الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول

ذكرنا الايراد الأول على دعوى ان تقدم الامارات على الأصول ومنها الاستصحاب بالحكومة وكان حاصله ان الحكومة متقومة بالنظر بان يكون الدليل الحاكم ناظرا الى مدلول الدليل المحكوم والقرينة على النظر هي انه لو فرض عدم وجود الدليل المحكوم لكان الدليل الحاكم لغوا كما في قوله ( عليه السلام ) : ( لا شك لكثير الشك ) فلو لا وجود خطاب يدل على احكام الشك لكان هذا الدليل لغوا فتعقل دليل من هذا القبيل يتوقف على افتراض وجود دليل يدل على احكام الشك ، ومن هنا يقال بانه لا دليل يدل على النظر في محل الكلام بمعنى انه لو فرض عدم وجود دليل يدل على الاستصحاب فان الخطاب الدال على الامارة لا يكون لغوا فملاك الحكومة غير موجود في محل الكلام

وهذا الاشكال أجاب عنه المحقق النائيني(قده) بتقسيم الحومة الى الحكومة التفسيرية بمعنى ان الدليل الحاكم يكون ناظرا الى الدليل المحكوم ومفسرا له وهذه يعتبر فيها النظر كما هو الحال في المثال الذي ذكر ، والقسم الثاني هي الحكومة التنزيلية وهي ليست موقوفة على النظر فليس الدليل الحاكم مفسرا للدليل المحكوم وانما يكون رافعا لموضوع الدليل الاخر تعبدا كما هو الحال في محل الكلام فان الدليل الدال على اعتبار الامارة علما يكون رافعا لموضوع الدليل الاخر رفعا تعبديا فان واحدة من الاثار التي تترتب على العلم انه به يرتفع الشك الذي هو موضوع الاستصحاب ، وتنزيل الامارة منزلة العلم يترتب عليه هذا الأثر غاية الامر انه بالعلم الوجداني يرتفع موضوع الاستصحاب حقيقة وبالامارة يرتفع تعبدا ، وهذه حكومة تنزيلية لا يعتبر فيها النظر ولذا يكون دليل اعتبار الامارة معقول حتى لو فرضنا عدم وجود دليل يدل على حجية الاستصحاب ،

ويلاحظ عليه : ان قلنا بان العلم الذي اخذ عدمه في موضوع الاستصحاب، يراد به الاعم من العلم الوجداني والتعبدي فحينئذ لابد ان نلتزم بان الدليل الدال على اعتبار الامارة يكون واردا على دليل الاستصحاب لا انه حاكم عليه لانه يرفع موضوعه حقيقة لا تعبدا ، واما اذا قلنا بان العلم الماخوذ عدمه في دليل الاستصحاب هو خصوص العلم الوجداني فالحكومة متحققة لانها مبنية على هذا الافتراض فان دليل اعتبار الامارة يقول ان الامارة منزلة منزلة العلم الوجداني في الاثار وبهذا يرتفع موضوع الاستصحاب لكن لا حقيقة فان موضوع الاستصحاب موجود حقيقة وانما يرتفع تنزيلا وتعبدا، فلكي نتعقل الحكومة لا بد ان نفترض ان موضوع الاستصحاب هو عدم العلم الوجداني ، وعلى هذا التقدير لابد من اعتبار النظر لان معنى الحكومة التنزيلية هو ان الدليل ينزل الامارة منزلة العلم بلحاظ الاثار المترتبة على العلم فلابد ان تكون هناك اثار تترتب على العلم ودليل اعتبار الامارة يكون ناظرا اليها ويقول بان هذه الاثار تترتب على الامارة ، ومن جملة تلك الأدلة هو دليل الاستصحاب لانه يرتب أثرا على العلم بمعنى انه يقول ان موضوع الاستصحاب يرتفع باليقين فان موضوعه هو الشك وعدم العلم ، فانكار النظر في محل الكلام ليس على القاعدة ،

فاذا قلنا بالحكومة لابد ان نلتزم بالنظر حتى في الحكومة التنزيلية فضلا عن التفسيرية ، نعم ليس الميزان في النظر هو ما ذكره من انه لو فرض عدم وجود الدليل المحكوم يكون الدليل الحاكم لغوا ، لانه من الممكن افتراض انه مع وجود الحكومة والنظر ومع افتراض عدم وجود الدليل المحكوم لا يكون الدليل الحاكم لغوا لافتراض اثار أخرى له فان دليل اعتبار الامارة كما يترتب عليه ارتفاع الشك الذي هو موضوع الاستصحاب يترتب عليه التنجيز والتعذير من اثار العلم فليس الميزان في النظر هو انه مع افتراض عدم وجود الدليل المحكوم لا يكون الدليل الحاكم معقولا فلا حكومة ولا نظر ، فان اللغوية لا تتحق مع فرض وجود اثار أخرى تترتب على اعتبار الامارة علما ، لان اعتبارها علما كما يكون بمنزلة العلم بنحو العلم الطريقي كذلك بمنزلة القطع الموضوعي فان العلم الذي اخذ عدمه في دليل الاستصحاب هو بالنسبة الى الحكم الاستصحابي موضوع والقدر المتيقن من جعل الامارة قيامها مقام القطع الطريقي فاذا قامت مقام القطع الموضوعي يكون لها اثران احدهما ترتب الاثار التي تترتب على العلم الوجداني ومن جملتها قيامها مقام القطع الطريقي بلحاظ التنجيز والتعذير ، والاثر الاخر قيامها مقام القطع الموضوعي وبه يرتفع موضوع الاستصحاب وعلى هذا لا يكون جعل الامارة لغوا بغض النظر عن دليل الاستصحاب

الايراد الثاني على دعوى الحكومة ان دعوى الحكومة مبنية على مسلك جعل الطريقية والعلمية وتنزيل الامارة منزلة العلم وهذه لابد من فرض استفادتها من دليل اعتبار الامارة ، الا ان هذا محل كلام وتقدم سابقا انه لادليل على اعتبار الامارة علما والغاء احتمال الخلاف بالرغم من وجود احتمال الخلاف بالوجدان فلا خطاب شرعي يدل على ذلك ولا يوجد ارتكاز عقلائي يستدل به على هذه الدعوى وهو ان حجية الامارة يعني تنزيلها منزلة العلم بلحاظ القطع الموضوعي لان العقلاء ليس لديهم قطوع موضوعية في احكامهم العقلائية حتى نستفيد منهم ذلك ، فيمكن ان يقال بان اثبات مسلك جعل الطريقية بالدليل مشكل جدا

الايراد الثالث : لوسلمنا كل ما تقدم نقول بان مدعي الحكومة في محل الكلام يدعي بان دليل الاستصحاب يفهم منه ان اليقين بالحدوث هو يقين بالبقاء تعبدا فاذا كان مرجع الاستصحاب الى اعتبار الشك بالحالة السابقة يقين بالبقاء تعبدا فلا وجه لدعوى حكومة الامارة على الاستصحاب بل يمكن العكس بان يقال بان الاستصحاب حاكم على الامارة ، لانه لا ترجيح لحكومة احدهما على الاخر ، لان موضوع الامارة اخذ فيه الشك ثبوتا والاستصحاب يكون رافعا لهذا الشك لانه يقول بان المتيقن بالحدوث متيقن بالبقاء تعبدا فيكون دليل الاستصحاب حاكم على دليل اعتبار الامارة