40/07/10
الموضوع: خاتمة في تقديم الامارات على الأصول
كان الكلام حول الوجه في تقديم الامارة على البراءة ومنه يفهم وجه تقديم الامارة على الاستصحاب وتقدم ان الوجه في ذلك هو القرينية و الاخصية وذكرنا بان النسبة بين دليل البراءة ودليل حجية الامارة وان كانت هي العموم من وجه الا ان دليل الامارة كالنص في مورد جريان البراءة فلا يمكن الغاء دليل حجية الامارة في مورد البراءة فيجب تقديمها عليها في مورد التعارض وذكرنا بانه يدعى ان اكثر ادلة حجية الامارات واردة في موارد تجري فيها البراءة لان اغلب ادلة الامارات موردها الاحكام الإلزامية وهي مورد للبراءة بلا اشكال، فلا يمكن تخصيص دليل حجية الامارة في غير مورد التعارض لانه كالنص في هذا المورد فلا بد من تقديمها بالنصوصية والاخصية
ولاثبات هذا الامر لابد من ذكر نماذج من الأدلة على حجية الامارة ومن جملة الأدلة التي استدل بها اية النفر والاستدلال بها على حجية خبر الثقة على تقدير تماميته حيث عبر عن اخبار النافرين بالانذار وعن ما يجب على السامعين بالحذر وهما قرينة على ان المقصود هو الاحكام الإلزامية لانها التي يطلق عليها الإنذار ويطلق على السامعين بانه يجب عليهم ان يحذروا عند انذار المنذرين ولا اقل من القول بان القدر المتيقن منها هو الاحكام الإلزامية فلا احتمال لاختصاص الاية بغيرها فالاية اذا دلت فهي تدل على حجية خبر الثقة في الاحكام الإلزامية قطعا وهو مورد جريان البراءةونفس الكلام يقال في اية النبا ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾[1] فموردها ارتداد بني المصطلق والاية تقول ان هذا الاخبار حجة اذا جاء به غير الفاسق فموردها حكم تكليفي الزامي وهو إقامة الحد على ارتداد جماعة وهو مورد لجريان البراءة ، فهي نص في مورد جريان البراءة او ان القدر المتيقن لحجية خبر الثقة هو مورد جريان البراءة
ونفس الكلام يقال في الاخبار الدالة على الارجاع الى احاد أصحاب الائمة كما في ما ورد عن الحسن بن عليِّ بن يقطين عن الرضا ( عليه السلام ) ، قال : « قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة ، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : نعم »[2] و أيضا اذا تم الاستدلال بها فان القدر المتيقن من معالم الدين هو الاحكام الإلزامية لان الاحكام الترخيصية لا يطلق عليها معالم الدين ، وكان المتيقن منها الاحكام الإلزامية ، والرواية الأخرى قوله ( عليه السلام ) : « العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما »[3] ، ولا نستفيد منها اختصاص هذا الحديث بالاحكام الترخيصية لانها لا اطاعة فيها فهي مختصة بالاحكام الإلزامية ،
واما الأدلة اللبية على حجية خبر الواحد كسيرة العقلاء وسيرة المتشرعة فالكلام هو الكلام لأننا لا نحتمل اختصاص السيرة بالاحكام الترخيصية بينما نحتمل اختصاصها بالاحكام الإلزامية خصوصا اذا بنينا على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ومن هنا يظهر ان السيرة العقلائية وسيرة المتشرعة اذا استدل بهما على حجية خبر الثقة أيضا نقول ان القدر المتيقن منها هو الاحكام الإلزامية لو لم نقل بانها مختصة بها فلا يمكن ان نرفع اليد عن دليل حجية الامارة في مورد التعارض لانه كالنص فيه ومحل الكلام هو تقديم الامارة على الاستصحاب وتقدم ان التقديم ليس قائما على أساس الحكومة ولا الورود لانه لم يتم شيء من هذين الوجهين فهل ان التقديم بالاخصية والمقصود منها ان دليل حجية الامارة هو كالنص في مورد التعارض لأننا لا نستطيع تقديم دليل الاستصحاب على دليل حجية الامارة في مورد التعارض لان هذا التقديم يعني اختصاص دليل حجية الامارة بغير موارد الاستصحاب ،فلو قامت الامارة على نجاسة شيء وكانت الحالة السابقة له الطهارة فان تقديم الاستصحاب يعني ان دليل الامارة ليس حجة في موارد التعارض فسوف يختص دليل الامارة بالموارد التي لا يجري فيها الاستصحاب لكنها موارد نادرة وتخصيص ادلة الامارة بتلك الموارد امر غير عرفي والمقصود بالموارد النادرة كما لو لم يكن للشيء حالة سابقة وموارد توارد الحالتين كما في استصحاب الطهارة والحدث مع عدم العلم بالمتقدم والمتاخر منهما فاستصحاب كل منهما معارض باستصحاب الاخر وموارد العلم الإجمالي الموجب لتساقط الاستصحابين بالمعارضة كما لو علمنا بنجاسة احد الانائين وكانت الحالة السابقة لهما هي الطهارة ، وهذه حالات نادرة والحالة الغالبة الشائعة يجري فيها الاستصحاب ، فان تقديم دليل الاستصحاب في مورد التعارض والغاء دليل الامارة فيها امر مستهجن بينما العكس أي تقديم دليل الامارة وإلغاء دليل الاستصحاب ليس امرا مستهجنا لانها ليست موارد نادرة بل هي موارد كثيرة وهذا معناه تخصيص دليل الاستصحاب بغير موارد قيام الامارة ، وهذا بنفسه يجعل دليل اعتبار الامارة كالنص في مورد التعارض ولا يمكن رفع اليد عنه لان رفع اليد عنه يوجب حمل الدليل على الافراد النادرة وهو اشبه بالغاءه ، وهذا شيء يشبه الاخصية فهو كالاخص أي لابد من العمل بدليل اعتبار الامارة في مورد تعارضه مع الاستصحاب وعدم العمل بالدليل الاخرالنتيجة : تبين ان الامارة تقدم على الاستصحاب على أساس القرينية
أمور ترتبط بالبحث السابق :1. ان تقديم الامارة على الأصول العملية بعد الفراغ عنه هل يجري في حالة التوافق أيضا كما اذا قامت الامارة على حكم ترخيصي ومقتضى البراءة التامين او اذا قامت الامارة على طهارة شيء ومقتضى الاستصحاب طهارته ، ينسب الى المشهور انه يقول بالتعميم بمعنى ان الامارة تكون مقدمة على الاصول العملية ومانعة من جريان الأصول حتى لو كانت موافقة لمؤدى الامارة والسر فيه ان المشهور يبني على ان تقديمها على أساس الحكومة او الورود وهما يقتضيان رفع موضوع الأصل العملي وهو الشك وحينئذ لا فرق بين صورتي التوافق والتخالف لان الامارة ترفع موضوع الأصل العملي في كلتا الحالتين لان عدم العلم ماخوذ في موضوع الأصل العملي فحينما يدل دليل على اعتبار الامارة علما يرتفع موضوع الأصل العملي
اما لو قلنا بان التقديم بملاك الاخصية والقرينية فلابد من التفرقة بين حالتي التوافق والتخالف لان التخصيص فرع التنافي وحيث لا تعارص بين الدليلين ولا تنافي بين مدلوليهما في حالة التوافق فلا تقديم ، وعلى هذا يكون ملاك التقديم مختص بصورة التخالف ولا يشمل صورة التوافق