40/08/02
الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية
تعرضنا في الدرس السابق الى حال الاستصحاب في صورة تعارضه مع قاعدة اليد ويلحق بها قاعدة الفراغ والتجاوز والصحة كما لو اقتضى الاستصحاب عدم ملكية زيد للمال الذي في يده لان ملكيته مسبوقة بالعدم وقاعدة اليد تثبت ملكيته له وكذا قاعدة الفراغ التي تقول (بلى قد ركعت) وفي قبالها استصحاب عدم الاتيان بالركوع ، ولا اشكال عندهم في تقدم هذه القواعد على الاستصحاب وقد ذكروا لذلك وجوها :
الوجه الأول : ان يدعى بان هذه القواعد امارات والاستصحاب اصل فتتقدم القاعدة بنفس الوجه المتقدم في تقديم الامارات على الأصول ، واما كونها امارات فهذا واضح من ادلة اعتبارها ، هذا اذا قلنا بان الاستصحاب اصل عملي واما اذا قلنا بان الاستصحاب امارة او قلنا بان هذه القواعد أصول عملية فلابد من الانتقال الى الوجه الاخر للتقديم
الوجه الثاني : وهو ما يظهر من كلمات المحقق النائيني (قده) من ان هذه القواعد حاكمة على الاستصحاب لان دليلها ظاهر في الغاء الشك والبناء على تحقق ما هو المعتبر في العمل كما في قاعدة الفراغ والتجاوز والصحة فلا يبقى هناك شك تعبدا حتى يجري فيه الاستصحاب ،
ويرد عليه ما تقدم من ان مباني الحكومة في المقام غير متوفرة وان هذا الدليل ليس فيه نظر الى الاستصحاب حتى يكون حاكما عليهوالوجه الصحيح في التقديم بعد الوجه الأول هو مسالة النصوصية فان ادلة هذه القواعد نص في مورد مخالفتها للاستصحاب فتقدم على دليل الاستصحاب بالنصوصية لان ادلة هذه القواعد واردة في مورد الاستصحاب المخالف فان المفروض في نفس مواردها جريان الاستصحاب المخالف وهي لا تعطي قيمة لهكذا استصحاب ، ولا يمكننا ان نقدم الاستصحاب عليها لان دليلها قدم القاعدة في مورد جريان الاستصحاب المخالف وهذا يجعل دليل القاعدة كالنص في مورد اجتماعها مع الاستصحاب ، ولكن هذا الوجه مشروط بافتراض ان ادلة هذه القواعد واردة في مورد جريان الاستصحاب المخالف .
الوجه الرابع : التقديم باعتبار الاخصية بان يدعى بان دليل الامارة اخص من دليل الاستصحاب بالرغم من الاعتراف بان النسبة بينهما هي العموم من وجه ، والوجه في الاخصية هو ما تقدمت الإشارة اليه من ان تقديم دليل الاستصحاب على دليل القاعدة في مادة الاجتماع يلزم منه حمل القاعدة على الفرد النادر لوجود الاستصحاب المخالف في معظم موارد جريان القاعدة وحملها على الفرد النادر مستهجن عرفا بينما في حالة العكس وتقديم القاعدة سوف يبقى لدليل الاستصحاب موارد كثيرة ولا يلزم حمله على الفرد النادر ، وهذا يجعل دليل القاعدة بحكم الأخص فان الملاك في تقديم الأخص في مورد العموم المطلق ليس هو كون النسبة بينهما هي العموم المطلق وانما الملاك هو انه يلزم من تقديم الدليل الاعم الغاء الدليل الأخص فيكون جعله لغوا ، فلئلا يلزم الغاء احد الدليلين عند تقديم الاخر عليه لابد ان نعكس ونقول بتقديم الدليل الذي لا يلزم من تقديمه الغاء الاخر . واذا كان هذا هو الملاك فيمكن انطباقه على الدليلين اللذين بينهما عموم من وجه كما في محل الكلام لان حمل الدليل على الفرد النادر بحكم الإلغاء ، ومن هنا يكون دليل القاعدة بحكم الأخص مطلقا . وهذه الوجوه لا تختص بقاعدة اليد بل هي تجري في باقي القواعد كالفراغ والتجاوز والصحة . نعم لابد من الإشارة الى انه في بعض الموارد يعمل بالاستصحاب ولكن هذا ليس من باب تقديم الاستصحاب على هذه القواعد بل لان قاعدة اليد لا تجري في هذه الموارد كما لو اعترف صاحب اليد بان يده على العين كانت مسبوقة بيد غيره عليها وانه اشتراها من ذلك الشخص ففي هذه الحالة سيتحول من منكر الى مدعي ولا تكون يده امارة على الملكية فيجري الاستصحاب ولا معارض له
المورد الاخر من التعارض هو حال الاستصحاب مع البراءة فغالبا ما تكون هناك براءة في مورد استصحاب التكليف وكذا في مورد استصحاب الموضوع لاثبات الحكم به
ولا اشكال في تقدم الاستصحاب على البراءة العقلية بالورود باعتبار ان موضوعها عدم البيان والاستصحاب بيان شرعي واما البراءة الشرعية فهي على قسمين فتارة يستفاد من دليلها لسان قبح العقاب بلا بيان كما في الاية الشريفة ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ بناءا على تمامية الاستدلال بها على البراءة والكلام في هذه الصورة هو الكلام في البراءة العقلية ، واما اذا كان لسانها «لسان رفع عن امتي ما لا يعلمون» وامثالها ففي هذه الحالة لا اشكال في تقدم الاستصحاب على البراءة الشرعية ولكن الكلام في وجه التقديم ، اما تقدم الاستصحاب على البراءة في الشبهات الموضوعية فيمكن تخريجه على اساس ان الاستصحاب يكون اصلا سببيا فيتقدم عليها بملاك تقدم الاصل السببي على الاصل المسببي ، فمثلا ان استصحاب بقاء خمرية المائع المشكوك بقاء خمريته يلازم اليقين بحرمته وفي مقابل هذا الاستصحاب توجد اصالة البراءة، فالشك في حرمة هذا المائع جاء من الشك بخمريته فالاصل الجاري في الموضوع كالاصل السببي بالنسبة للبراءة الشرعية