الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف التعارض

قلنا في تحقيق مسالة خروج التزاحم عن باب التعارض ودخوله فيه، بانه اذا تم امران : احدهما ان كل خطاب شرعي مقيد بعدم ضد لا يقل عنه اهميه ، والاخر امكان الترتب وعدم استحالته، فباب التزاحم خارج عن باب التعارض ولابد ان نتكلم عن قوانين واحكام خاصه تتعلق به ، والسر فيه انه حينئذ لا يقع تنافي بين الجعلين وهذا الجعلان المشروطان ينتجان وجوبين مشروطين على نحو الترتب فتجب الصلاه بشرط ان لا ياتي بالازاله وتجب الازاله بشرط ان لا ياتي بالصلاة واما اذا انكرنا احد هذين الامرين فيدخل في باب التعارض، اما انكار الامر الاول بان يقال بان اطلاق خطاب صل يقتضي وجوب الصلاة مطلقا حتى مع الاشتغال بالازالة كما ان اطلاق خطاب ازل يقتضي وجوب الازالة حتى مع الاشتغال بالصلاة وهذا في حد نفسه محال مع فرض ضيق قدرة المكلف عن امتثال كل منهما وهذا ينتج التعارض بينهما لانه يؤدي الى طلب المحال فلا محاله يتحقق التعارض بين الدليلين اذ يستحيل جعل خطابين من هذا القبيل فمعنى ذلك اننا نعلم بكذب احدهما ،

واما اذا انكرنا الثاني وقلنا باستحالة الترتب حتى اذا سلمنا بالاول فسوف يؤدي وجود هذين الخطابين المشروطين الى فعلية مجعوليهما معا في حالة العصيان لان المكلف اذا اشتغل بالصلاة فلا تجب عليه الازالة لان خطاب الازالة مقيد بعدم الاشتغال بالصلاة و اذا اشتغل بالازالة فان خطاب صل لا يتوجه اليه ، ففي فرض اشتغاله باحدهما فلا محذور لانه لا يؤدي الى فعلية كلا المجعولين وانما يكون ذلك في حالة العصيان فبه يتحقق شرط فعلية كل منهما وحينئذ سوف يسرى التنافي الى الجعل وهذا هو الذي يحقق التعارض، اي ثبوت خطابين مشروطين بما هما مشروطان يؤدي الى هذا المحذور وهو فعلية مجعوليهما معا وهذا محال لان المفروض عدم قدرة المكلف على امتثالهما معا اما اذا قلنا بامكان الترتب فلا ترد المشكلة لانه لا مانع من ان يصبحا فعليين ولكن على نحو الترتب

الشيء الاخر الذي ينبغي التنبيه عليه هو ان بحث التزاحم يقدم صغرى لبحث التعارض بمعناه العام اي التعارض الاصطلاحي الشامل لحالات التعارض المستقر وحالات التعارض غير المستقر فان البحث في التزاحم في الحقيقة يقع في انه هل يوجد تعارض مستحكم بين الدليلين المتزاحمين ام لا فان وجد طبق عليه قوانين التعارض المستقر وان لم يوجد يطبق عليه قوانين باب التعارض غير المستقر

ويبقى سؤال انه لماذا نبحث في التزاحم هل هناك تعارض مستقر او لا؟ وهذا في الحقيقة يرتبط بالامرين السابقين اي في ان الخطاب الشرعي مقيد لبا بعدم ضد لا يقل عنه اهميه ، و امكان الترتب وعدم استحالته

لان تمام كلا الامرين يعني ان باب التزاحم لا يكون فيه تعارض مستحكم فنطبق عليه احكام التعارض غير المستحكم واما اذا لم ننتهي في بحث التزاحم الى ثبوت كلا الامرين فان هذا يعني انه يدخل في باب التعارض الحقيقي فنطبق عليه احكام باب التعارض المستقر

ثم ان محاولات الترتب او تقييد الخطاب الشرعي بقيد لبي هي محاولات لاخراج باب التزاحم عن التعارض

واخيرا هناك فوارق بين التعارض وبين التزاحم ينبغي الالتفات اليها، فبعد اشتراكهما في التنافي بين الحكمين بنحو لا يمكن الجمع بينهما في مرحله الفعليه و الامتثال، يفترقان في العديد من الأمور :

منها : ان التزاحم يختص بالاحكام الاقتضائية فلابد ان يكون الحكمان المتزاحمان اقتضائيين بمعنى ان كل منهما يطلب من المكلف صرف قدرته في ايجاد متعلقه اما اذا كان احدهما غير اقتضائي كما لو كان احد الحكمين وجوب والاخر اباحة او احدهما وجوب والاخر عدم وجوب فلا يقع التزاحم بينهما فان الاباحة لا الزام فيها ، بينما لا يشترط هذا الشرط في باب التعارض بل حتى لو لم يكن احد الحكمين اقتضائيا يجعل التعارض لانه بمعنى التنافي بين الحكمين بحيث يمتنع جعلهما لانه يستلزم العلم بكذب احد الحكمين

ومنها : ان التزاحم ماخوذ فيه تمامية ملاك كلا الحكمين فانه لا تصل النوبة اليه الا بعد فرض تمامية ملاك كل واحد من الحكمين بان يكون الملاك تاما الى درجه يقتضي تشريع الحكم على طبقه، نعم المكلف غير قادر على الجمع بين الامتثالين و لا مانع من ان يكون كل منهما فعليا في ظرف القدرة على الاتيان بمتعلقه، بينما هذا غير معتبر في باب التعارض بل هو يجتمع مع فرض العلم بعدم ثبوت الملاك في احد الحكمين كما لو دل احدهما على وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة والأخر على حرمتها وعلمنا ان احدهما ليس فيه ملاك فان التعارض يقع بينهما بمعنى انهما يتكاذبان ويستحيل جعلهما

ومنها : ان التعارض مبني على فرض وجود الدليل على كل من الحكمين بحيث يكون التنافي بين الحكمين مستلزما للتنافي بين الدليلين في مقام الاثبات فلا يقع التعارض لو كان لدينا حكمين فقط لان التعارض من احكام الأدلة ، ولا يشترط ذلك في باب التزاحم فان الحكم بوجوب الصلاة والحكم بوجوب الازالة مع فرض عدم قدرة الكلف على امتثالهما معا متزاحمان سواء دل على فعليتهما دليل ام لا ،