الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية

ذكرنا بان الاصلين قد يكونان متوافقين وقد يكونان متنافيين ، وتكلمنا في حالة التوافق ، واما الاصلان المتنافيان فقد يكون التنافي بينهما في عالم الجعل بالذات او بالعرض وقد يكون التنافي في عالم الامتثال ، وتقدم الكلام عن التنافي بالذات والان ندخل في القسم الثاني أي التنافي في عالم الجعل بالعرض والمقصود منه هو صورة ما اذا كان التنافي ناشئا من العلم الإجمالي بكذب احدهما كما في المثال المعروف في العلم الإجمالي بنجاسة احد الانائين اللذين يكون كل منهما مجرى لاستصحاب الطهارة ، فلا يمكن اجراء الاصلين بالطرفين فيقع التنافي بين الاصلين بالعرض ، وتقدم في مباحث العلم الإجمالي : بانه لابد من الالتزام بسقوط الاصلين في الطرفين لان اجراء الأصل في كلا الطرفين يلزم منه محذور الترخيص في المخالفة القطعية واجراءه في احدهما تعيينا ترجيح بلا مرجح واجراءه في احدهما تخييرا ليس هو مفاد ادلة الاستصحاب ، مما يعني تساقط الاصلين وعدم جريانهما في اطراف العلم الإجمالي ، و هذا كله اذا لزم من جريان الأصل في الأطراف الترخيص في المخالفة القطعية اذ لا يمكن ان يرخص الشارع في مخالفته القطعية ، وهذا مبني على مسلك الاقتضاء في منجزية العلم الإجمالي واما على مسلك العلية التامة فلا نحتاج الى تعارض الأصول بل ان العلم ينجز وجوب الموافقة القطعية كما ينجز حرمة المخالفة القطعية

ومحل الكلام في ما اذا كان اجراء كل من الاصلين في الطرفين لا يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية كما لو فرضنا ان المكلف علم بطهارة احد الانائين المعلومي النجاسة سابقا ففي هذا المثال لا يلزم من جريان الاصلين الترخيص في مخالفة قطعية اذ لا يوجد تكليف وانما يكون تكليف لو كان عالما بالنجاسة ، ففي هذه الحالة التي لا يلزم من جريان الاصلين فيها الترخيص بالمخالفة القطعية هل يجري الاستصحابان في الطرفين ام ان كون الأصل في الطرفين تنزيلي يكون مانعا من جريانهما ، ووقع الخلاف في هذه المسالة بين الاعلام فقد ذهب الشيخ الأعظم (قده) في رسائله الى المنع من جريان الأصل في اطراف العلم الإجمالي حتى لو لم يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية وقد تبعه المحقق النائيني (قده ) على ذلك ، وفي المقابل ذهب صاحب الكفاية الى انه لا مانع من جريانهما ،

وقد طرح الشيخ الانصاري اشكالا اثباتيا بمعنى ان دليل الاستصحاب قاصر عن الشمول لمثل هذه الحالة فان دليل الاستصحاب له صدر مفاده حرمة نقض اليقين بالشك وفي ذيله يقول (( بل تنقضه بيقين اخر )) وتطبيق دليل الاستصحاب على محل الكلام يلزم منه وقوع تهافت وتعارض بين صدر الرواية وذيلها وهو يؤدي الى الاجمال في الرواية

بيان: ان صدر الرواية يقتضي جريان الاستصحاب في كلا الطرفين لان المكلف في كل طرف شاك في بقاء النجاسة المعلومة سابقا ، بينما مقتضى ذيل الرواية رفع اليد عن الاستصحاب في احد الطرفين لوجود اليقين الناقض لليقين فان اليقين بطهارة احد الانائين ناقض لليقين بنجاسة احد الانائين والمكلف لديه يقين بطهارة احد الانائين ، ومن هنا يقع التهافت بين صدر الرواية وذيلها ، وحيث لا مرجح يكون اجمال في دليل الاستصحاب وهو مانع من التمسك به لاثبات جريان الاستصحاب في محل الكلام ،

واجيب عن هذا الاشكال بوجوه :

الوجه الأول : ما ذكره في الكفاية من ان غاية ما يوجبه هذا الدليل هو الاجمال في دليل الاستصحاب الذي ورد فيه الصدر والذيل معا مثل صحيحة زرارة الأولى الا انهما لم يردا معا في كل الروايات فلم يرد الا الصدر في صحيحة زرارة الثانية ، واجمال الدليل المشتمل على الذيل لا يوجب اجمال الدليل غير المشتمل عليه

وبعبارة أخرى : ان الاجمال يعني عدم الدلالة على الاطلاق ولا يعني الدلالة على عدم الاطلاق حتى يكون منافيا للاطلاق في الرواية الأخرى ، فلا مانع من التمسك باطلاق تلك الروايات

الجواب الثاني : ما ذكره السيد الخوئي (قده) من ان هذا الاشكال مبني على افتراض ان يراد باليقين الناقض في دليل الاستصحاب هو الاعم من اليقين التفصيلي والاجمالي الا ان المراد منه خصوص اليقين التفصيلي والقرينة على ذلك هو ان اليقين الناقض هو مثل اليقين السابق بحسب ظاهر الرواية لانه تعلق بنفس ما تعلق به اليقين السابق ومقتضى كون متعلقهما واحدا هو كون اليقين الناقض يقين تفصيلي ، وعلى هذا فلا يمكن تطبيق الذيل في محل الكلام لعدم وجود يقين تفصيلي