الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول

الامر الثاني الذي يتميز به الورود عن الحكومة هو ما اشرنا اليه في الدرس السابق من ان اثبات الاثار على الموضوع الجديد في الورود يكون بالدليل المورود باعتبار ان الدليل الوارد يوجد فردا جديدا من افراد موضوع الدليل المورود فيثبت الحكم للفرد الجديد تمسكا بالدليل المورود ولا معنى للتمسك بالدليل الوارد لاثبات الأثر على الموضوع الجديد لانه فقط يثبت فردا من افراد الموضوع غاية الامر ان الدليل المورود يتكفل اثبات حكم على الموضوع الاعم من الحقيقي و التنزيلي وهذا بخلاف الحكومة فان اثبات الأثر للموضوع الجديد يكون تمسكا بالدليل الحاكم لا الدليل المحكوم باعتبار انه هو الذي يكون ناظرا الى الاثار فان مفاده تنزيل الموضوع الجديد منزلة الموضوع الحقيقي بلحاظ الاثار بينما الدليل المحكوم مفاده اثبات الحكم لخصوص الفرد الحقيقي فيبقى الدليل المحكوم يثبت الأثر لخصوص الموضوع الحقيقي لا التنزيلي ، ولا يمكن التمسك بالدليل المحكوم لاثبات حكمه في الفرد التنزيلي وانما يكون التمسك بالدليل الحاكم لان مفاده ترتيب الأثر الثابت للموضوع الحقيقي على الموضوع التنزيلي

ويترتب على هذا الفرق امر وهو ان اثبات جميع الاثار للفرد التنزيلي في باب الحكومة يتوقف على وجود اطلاق في دليل التنزيل حتى يعم جميع الاثار بينما لا نحتاج الى هكذا اطلاق في الدليل الوارد في باب الورود لان اثبات الأثر للموضوع التنزيلي يكون تمسكا بالدليل المورود، واثبات الاطلاق في دليل التنزيل لا يخلو من صعوبة لانهم دائما يقولون بان دليل التنزيل لا اطلاق فيه بل هو ينزل شيئا منزلة شيء اخر بلحاظ اثر معين

الفرق الثالث : ان الورود له تقريبان كما تقدم فتارة نفترض اننا نلتفت الى العلم الذي اخذ في موضوع الدليل المورود فمثلا نقول ان العلم الذي اخذ عدمه في موضوع الاستصحاب يراد به ما يكون علما باعتبارات الشارع وهو الاعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي ، وأخرى نلتفت الى متعلق العلم كالحرمة مثلا فنقول ان المراد بالحرمة ليست الحرمة الواقعية وانما ما يعتبره الشارع حراما أي الاعم من الحرمة الواقعية والظاهرية

لان دليل اعتبار الامارة وان لم يوجب علما وجدانيا بمؤدى الامارة الحقيقي لكنه يوجب علما وجدانيا بالحكم الظاهري فاذا عممنا الحكم في الدليل المورود بان نقول ان الأثر يترتب على العلم بالحرمة الاعم من الواقعية والظاهرية فان الدليل الوارد يوجب العلم الوجداني بالحرمة الظاهرية فتحقق الورود لا يتوقف على لحاظ التعميم بلحاظ العلم الى لوجداني والتعبدي بينما الحكومة لا تتم الا بالالتفات الى العلم وتنزيل الامارة منزلة العلم بلحاظ الاثار واما تنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع فلا يكفي في الحكومة الا اذا قلنا بان تنزيل المؤدى منزلة الواقع يلازم تنزيل الامارة منزلة العلم ، ولكنهم اجابوا بان هذا ليس تاما لأننا قلنا بان الحكومة ترجع بحسب الحقيقة الى قيام الامارة مقام القطع الموضوعي ، فان الاثار التي تترتب على العلم يكون العلم فيها موضوع فتنزيل الامارة منزلة العلم بلحاظ تلك الاثار يعني قيام الامارة مقام القطع الموضوعي ، واما تنزيل مؤدى الامارة منزلة متعلق العلم فهذا لا يحقق الحكومة لانه في واقعه عبارة عن تنزيل الامارة منزلة القطع الطريقي والغرض منه اثبات المؤدى بمعنى ان الامارة حجة يثبت بها مؤداها كما يثبت بالقطع الطريقي ويعبر عنه بتنزيل مؤدى الامارة منزلة الواقع وهذا لوحده لا يحقق الحكومة لان معنى الحكومة تنزيل الامارة منزلة العلم بلحاظ اثاره التي تترتب عليه ، وهذا يعني ان الامارة يثبت بها المؤدى ولا يمكن اثبات اثار العلم للامارة ومنها انها بها يرتفع موضوع الاستصحاب

وعلى كل حال فان دعوى الحكومة في المقام – تقديم الامارة على الأصول – واجه عدة اعتراضات :

الاعتراض الأول : ما ذكره صاحب الكفاية من ان الحكومة تتوقف على النظر بان يكون الدليل الحاكم ناظرا الى مدلول الدليل المحكوم فاما ان يضيف اليه فردا جديدا او ان يسلب عنه احد افراده ، ففي حكومة قوله ( لا شك لكثير الشك ) على ادلة الشكوك يكون النظر فيها واضحا لانه بافتراض عدم وجود حكم للشك يكون هذا الدليل لغوا ، وهكذا قوله (( لا ربا بين الوالد وولده )) فلو لم يكن دليل على تحريم الربا فان هذا الدليل يفقد معناه ، الا ان هذا الشرط غير متوفر في محل الكلام فان دليل الامارة ليس له نظر الى دليل الاستصحاب فلو فرضنا عدم وجود دليل يدل على الاستصحاب فان دليل الامارة يكون معقولا ولا يكون جعله لغوا فانه يدل على ان الامارة حجة وهذا لا يتوقف على وجود دليل الاستصحاب فاذا لم يكن ناظرا فكيف يكون حاكما عليه.

وقد أجاب أصحاب نظرية الحكومة كالميرزا النائيني (قده) بان الحكومة على قسمين : الأول حكومة تفسيرية بان يكون الدليل الحاكم فيها مفسرا لدليل اخر وهو بمثابة ان يقول في الحاكم أي او اعني ، وفي هذه الحكومة يصح كلام صاحب الكفاية فلو فرض عدم وجود الدليل المحكوم يكون الدليل الحاكم لغوا فان التفسير يتوقف على وجود مفسر

والقسم الثاني من الحكومة هي الحكومة التنزيلية كما في تنزيل الامارة منزلة العلم بلحاظ اثاره وهي لا تتوقف على ما ذكره في الكفاية من وجوب وجود النظر .