الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول

كان الكلام في الوجه الثاني وهو دعوى ان دليل الأصل اقترن بقرينة متصلة تمنع من ان يكون مفيدا لجعل العلمية والطريقية للاصل وهي انه قد اخذ في موضوعه الشك وعدم العلم وهذا لا يناسب جعل العلمية له لان معناه الغاء الشك فيكون هذا نوع تهافت بين الموضوع والمحمول فالاصل لا يكون علما حتى تعبدا ، بينما لم يؤخذ الشك في لسان دليل الامارة وعلى هذا الأساس تكون الامارة مقدمة على الأصول العملية بهذا الاعتبار ، والمراد بالعلم الماخوذ عدمه في دليل الاصل هو الاعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي فالعلم اذا ورد في كلام الشارع يراد به ما يراه علما

وجوابه بانكار ما ذكر من حصول التهافت في ما لو فرض جعل العلمية في الاستصحاب ، فكأن التهافت قائم على أساس ان الشك الذي اخذ في موضوع الأصل هو مطلق عدم العلم ولو من ناحية هذا الدليل نفسه فيقع التهافت ، اما اذا قلنا بان عدم العلم الذي اخذ في موضوع الاستصحاب هو عدم العلم من غير ناحية هذا الجعل ، فليس هناك تهافت لان عدم العلم لم يؤخذ على الاطلاق كما هو مقتضى جعله موضوعا لان الموضوع يتحقق بقطع النظر عن محموله ، فلا يتم هذا الوجه للورود

يبقى السؤال الذي يبتني عليه الورود الادعائي وهو جواب الشبهة التي أثيرت وانه لم لا نلتزم بورود الاستصحاب على الامارة بان يكون الورود من الطرفين فان الورود ادعائي بحسب الفرض و الاستصحاب أيضا جعلت فيه العلمية ،

فان التقديم بالورود مبتني على فكرة ان عدم العلم اخذ في موضوع دليل الأصل دون الامارة ، والظاهر ان هذه الفكرة غير صحيحة لأننا اذا فتشنا في ادلة الامارات فقد نعثر على دليل قد اخذ في لسانه عدم العلم واذا فتشنا في ادلة الاصول قد نعثر على دليل لم يؤخذ في لسانه عدم العلم ، كما في الاية التي يستدل بها المشهور (( فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون )) فهذه امارة واخذ في لسانها عدم العلم ، نعم اذا كان الدليل مثل قوله ( عليه السلام) (( العمري وابنه ثقتان )) فاذا قلنا بان لها مفهوم وهو يوجب تقييد كل ادلة الامارة حتى التي لم يؤخذ فيها عدم العلم فيتم ما ذكره واما اذا انكرنا ان يكون لها مفهوم فلا مانع من التمسك باطلاق الأدلة التي لم يؤخذ في دليلها عدم العلم ، واما الأصول التي لم يؤخذ في لسانها عدم العلم فكما في قاعدة اليد وقاعدة السوق بناءا على انها ليست من الامارات فلا شك في تقدم الامارة عليها فيبقى السؤال عن الوجه في تقديمها ، والنتيجة انه لا يمكن التركيز على هذا الوجه الاثباتي في التقديم وهذا يكشف عن ان التقديم ليس قائما على هذا الوجه الاثباتي الذي قد يتفق حصوله وقد لا يتفق ، فان العرف يلتزم بان الامارة تتقدم على الاستصحاب ولا ينتظر ان لسانها اخذ فيه عدم العلم ام لا ، فالفهم العرفي يساعد على تقديم الامارة على الأصل العملي مطلقا ، ومن هنا يتبين ان دعوى تقديم الامارة على الأصل بالورود غير تام كما ان دعوى تقديمها بالتخصيص غير تام ،

وخلاصة ما ذكرناه ان دعوى الورود الحقيقي غير تام والورود الادعائي بكلا تقريبيه وخصوصا الأول غير تام لانه يتوقف على جملة من الأمور غير مسلمة منها ان العلم اذا ورد في كلام الشارع فالمراد به ما يراه الشارع علما ، ومنها ان جعل الحجية في باب الامارات معناه جعل العلمية وهو محل كلام وان التزم به المحقق النائيني ، ومنها انه مبني على جواب الشبهة السابقة وانه لماذا لا يكون الورود من الطرفين ،

ومنه يتبين ان الورود كوجه لتقديم الامارة على الأصول العملية ليس تاما ،

الوجه الثالث للتقديم : دعوى الحكومة بان يدعى ان دليل الامارة حاكم على دليل الأصل العملي بمعنى انه رافع لموضوعه تعبدا ، والوجه الذي يذكر لتقريب الحكومة ان يقال بان مفاد دليل الاستصحاب هو (( لا تنقض اليقين بالشك )) ومعناه حرمة نقض اليقين بالشك ، ودليل الاستصحاب كاي دليل لا يتعرض لاثبات موضوعه وانما يأخذ الموضوع مقدر الوجود ، فمفاده قضية حقيقية موضوعها مقدر الوجود والحكم يكون ثابتا على تقدير تحقق الموضوع ، ودليل الامارة بافتراض انه يجعل العلمية للامارة بمعنى انه يلغي احتمال الخلاف وبهذا يكون رافعا لموضوع دليل الأصل من دون ان يكون هناك تناف بينهما ،