40/07/16
الموضوع: خاتمة / المقام الثاني : في النسبة بين الأصول العملية
بعد ان اكملنا النسبة بين الامارات والاصول يقع الكلام حول النسبة بين الأصول نفسها وبشكل عام فالاصلان اللذان نتكلم حول تقديم احدهما على الاخر تارة يكونان متوافقين من قبيل اصالة الطهارة مع استصحاب الطهارة وأخرى نفترض بينهما تنافي وهو تارة يكون تنافي في عالم الجعل بمعنى يستحيل جعلهما معا وأخرى في عالم الامتثال والأول تارة نفترضه تنافي ذاتي بين الاصلين من قبيل استصحاب الطهارة واستصحاب النجاسة وأخرى يكون تناف عرضيا كما في موارد العلم الإجمالي فاذا علمنا بنجاسة احد الانائين فان استصحاب الطهارة في احدهما ينافي استصحاب الطهارة في الاناء الاخر بالرغم من عدم وجود تنافي ذاتي بينهما انما هو بالعرض وناشيء من العلم الإجمالي بنجاسة احد الانائين ، فان الأصول المؤمنة لاطراف العلم الإجمالي تكون دائما متنافية ولكن التنافي بينها ليس بالذات انما هو بالعرض ، واما التنافي في عالم الامتثال كما في موارد التزاحم فعندما تضيق قدرة المكلف عن امتثال التكليفين يكون استصحاب احد التكليفين مناف للتكليف الاخر المزاحم له فاستصحاب وجوب الصلاة واستصحاب تطهير المسجد مع ضيق قدرة لمكلف عن امتثالهما معا ، ومن الواضح انه لا تنافي بين الاستصحابين لا بالذات ولا بالعرض وانما يتنافيان في مقام الامتثال فان كل من التكليفين يدفع المكلف نحو امتثاله ولا قدرة للمكلف على امتثالهما معا ،
فهذه اقسام أربعة للاصلين اللذين يقع الكلام في تقديم ايهما على الاخر :القسم الأول : الاصلان المتوافقان
الثاني الثاني : الاصلان المتنافيان بالذات
القسم الثالث : الاصلان المتنافيان بالعرض
القسم الرابع : الاصلان المتنافيان في عالم الامتثال
والكلام يقع في هذه الأقسام الأربعة في ضمن أمور :
الامر الأول : في الاصلين المتوافقان ويلحق بهما الاصلان المتنافيان بالذات وسر الالحاق هو ان الراي المعروف عن المحقق النائيني وتلامذته هو انهم يقدمون احد الاصلين المتوافقين على الاخر بالحكومة
ويرى المحقق النائيني (قده) ان الاصلين المتوافقين يقدم احدهما على الاخر بالحكومة في احدى حالتين :
الأولى: اذا كان احد الاصلين يلغي الشك في الاخر دون العكس كما هو الحال في اصالة الطهارة واستصحابها فان الاستصحاب يلغي الشك في اصالة الطهارة لان لسانه لسان اعتبار المكلف متيقن بالبقاء اذا كان متيقنا بالحدوث فيرتفع موضوع قاعدة الطهارة بخلاف قاعدة الطهارة فانها ليس فيها هذا اللسان وهذا ما يصطلح عليه بالاصول المحرزة، والقاعدة فيه انه كلما تعارض اصلان وكان احدهما محرزا يتقدم الأصل المحرز على الأصل غير المحرز
وهذه الحالة يمكن تعميمها للاصلين المتنافيين بالذات فاذا كان احدهما يلغي الشك في الاخر دون العكس يتقدم عليه بالحكومة من قبيل استصحاب النجاسة مع اصالة الطهارة فيتقدم الاستصحاب لانه يرفع موضوع اصالة الطهارة بالتعبد ، فهذه النكتة لا يفرق فيها بين كون الاصلين متوافقين او متخالفينالحالة الثانية : حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي فكلما كان هناك شك سببي وشك مسببي فالاصل الذي يجري في الأصل السببي يكون حاكما على الأصل الذي يجري في الأصل المسببي حتى اذا فرضنا ان كل منهما كان لسانه لسان رفع الشك كما في المثال المعروف وهو استصحاب طهارة الماء مع استصحاب نجاسة الثوب المغسول به فالاصلان هنا متنافيان لكن استصحاب الطهارة يعتبر اصل سببي بالنسبة لاستصحاب نجاسة الثوب بمعنى ان استصحاب طهارة الماء يعبد المكلف بطهارة الماء وبجميع الاثار الشرعية المترتبة عليه ومنها طهارة الثوب المغسول به بينما العكس أي استصحاب نجاسة الثوب لا يثبت نجاسة الماء الذي غسل به ذلك الثوب لانها ليست من الاثار الشرعية له ، ومن هنا يكون الأصل الأول سببي والاصل الثاني مسببي، واما في غير هذين الموردين فان المحقق النائيني (قده) يرى وقوع التعارض بين الاصلين
وهذا الكلام لوحظ عليه بعدة ملاحظاتالأولى : لو سلمنا جريان الحكومة في حالة التخالف بين الاصلين الا انها غير مسلمة في حالة التوافق والوجه فيه هو ما تقدم من ان الحكومة انما تجري في فرض التعارض فقد ذكرنا ان الغاية المجعولة للأصول بحسب لسان دليلها هي العلم بالخلاف فان جعل الحكم الظاهري في هذه الأصول مقيد بعدم العلم بالخلاف فالذي يرفع موضوعها هو العلم بالخلاف وليس هو العلم بالوفاق ، وعلى هذا الكلام فان استصحاب الطهارة لا يورث العلم بالخلاف بالنسبة الى اصالة الطهارة حتى يرفع موضوع اصالة الطهارة لان موضوعها لا يرتفع الا بالعلم بالخلاف وجدانا او تعبدا فالحكومة غير متصورة في حالة التوافق ، انما هي متصورة لو تمت أصولها في حالة التخالف .