الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف التعارض

كان الكلام في ما ذكره السيد الخوئي (قده) في تقريرات درسه لاثبات عدم التنافي بين المدلولين في موارد الجمع العرفي وانتهى الكلام الى التخصيص فقال : ( وبالجملة: لاينبغي الاشكال في حجية الظهور من حيث الارادة الاستعمالية، ومن حيث الارادة الجدية ببناء العقلاء، ويعبّر عن الأوّل بأصالة الحقيقة، وعن الثاني بأصالة الجهة أو أصالة الجد، ومن المعلوم أنّ بناء العقلاء على العمل بالظواهر إنّما هو في مقام الشك في المراد الاستعمالي أو المراد الجدي، إذ لم يتحقق بناء منهم على العمل بالظواهر مع العلم بأنّ مراد المتكلم خلاف الظاهر، أو مع العلم بأ نّه في مقام الامتحان أو التقية، وليست له إرادة جدية، فلا يمكن الأخذ بالظهور مع قيام القرينة القطعية على الخلاف من الجهة الاُولى أو الجهة الثانية، بلا فرق بين كون القرينة متصلة في الكلام أو منفصلة عنه، غاية الأمر أنّ القرينة المتصلة مانعة عن انعقاد الظهور من أوّل الأمر، والقرينة المنفصلة كاشفة عن عدم كون الظاهر مرادا ، هذا كله في القرينة القطعية. وكذا الكلام في القرينة الظنية المعتبرة كالخبر، فانّه أيضاً قرينة قطعية غاية الأمر أ نّه ليس قرينة قطعية وجدانية، بل قرينة قطعية تعبدية، وغاية الفرق بين القرينة القطعية والقرينة الظنية: أنّ القرينة القطعية مقدّمة على العام مثلاً بالورود، لارتفاع موضوع حجية العام وهو الشك بالوجدان، إذ لا يبقى شك مع القرينة القطعية. والقرينة الظنية مقدّمة على العام بالحكومة، لارتفاع موضوع حجيته وهو الشك بالتعبد الشرعي،

فالدليل الخاص وإن كان مخصصاً بالنسبة إلى الدليل العام، لكنّه حاكم بالنسبة إلى دليل حجية العام، إذ الموضوع المأخوذ في دليل الحجية هو الشك، والدليل الخاص يرفع الشك تعبداً، فمرجع التخصيص إلى الحكومة بالنسبة إلى دليل الحجية، فلا منافاة بينهما على ما تقدم. كما أنّ مرجع الحكومة إلى التخصيص، فان مفاد قوله (عليه السلام): (( لا ربا بين الوالد والولد)) هو نفي حرمة الربا بينهما، وإن كان لسانه نفي الموضوع، فهو تخصيص بالنسبة إلى الأدلة الدالة على حرمة الربا عموماً، لكنّه تخصيص بلسان الحكومة. وكذا الأمر في كل قرينة مع ذيها، فانّه إن كانت القرينة قطعية، فهي واردة على ذي القرينة، لكونها موجبة لارتفاع موضوع حجيته بالوجدان، وإن كانت القرينة ظنية، فهي حاكمة على ذيها، لكونها موجبة لارتفاع موضوع حجيته بالتعبد الشرعي. وظهر بما ذكرناه أ نّه لا تنافي بين الأظهر والظاهر فضلاً عن النص والظاهر فانّ الأظهر قرينة على إرادة الخلاف من الظاهر. فتحصّل مما ذكرناه: أ نّه لا تنافي بين العام والخاص، وأنّ الخاص يقدّم على العام من باب الحكومة بالنسبة إلى دليل حجية العام وإن كان تخصيصاً بالنسبة إلى نفس العام. وهذا هو الفارق بين التخصيص والحكومة المصطلحة، فانّ الدليل الحاكم حاكم على نفس الدليل المحكوم في الحكومة الاصطلاحية، بخلاف التخصيص، إذ الخاص ليس حاكماً على نفس العام، بل حاكم على دليل حجية العام، على ما عرفت. ولا يتوقف تقديم الخاص على العام على كون الخاص أظهر والعام ظاهراً،)[1]

هذا خلاصة ما ذكر في المقام ، والذي يظهر من مجموع هذه الكلمات :

اولا : انهم اتفقوا على عدم التنافي بين الدلالتين في موارد الجمع العرفي وانما اختلفوا في وجود تنافي بين المدلولين فاثبته صاحب الكفاية وانكره السيد الخوئي (قدهما) .

