الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول

اشرنا في الدرس السابق الى الايراد الثالث على دعوى حكومة الامارة على الاستصحاب وحاصله لماذا نرجح حكومة الامارة على دليل الاستصحاب والحال انه يصح العكس بمعنى ان دليل الاستصحاب أيضا يكون حاكما على دليل اعتبار الامارة بناءا على مسلك النائيني القائل بان المجعول في باب الاستصحاب أيضا هو الطريقية والعلمية او بعبارة أخرى ان مفاد دليل الاستصحاب تنزيل الشك منزلة العلم فلا يبقى فرق بينه وبين الامارة فكما ان الامارة تكون رافعة لموضوع دليل الاستصحاب تعبدا كذلك دليل الاستصحاب يكون رافعا لموضوع دليل الامارة تعبدا ، وبعبارة أخرى ان كل منهما اخذ فيه عدم العلم والشك فكما ان دليل اعتبار الامارة يرفع موضوع دليل الاستصحاب تعبدا كذلك دليل الاستصحاب يرفع موضوع الامارة ، وكما ان اعتبار الامارة علما يرفع موضوع الاستصحاب كذلك اعتبار الاستصحاب علما يرفع الشك الماخوذ في دليل اعتبار الامارة

وهذا الايراد اشير الى اجوبته سابقا ، وكان الجواب الأول هو ان الشك وان كان ماخوذا في موضوع حجية الاستصحاب الا انه ليس ماخوذا في موضوع الامارة بل هو مورد لها وهذا الشك يرتفع تعبدا بجعل الامارة واعتبارها علما فالامارة حاكمة على الاستصحاب دون العكس ،

وهذا تقدم جوابه سابقا بانه لا معنى للموردية الا تقيد الموضوع بعدم العلم والشك ثبوتا ، فان الإهمال غير معقول في مقام الثبوت وكذا الاطلاق فلابد ان يقيد بعدم العلم بالخلاف

وهناك جواب اخر ينظر الى مقام الاثبات ويقول بان دليل اعتبار الامارة لم يؤخذ فيه الشك بل هو ماخوذ في دليل الاستصحاب،

وهذا الجواب تقدم دفعه بان هذا فارق اثباتي ولا يصلح لان يكون مبررا لهذه الحكومة لأنه لا محيص عن الالتزام بان الشك ماخوذ في موضوع الامارة في مقام الثبوت والواقع فيكون داخلا في موضوع الامارة كما هو داخل في موضوع الاستصحاب وان لم يؤخذ اثباتا في بعض ادلتها، وحينئذ يستحكم الاشكال بمعنى ان الحكومة يجب ان تكون من الطرفين

الايراد الرابع : لو كان معنى حجية الامارة هو جعل العلمية والطريقية كما هو مبنى القول بالحكومة في محل الكلام فلابد في المقابل ان نقول بان مفاد دليل اعتبار الأصل العملي الترخيصي هو نفي العلمية والطريقية فيكون معارضا لدليل اعتبار الامارة ولا حكومة ، كما في قوله (عليه السلام) : ( كل شي لك حلال حتى تعلم انه حرام ) فان مفاده هو نفي الالزام والتنجيز في كل موارد عدم حصول العلم بالحرمة ، وهذا يعني انه في صورة عدم العلم بالحرمة لا يتنجز عليك شيء وهذا بلسانه ينفي حجية الامارة الدالة على حكم الزامي ، فيحصل لدينا تعارض بين دليلين الأول يقول بان الامارة حجة وتنجز عليك الالزام والأخر يقول هي ليست بحجة ولا تنجز الالزام ،

بل يمكن ان يدعى ذلك في سائر ادلة الأصول العملية كما في قوله (عليه السلام ) : (( رفع ما لا يعلمون )) فمفاده نفي جميع انحاء التنجيز والتسجيل والالزام في حالة عدم العلم فهو ينفي حجية الامارة الدالة على الحكم الالزامي لانها لا توجب العلم فيقع التعارض بينهمافاذا كان الامر على هذا المنوال في الأصول الترخيصية فما بالك بالاستصحاب التي ادعي فيه تنزيل الشك منزلة اليقين فان التعارض بين الطرفين يكون أوضحومن هنا يظهر بان هذا الاشكال على الحكومة يرد أيضا على دعوى ان التقديم يكون على أساس الورود الذي تقدم الكلام فيه لما تقدم من ان دعوى الورود انما تتم اذا كان العلم الماخوذ عدمه في موضوع الأصول العملية هو الاعم من العلم الوجداني والتعبدي فحينئذ يكون الرفع حقيقي فان العلم التعبدي يرفع الموضوع حقيقةولكن الظاهر ان الماخوذ في موضوع الأصل العملي ( رفع ما لا يعلمون ) هو عدم العلم الوجداني وبالتالي لا تصح دعوى الورود أصلا ، بمعنى ان الشارع يقول : ما لا يكون علما انا لا اراه علما فلا اجعل له الحجية والتنجيز ، بينما على القول بان موضوعه عدم العلم الوجداني والتعبدي بمعنى ما لا يراه الشارع علما فالعبارة تكون لغوا فكانه يقول ما لا اراه علما لا اراه علما ، ومن هنا يتعين ان يكون العلم الماخوذ عدمه في حديث الرفع هو العلم الوجداني ، وهذا معارض لدليل اعتبار الامارة لانه لا يثبت العلم الوجداني فيبقى المكلف غير عالم وجدانا فالشارع يقول انه لا يكون حجة فالشارع لا يرى الامارة علما ، وبناءا على هذا المسلك فان دليل اعتبار الامارة يرى الامارة علما فيقع التعارض.