الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية

كانت الملاحظة الثانية ترتبط بالاصل السببي والاصل المسببي وان تخريج تقديم الأصل السببي على الأصل المسببي بالحكومة ليس تاما وان هذا لا يصح اذا تمت كبراه الا اذا كان الأصل السببي أصلا محرزا واما اذا فرضنا ان الأصل السببي ليس كذلك فلا، كما هو الحال لو كانت اصالة الطهارة اصل سببي واستصحاب الطهارة اصل مسببي ، فلا يمكن تخريج هذا التقديم على أساس الحكومة لان اصالة الطهارة ليس فيها جعل العلمية حتى تكون حاكمة على الاستصحاب

وللسيد الخوئي (قده)كلام لتخريج تقديمها بالحكومة ولكن ببيان اخر ، وحاصله ان اصالة الطهارة عندما تجعل الطهارة للماء فانها تكون ناظرة الى اثار طهارة الماء لان قصرها على خصوص الطهارة يلزم لغويتها فبقرينة اللغوية يقال ان اصالة الطهارة عندما تجعل الطهارة للماء تكون ناظرة الى اثار طهارة الماء وعلى راسها طهارة الثوب المتنجس المغسول به وهذا معناه ان اصالة الطهارة في الماء ناظرة الى طهارة الثوب المغسول به فاذا كانت ناظرة اليه فحينئذ تكون ناظرة الى استصحاب النجاسة الذي يجري في ذلك الثوب وتكون حاكمة على استصحاب النجاسة بهذا النظر بينما لا يمكن فرض العكس فلا يمكن القول بان استصحاب نجاسة الثوب ناظر الى اصالة الطهارة لان استصحاب النجاسة انما يثبت نجاسة الثوب ولا يثبت نجاسة الماء الذي غسل به لانها ليست من الاثار الشرعية له ،

ومن الواضح ان ما ذكره مبني على افتراض ان اصالة الطهارة ناظرة الى جميع الاحكام التي تثبت للثوب من دون فرق بين ان تكون احكاما واثارا واقعية او ظاهرية ، لكن هذا الكلام ليس تاما باعتبار ان اصالة الطهارة لا تنظر الا الى الاثار الواقعية التي تترتب على طهارة الماء دون الاثار الظاهرية ، فهي حين تقول هذا الماء طاهر هي تنظر الى اثاره الواقعية من قبيل جواز شربه والتطهير به ومنها طهارة الثوب المغسول به ، لكنها لا تنظر الى الاحكام الظاهرية التي تثبت للثوب باعتباره مشكوك النجاسة والطهارة فليست ناظرة الى الاستصحاب ، فالتعبد الاستصحابي حكم ظاهري ثابت للثوب واصالة الطهارة ليست ناظرة له ، وبعبارة اكثر وضوحا ان اصالة الطهارة عندما تحكم بان هذا الماء طاهر يعني انها تقول رتب عليه اثار الطهارة الواقعية من قبيل جواز شربه والوضوء به ، واما كونه مشكوك النجاسة والطهارة فيجري فيه الاستصحاب فلا نظر فيها الى ذلك وحينئذ تفقد الملاك في الحكومة وهو النظر . والصحيح في تخريج تقديم اصالة الطهارة السببي على الاستصحاب المسببي هو ان التقديم يكون على أساس شيء يشبه التخصيص والنصوصية ، ويقال فيه بشكل عام انه اذا قدمنا الدليل الأول على الدليل الثاني يلزم منه الغاءه بينما اذا عكسنا لا يلزم منه ذلك وهذا يلزم منه كون الدليل الذي يلزم الغاءه نصا في المورد وتطبيقه بان يقال بان اصالة الطهارة التي ظاهر ادلتها هو التعبد بطهارة الماء الذي يشك بطهارته ونجاسته ، والنكتة هي ان الامام عدل عن التعبد بالاثر الخاص من قبيل جواز شرب الماء والتطهير به الى التعبد بالموضوع الذي تترتب عليه كل هذه الاثار وهو طهارة الماء وهذا العدول يفهم منه النظر الى جميع تلك الاثار وفي مقدمة تلك الاثار هو رفع نجاسة الثوب الذي كان نجسا سابقا عندما يغسل بذلك الماء ، وحينئذ يقال بانه يلزم من عدم جريان القاعدة وتقديم استصحاب النجاسة لغوية القاعدة دون العكس فان تقديم القاعدة لا يلزم منه لغوية الاستصحاب لان الاستصحاب له موارد كثيرة ولا يختص بالنجاسة والطهارة ، بينما تقديم الاستصحاب لا يبقي للقاعدة موردا ، لان القاعدة التي تعبدنا بطهارة الماء والتي تكون ناظرة الى الاثار المترتبة على طهارة الماء هي عادة مبتلاة بالاستصحاب لان هذه الاثار التي تريد ان تثبتها القاعدة وهي الاثار المترتبة على طهارة الماء هي عادة مسبوقة بالعدم ، كما في محل كلامنا فان طهارة الثوب الذي تريد ان تثبته القاعدة مبتلى باستصحاب النجاسة التي هي الحالة السابقة للثوب فتقديم الاستصحاب على القاعدة يلزم منه بقاء القاعدة بلا مورد او مورد نادر من قبيل توارد الحالتين التي لا يجري فيها الاستصحاب ومن هنا تكون القاعدة بحكم الاخث من دليل الاستصحاب فتقدم عليه على هذا الأساس ، واما تقديم الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسببي فاما ان نلتزم بان الوجه فيه هو ما تقدم من ان الاستصحاب امر ارتكازي ولو بالدرجة الضعيفة للارتكاز والتي تساوق ميل العقلاء على إبقاء الحالة السابقة والارتكازات العقلائية اذا اقترنت بالدليل اللفظي فانها تتحكم به ، وحينئذ يقال بانه لا ينبغي الاشكال في ان الارتكاز العقلائي قائم على الاخذ بالاصل السببي في الأصل السببي والاصل المسببي فلو فرضنا ان حياة زيد سبب لوجوده في مكان معين فالارتكاز يساعد على انه عند الشك في حياته يبنى على بقاءه حيا ويرتبون عليه انه موجود في ذلك المكان المعين مع انه مسبوق بالعدم ولا يلحظون الأصل الاخر الذي ينفي وجوده في المكان المعين واذا تم هذا الارتكاز يكون قرينة على ان دليل الاستصحاب يختص بالاصل السببي ولا يجري في الأصل المسببي في هذه الحالة .