الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية

كان الكلام في ما اذا كان هناك تنافي بين الاستصحابين في مقام الامتثال ، كما في استصحاب وجوب الصلاة واستصحاب وجوب الازالة وقلنا بان المحقق النائيني (قده) يرى دخول المقام في باب التزاحم فلا مانع من استصحاب الحكمين ويقع بينهما التزاحم فيقدم بالاهمية وامثالها ، وذكر انه لا تعارض بينهما لانه لا تنافي بين الجعلين اذ لا مانع من تصور الجعل في كل منهما فان قلت ان جعلهما يؤدي الى التكليف بما لا يطاق فالجواب هو الجواب في باب التزاحم ولا فرق بين المتزاحمين الواقعيين والظاهريين ،

وقلنا بان هذا لا يدفع الاشكال الا بلحاظ عالم الجعل لانه بناءا على فكرة الترتب لا مانع من جعل الحكمين دون التنافي بين المجعولين بهذين الجعلين بمعنى ان فعلية وجوب الصلاة تنافي فعلية وجوب الازالة ، وبناءا على هذا تاتي الملاحظة على ما ذكره من جريان الاستصحاب في المقام لانه يرى الاستصحاب في المجعول دون الجعل فاذا شك المكلف في بقاء الحكم واجرى الاستصحاب فيهما فاذا اشتغل بالاهم فسوف يقطع بعدم فعلية المجعول الاخر وانتفائه لعدم تحقق شرطه لان المفروض ان المجعول الاخر مشروط بعدم الاشتغال بالمزاحم المساوي او الأهم ، فمع الاشتغال باحدهما لا يكون الاخر فعليا ، ومعه لا يجري فيه الاستصحاب

وعلى كل حال فان ما ذكره من انه لا مانع من جريان استصحاب وجوب الصلاة ووجوب الازالة لا ينسجم مع تصوراته بان الاستصحاب لا يجري في باب الجعل بل المجعول

والى هنا يتم الكلام في مبحث الاستصحاب ، وقد جرت عادة الفقهاء الكلام حول قاعدة التجاوز والفراغ وامثالهما ولكننا نرى انها خارجة عن بحث الاستصحاب بل عن بحث الأصول فهي مباحث فقهية فنحن لا نتبعهم في ذلك ولا ندخل فيها

ثم يقع الكلام في مبحث التعارض او ما يعبر عنه ببحث التعادل والتراجيح او التعادل والترجيح

وهو من البحوث المهمة جدا لكثرة وقوع التعارض بين الأدلة ، وينصب الكلام الرئيسي على بحثين رئيسيين

المبحث الأول: في كيفية علاج حالة التعارض على ضوء دليل الحجية وهل انه يقتضي التساقط او الترجيح او التخيير

المبحث الثاني: في علاج حالة التعارض على ضوء الأدلة الخاصة التي تسمى بالاخبار العلاجية

وبعد فرض عدم وجود مرجح او تساوي الدليلين في المرجح فالقاعدة الثانية هل تقتضي التساقط او التخيير

ثم انهم عرفوا التعارض بتعاريف

الأول: هو ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) واختاره جماعة بان التعارض هو عبارة عن التنافي بين مدلولي الدليلين ، وهذا يشمل التنافي بين المدلولين بنحو التناقض كما اذا دل دليل على وجوب شيء ودل اخر على عدم وجوبه او بنحو التضاد كما اذا دل دليل على وجوب شيء ودل الاخر على حرمته ، نعم قالوا بانه يمكن ارجاع التضاد للتناقض لان الدليل الدال على وجوب شيء يدل على نفي حرمته بالالتزام وهكذا الدليل الدال على الحرمة هو ينفي الوجوب بالالتزام ، فالدليل الدال على الوجوب يكون منافيا للدليل الدال على الحرمة بنحو التناقض

ولذا قال صاحب هذا الوجه بانه يمكننا ان نعرف التعارض بانه التنافي بين مدلولي الدليلين بنحو التناقض

و يلاحظ على هذا التعريف بانه ليس مانعا من دخول الاغيار لانه سوف يدخل فيه موارد الجمع العرفي كالتخصيص والتخصص والحكومة باعتبار ان المدلولين فيها متنافيان ولكن يجمع بينهما جمعا عرفيا ، والحال انها ليست داخلة فيه ولذا لا يطبق عليها قواعد باب التعارض ،

الثاني : ولعله لذلك اختار صاحب الكفاية (قده) في تعريفه بانه التنافي بين الدليلين في دلالتهما وكانه يريد ان يخرج موارد الجمع العرفي بهذا التعريف ، لان الدليلين في موارد الجمع العرفي لا يتنافيان بدلالتهما وان كان هناك تناف بمدلوليهما ،

وحاول السيد الخوئي (قده) في تقريراته ان يدفع الاشكال عن التعريف الأول بإخراج موارد الجمع العرفي عنه فانه لا تنافي بين المدلولين فيها

وذكر بانه لا تنافي بين المدلولين في موارد التخصص لانه الخروج الموضوعي فلا تنافي بين المدلولين فان الدليل الذي يثبت الحرمة للخمر لا ينافي الدليل الذي يثبت الحلية للماء ونفس الكلام ذكره في الورود فانه في باب الورود فان الدليل الوارد يرفع موضوع الدليل الاخر رفعا تكوينيا بتوسط التعبد الشرعي كما في البراءة العقلية مع الدليل الذي يدل على حرمة شيء ، فان موضوعها عدم البيان والمراد به مطلق البيان فالدليل الذي يدل على حرمة شيء يعتبر بيان عليه فيرتفع موضوع القاعدة به ومن الواضح عدم التنافي بين مدلولي الدليلين في هذه الحالة