40/08/03
الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية
كان الكلام في تعارض الاستصحاب مع البراءة وذكرنا بان البراءة الشرعية اذا كانت بلسان قبح العقاب بلا بيان فتقديم الاستصحاب عليها يكون واضحا فان الاستصحاب بيان شرعا فيكون رافعا لموضوعها حقيقة فيتقدم عليها بالورود
واما اذا لم تكن البراءة بهذا اللسان كما في لسان رفع عن امتي ما لا يعلمون فهناك اراء في وجه تقديم الاستصحاب عليهاالوجه الأول : ما مذكور في تقريرات السيد الخوئي (قده) من ان دليل الاستصحاب حاكم على دليل البراءة الشرعية ولعل هذه الحكومة التي أشار اليها باعتبار ان الاستصحاب امارة وان الشارع اعتبر اليقين بالحدوث يقينا بالبقاء ومرجعه الى العلمية والطريقية
وهذا التقريب يبتني على افتراض ان المجعول في الاستصحاب هو العلمية والطريقية وان مؤدى دليله هو اعتبار اليقين بالحدوث يقين بالبقاء واما اذا انكرنا ذلك وقلنا بان الاستصحاب لا يستفاد منه العلمية والطريقية فان هذا التقريب لا يكون تاما
وهناك تقريب اخر للحكومة فلا اشكال في ان مفاد دليل الاستصحاب هو الامر بترتيب اثار اليقين السابق في ظرف الشك ومن جملة تلك الاثار هو ارتفاع موضوع البراءة وهذا نحو من الحكومة
وهذا التقريب مبني على ان يكون المستفاد من دليل الاستصحاب ترتيب اثار اليقين الموضوعي والذي مرجعه الى قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي الا ان استفادة ذلك من دليل الاستصحاب ليست واضحة لان غاية ما يستفاد منه هو قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي في التنجيز والتعذير ولا يستفاد منه قيام الاستصحاب مقام العلم الذي اخذ في موضوع البراءة ،نعم قد يقال بامكان تقريب الحكومة بوجه اخر بان يقال بان هذا المقدار من مفاد دليل الاستصحاب يكفي لتقديم الاستصحاب على البراءة الشرعية بالحكومة بتطبيق فكرة الحكومة المضمونية المتقدمة فاذا كان احد الدليلين يفهم منه بمناسبات الحكم والموضوع الفراغ عن وجود مضمون الدليل الاخر فانه يكون حاكما عليه ، ومثلنا لذلك بحكومة ادلة نفي العسر والحرج على ادلة الاحكام الاولية فاذا لاحظنا دليل نفي العسر والحرج نفهم منه الفراغ عن وجود احكام اولية وان هذا بمنزلة الاستثناء من تلك الاحكام فان دليل الحكم يثبت الحكم في حالة وجود العسر والحرج وعدمها ودليل نفي الحرج يستثني هذه الحالة ، وقد يدعى انه يمكن تطبيق هذه الفكرة في محل الكلام فان التلقي العرفي لدليل الاستصحاب يفهم منه بمناسبات الحكم والموضوع افتراض وجود دليل البراءة ولكن العكس ليس بصحيح فاذا لاحظنا دليل البراءة لا نفهم منه وجود دليل الاستصحاب بينما تصدي الدليل الى اثبات التنجيز في حالة عدم العلم بالتكليف يفهم منه انه لولا هذا لكان الحكم هو البراءة وعدم التكليف ،
ويظهر من المحقق الخراساني في كفايته ان التقديم قائم على اساس الورود فان الاستصحاب يكون رافعا لموضوع البراءة حقيقة ببيان ان المراد من العلم الماخوذ عدمه في دليل البراءة الشرعية هو الاعم من العلم بالحكم الواقعي والعلم بالحكم الظاهري ولا اشكال في ان الاستصحاب يورث العلم بالحكم الظاهري وبه يرتفع موضوع البراءة الشرعية حقيقة
ويمكن التعبير عن هذا بان يقال بان الماخوذ في دليل البراءة عدم وجود ما يقتضي التنجيز ، والعلم بالتكليف الظاهري يقتضي التنجيزويلاحظ عليه بانه لا شاهد في دليل البراءة على ان موضوعها هو عدم العلم الاعم من الواقعي والظاهري ، ولعل المؤشر على هذا هو انهم لا يعتبرون اصالة الاحتياط واردة على البراءة الشرعية بل في عرضها بينما لو تم هذا البيان لكانت اصالة الاحتياط واردة عليها لانها مثبتة للحكم الظاهري ، بينما لو قلنا بان موضوع البراءة هو عدم العلم بالحكم الواقعي كما هو موضوع الاحتياط فيقع بينهما التعارض
الوجه الثالث : التقديم على اساس الاظهرية بادعاء ان شمول دليل الاستصحاب لمورد الاجتماع مع البراءة بالعموم الوضعي وهذا يستفاد من لفظة (ابدا) ، في قوله (عليه السلام) « لا تنقض اليقين بالشك ابدا » بينما شمول دليل البراءة لمورد الاجتماع بالاطلاق، والعموم مقدم على الاطلاق فانه كلما تعارض اطلاق حكمي مع عموم وضعي فان المقدم هو العموم الوضعي ،
وقد يناقش في هذه القاعدة فيتنزل ويقال بان دليل الاستصحاب بقرينة قوله ابدا يكون اظهر في شموله لمورد الاجتماع من دليل البراءة
وفيه انه لا يفهم من قوله ( ابدا) الاستيعاب بلحاظ الافراد بل المستفاد منها الاستيعاب بلحاظ الازمان ، فان المستفاد من هذه اللفظة هو استمرار الحكم بعد ثبوته وليست ناظرة الى اثبات الحكم في مورد الاجتماع فان هذا انما يثبت بالاطلاق لا بالعموم الوضعي