40/08/09
الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية
كان الكلام في جريان الأصول المتنافية بالعرض اي من جهة العلم الإجمالي والكلام يطرح في خصوص ما اذا فرضنا ان العلم الإجمالي لم يكن علما اجماليا بالتكليف والا فان مقتضاه تعارض الأصول وتساقطها وهو الذي عبرنا عنه بانه اذا لزم من جريان الأصول في اطراف العلم الإجمالي الترخيص في المخالفة القطعية فانه يؤدي الى تعارض الأصول وتساقطها فلا تجري ، وكلامنا في ما اذا علم بطهارة احد الانائين اللذين يجري في كل واحد منهما استصحاب النجاسة ولذا لا يلزم من جريان الاصلين الترخيص في المخالفة القطعية لان العلم الإجمالي بالطهارة ليس علما اجماليا بالتكليف ،
وانتهى الكلام الى ان المحقق النائيني (قده) وافق الشيخ الانصاري (قده) في المنع من جريان الاستصحاب في الطرفين لكن لمحذور ثبوتي لا اثباتي وكان حاصله[1] : ان جريان الاستصحاب في الطرفين مع العلم بمخالفة احدهما للواقع غير معقول ومرجع كلامه الى انه كيف يعقل لمن يعلم بطهارة احد الانائين واقعا ان يعبده الشارع بكونه عالما بنجاسة كل منهما بناءا على ان الاستصحاب اصل محرز قد جعلت فيه العلمية والطريقية ومرجعه الى اعتبار المكلف الشاك بالبقاء عالما بالبقاء ، فمع العلم الإجمالي الوجداني بطهارة احد الانائين لا يعقل جريان استصحاب النجاسة في كل من الانائين .
وذكر السيد الخوئي (قده) في مقام الجواب : ( أنه لا فرق في ذلك بين الأصول المحرزة وغيرها. وسرّ عدم الفرق عدم حجية مثبتات الأصول المحرزة، فان الاستصحاب مثلا لو كان مثبتاته حجة لزم من جريانه في الأطراف التعبد بمتنافيين، حيث ان التعبد بنجاسة كل منهما بالالتزام تعبد بطهارة الآخر، لمكان العلم الإجمالي، فمرجع استصحاب النجاسة في كلا الإناءين إلى التعبد بنجاستهما وطهارتها، وهو كما ترى. و اما على المختار من عدم حجية مثبتاته حتى لو كان أمارة، فلا يلزم من جريانه في الأطراف التعبد بالمتنافيين، لأن التعبد بنجاستهما ظاهرا لا ينافي طهارة أحدهما في الواقع. والعلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع لا يمنع جريانهما ولو كانا محرزين، كما التزموا بجريان قاعدة الفراغ فيما إذا شك بعد الصلاة في أنه توضأ أم لا، مع ذهابهم إلى استصحاب الحدث بالإضافة إلى الصلاة التي يريد ان يدخل فيها، مع العلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع. و حاصل الجواب عن هذه الكبرى ان المستصحب لو كان نجاسة مجموع الإناءين لكان ذلك منافيا مع العلم بطهارة أحدها واقعا، ولكن ليس الأمر كذلك، بل المستصحب انما هو نجاسة كل من الإناءين بخصوصه، ولا ينافي التعبد بنجاسة هذا الإناء بخصوصه مع العلم بطهارة أحد الإناءين، وكذا التعبد بنجاسة ذاك الإناء بخصوصه، فلا يلزم من جريانها في الأطراف سوى العلم بمخالفة أحدهما للواقع. و لا يقاس الأصل المحرز بالبينة ونحوها من الأمارات، حيث لا يمكن إجرائها في جميع الأطراف، فان الفرق انما هو من جهة حجية مثبتات البينة دونها، فيلزم من جريانها في جميع الأطراف وقوع المعارضة بين مدلولها المطابقي والالتزامي )[2]
وما يمكن ان يقال في المقام انه لا يظهر من كلمات المحقق النائيني (قده) في المقام ان مقصوده من المحذور الثبوتي هو ما ذكره السيد الخوئي (قده) اي التعبد بالامرين المتنافيين الذي ينشا من اعتبار الاستصحاب حجة في مدلوله الالتزامي بل ان المحذور الذي ذكره هو ان العالم وجدانا بطهارة احد الانائين يستحيل اعتباره عالما بنجاستهما بناءا على ان الاستصحاب فيه حيثية حكاية عن الواقع وقد جعل فيه اعتبار الشاك بالحالة السابقة متيقنا ببقائها فان هذا يستحيل ان يعتبره الشارع عالما بنجاسة كلا الانائين مع انه عالم بطهارة احدهما وهذا لا علاقة له بكون مثبتات الاستصحاب حجة ام لا ، لان هذا الاشكال مبني على ان الاستصحاب فيه جنبة كشف وحكاية عن الواقع وان الشارع بدليل اعتباره تمم هذا الكشف عن الواقع ، والظاهر ان السيد الخوئي (قده ) يلتزم بذلك لانه يرى ان الاستصحاب امارة
ومن هنا يظهر ان الجواب الصحيح على هذا المحذور الثبوتي هو انكار اصل المبنى والالتزام بان الاستصحاب لم تجعل فيه العلمية والطريقية فلم يعتبره الشارع عالما بالنجاسة بل اعطاه وظيفة ظاهرية وهي البناء على ان هذا الاناء نجس عند الشك فيه فحاله حال الاصول العملية الاخرى ، فالعالم بطهارة احد الانائين وجدانا لا يعتبره الشارع عالما بنجاستهما حتى يحصل هذا المحذور الثبوتي وانما يثبت باجراء الاستصحاب في كل من الطرفين حكم ظاهري بالنجاسة ومن الواضح بان الحكم الظاهري بنجاستهما لا ينافي العلم بان احدهما طاهر واقعا اذ لا منافاة بين الحكم الواقعي والظاهري .
وبعبارة اوضح : اننا نجري الاستصحاب في كل واحد من الطرفين بخصوصه لان كل واحد منهما واجد لاركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق والاستصحاب الجاري في هذا المورد بخصوصه لاينافي العلم بان احدهما طاهر ، ونفس الكلام يقال في الاناء الاخر ، بل لو كان المستصحب هو نجاسة كلا الانائين فانه لا ينافي الحكم بطهارة احدالانائين واقعا لانه حكم ظاهري
ومن هنا يتضح الجواب عن تقريب اخر للمحذور الثبوتي غير ما ذكره السيد الخوئي (قده ) وهو تقريب اخر يمكن ان يفسر به كلام المحقق النائيني (قده) وهو ان الاستصحاب الذي يراد اجراءه في اطراف العلم الاجمالي لما كانت حجيته بلحاظ حكايته عن الواقع فيشترط في جريانه احتمال مطابقته للواقع وعدم القطع بكذبه اذ لا معنى لان نجعل شيئا حاكيا عن الواقع مع العلم بمخالفته للواقع ، وهذا لا يفرق فيه بين ما اذا علمنا بكذب طريق تفصيلا وما اذا علمنا بكذب احد طريقين فكل منهما لا يمكن جعل الحجية له بلحاظ حكايته عن الواقع .