ثانيا : انهم اتفقوا على ضرورة اخراج موارد الجمع العرفي عن تعريف التعارض .

فالكلام يقع في تنقيح عدة امور :

الامر الاول : في ما اتفقوا عليه من عدم وجود تنافي بين الدلالتين في موارد الجمع العرفي، فقد يقال بان ما ذكروه ليس صحيحا بل يوجد تنافي بينهما باعتبار ان المقصود من التنافي بين الدلالتين ان كان بحسب الظهور فالتنافي بينهما واضح في موارد التخصيص عندما يكون الخاص منفصلا لان الخاص المنفصل لا يهدم اصل الظهور وانما يوجب اسقاطه عن الحجية فالعام ينعقد له ظهور في الشمول والعموم والخاص ظاهر في الخصوص فيتنافيان نعم اذا كان الخاص متصل امكن ان يقال بعدم التنافي بينهما بحسب الظهور لان العام لا ينعقد له ظهور في العموم، وان كان المقصود هو التنافي بين الدلالتين بحسب الحجية فالتنافي بينهما واضح لان معنى حجية العام في ظهوره انه يثبت الحكم لجميع الافراد بما فيها الخاص بينما الخاص يقول هذا الفرد لا يثبت له الحكم ، فحجية ظهور العام في الشمول تنافي دلالة الخاص بحسب الحجية في مفاده ، فقد يخدش في الامر المتفق بينهم بما ذكرناه ،

ولكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال ويقال بان الصحيح هو ما اتفقوا عليه من عدم التنافي بين الدلالتين في موارد الجمع العرفي لان المقصود هو التنافي بين الدلالتين بحسب الحجية لا الظهور ولا تنافي بين حجية ظهور العام وحجية ظهور الخاص لما سياتي من ان اقتضاء حجية دليل العام في الشمول معلق على عدم مجيء الخاص فاذا جاء الخاص لا يكون دليل الحجية مقتضيا للشمول في العام ، الامر الثاني : في صحة ما ذكره السيد الخوئي (قده) من عدم وجود تنافي بين المدلولين في موارد الجمع العرفي في باب الحكومة ، لان الدليل المحكوم لا يثبت موضوعه بل مفاده اثبات الحكم على تقدير تحقق الموضوع وهذا لا ينافي الدليل الحاكم الذي ينفي هذا الموضوع لان مدلول الدليل المحكوم قضية شرطية فهو يقول اذا كانت المعاملة ربوية فهي محرمة والدليل الحاكم يقول لا يوجد ربا بين الوالد وولده

ويلاحظ عليه ان عدم التنافي بين المدلولين في باب الحكومة اذا تم فهو لا يتم في جميع اقسام الحكومة ، بل هي تتم في الحكومة التي يكون نظر الدليل الحاكم فيها الى عقد الوضع كما في مثال (( لا ربا بين الوالد وولده )) لانه ناظر الى عقد الوضع في دليل حرمة الربا ، واما الحكومة التي تكون بملاك النظر الى عقد الحمل في الدليل المحكوم فالتنافي بين المدلولين يبقى محفوظا ، من قبيل دليل لا حرج فهو ناظر الى الحكم في ادلة الاحكام الاولية ، فاذا كان ناظرا الى المحمول فيكونان في عرض واحد لانهما دليلان يشتركان في الموضوع ويختلفان في الحكم فالاول يثبته والاخر ينفي عنه الحكم فالدليل الاولي يقول بان وجوب الوضوء ثابت في موارد الحرج والضرر ودليل لا حرج يقول بان الوجوب غير ثابت في موارد الحرج والضرر


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج48، ص423.