40/06/24
الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول
كان الوجه الثاني لتقديم الامارة على الأصل بما فيه الاستصحاب على أساس الورود هو ان الأصل اخذ في موضوعه عدم العلم بينما الامارة لم يؤخذ في موضوعها عدم العلم وبهذا تكون الامارة بجعل العلمية لها واردة على الأصل ورافعة لموضوعه
وهذا انما يكون ورودا باعتبارات خاصة للمتكلم بان العلم عنده هو الاعم من العلم التعبدي والوجداني والامارة لما كانت علما تعبديا فتكون رافعة لموضوع الأصل حقيقة ولكن بحسب اعتبارات خاصة بالمتكلم
وهذا مبني على وجود فرق بين الامارة والاصل وهو ان الاصل اخذ في موضوعه عدم العلم بخلاف الامارة ، وهذا الفرق تارة يدعى كوجه ثبوتي وأخرى يدعى كوجه اثباتي ماخوذ من لسان الدليل
والوجه الثبوتي تقدم مفصلا في الدرس السابق
واما الوجه الاثباتي بمعنى ان عدم العلم ماخوذ ثبوتا في موضوع كل من الامارة والاصل ولكن اثباتا لم يؤخذ في لسان دليل جعل الامارة ، مما يجعل الامارة مقدمة على الأصل بالورود لان الامارة علم تعبدي فيكون رافعا لموضوع دليل الأصل بينما الامارة لم يؤخذ في دليلها عدم العلم، وهذا الفارق الاثباتي يمكن ان يقرب بوجهين :
الوجه الأول : ان المقصود بالعلم عندما يرد في لسان الشارع هو الاعم من العلم التعبدي والوجداني فالمراد بالعلم هو ما يراه الشارع علما بحسب اعتباراته وملاكاته ، وادلة الأصول قيدت بعدم العلم فموضوع الأصل هو عدم العلم الوجداني والتعبدي ، وهذا الموضوع كما يرتفع بالعلم الوجداني بالخلاف كذلك يرتفع بالعلم التعبدي بالخلاف ، والامارة علم تعبدي بحسب اعتبار الشارع فبها يرتفع عدم العلم الذي اخذ في لسان دليل الأصل ، بينما الامارة لم يؤخذ في لسان دليلها عدم العلم وانما قال ( عليه السلام) (( العمري وابنه ثقتان )) ، غاية الامر ان العقل يدرك بان جعل الامارة لابد ان يكون مع فرض الشك وعدم العلم فمن المستحيل ان يكون جعل الحجية للامارة على ان يكون ذلك شاملا لصورة العلم بالخلاف ، ولكن من الواضح ان هذا البرهان العقلي يختص بالعلم الوجداني لان البرهان العقلي لايرى استحالة جعل الحجية للامارة في صورة العلم التعبدي ، فالبرهان العقلي قائم على خروج صورة العلم الوجداني بالخلاف من ادلة حجية الامارة وحينئذ تبقى ادلة اعتبار وحجية الامارة شاملة لمورد العلم التعبدي بالخلاف فيبقى دليل حجية الامارة شاملا لصورة قيام الاستصحاب على الخلاف ، والاستصحاب وان كان علما تعبديا كالامارة الا ان دليل اعتبار الامارة لم يؤخذ فيه عدم العلم فلا يمكن القول بان التوارد من الطرفين ، نعم البرهان العقلي يدل على عدم شمول دليل حجية الامارة لصورة العلم بالخلاف وهذا مختص بصورة العلم الوجداني بالخلاف ،
وقد نوقش هذا الوجه بان عدم العلم ماخوذ في موضوع ادلة حجية الامارة ارتكازا فيكون بحكم المخصص المتصل لانه لا يمكن ان يكون دليل اعتبار الامارة مطلقا وشاملا لصورة العلم بالخلاف ، فهذا الارتكاز العقلي يخصص دليل الامارة بصورة عدم العلم بالخلاف وحينئذ نقول ان هذا هو الاعم من العلم التعبدي والوجداني فيكون التوارد من الطرفين
وبعبارة أخرى : ان هذا المخصص العقلي تارة يكون بحكم المخصص المنفصل عن دليل اعتبار الامارة فهذا الوجه قد يكون تاما اذ معه يكون دليل الامارة مطلقا وشاملا لصورة العلم الوجداني بالخلاف والعلم التعبدي بالخلاف وصورة العلم الوجداني بالخلاف يخرجها المخصص العقلي المنفصل فيصح ان يقال باننا نتمسك باطلاق دليل حجية الامارة لاثبات حجيتها مع العلم التعبدي بالخلاف لان الدليل العقلي المنفصل يختص بالعلم الوجداني فتسقط حجية هذا الدليل في حالة العلم الوجداني بالخلاف ،
وأخرى نقول بان هذا المخصص بحكم المخصص المتصل كما هو الحال في الارتكازات العقلية الأخرى ، لكنه لا يوجب التصرف في دليل اعتبار الامارة بحيث يجعل فيه شيئا مقدر الوجود وهو عدم العلم ، فكلامه يتم أيضا فيصح التمسك بالاطلاق فان الاطلاق يبقى على حاله لانه لا يوجب تصرفا في دليل اعتبار الامارة
وثالثة نفترض انه بحكم المخصص المتصل الذي يوجب تصرفا في الكلام والظهور الاستعمالي ويوجب تقييد الدليل بعدم العلم وحينئذ لا يتم هذا البرهان لان دليل اعتبار الامارة وان لم يذكر في لسانه عدم العلم ولكن كانه مذكور وقد قيد الدليل به فالتوارد يكون من الجانبين .
فهذا الوجه انما يتم اذا ادعينا ان المخصص العقلي بحكم المنفصل الا ان هذا يصعب ادعائه لانه ارتكاز عقلي ، فهو مخصص متصل ولكن قد يدعى فيه انه لا يوجب التصرف بظهور دليل اعتبار الامارة فيبقى على اطلاقه ولا نرفع اليد عنه الا بمقدار ما يدل عليه البرهان العقلي وهو يدل على اخراج صورة العلم الوجداني بالخلاف واما ما عداها فيبقى اطلاق الدليل شاملا له
الوجه الثاني : ان هناك قرينة متصلة في دليل الأصل تمنع من ان يكون دليل الأصل مفيدا لجعل العلمية والطريقية للاصل وهي ان الأصل قد اخذ في موضوعه الشك وهذا لا يناسب جعل العلمية له لان معناه الغاء الشك فيكون هذا نوع تهافت فالاصل لا يكون علما حتى تعبدا ، بينما لم يؤخذ الشك في لسان دليل الامارة.