الحكم الأول وهو وجوب دفع خمس شياه للتقدم الزماني الذي قالوا انه احد مرجحات باب التزاحم فاذا دفعها فلا يجب عليه ان يدفع بنت مخاض للدليل على ان المال الواحد لا يزكى في السنة مرتين.
وفي المقابل خالف السيد الخوئي (قده) وذهب الى ان المورد يدخل في باب التعارض.
وفي الحقيقة ان منشا الخلاف هو ان المحقق النائيني ينظر من زاوية انه لا تنافي بين مدلولي الدليلين فيدخل في باب التزاحم وغاية ما في الامر ان التزاحم في المقام لم ينشا من ناحية القدرة، بينما الطرف الاخر ينظر الى ان شروط باب التزاحم لا تنطبق في المقام فلا تضيق قدرة المكلف عن الجمع بين الامتثالين فيدخل في باب التعارض.