الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول

التقريب الرابع للورود الحقيقي - وهو منسوب لصاحب الكفاية كالثاني لان عبارته قابلة لان تفسر بكلا التقريبين- : ان المحرم في ادلة الاستصحاب هو نقض اليقين استنادا الى الشك واحتمال الخلاف ومع قيام الامارة على الخلاف لا يكون رفع اليد عن الحالة السابقة مستندا الى الشك بل هو مستند الى الامارة فيخرج عن حرمة نقض اليقين بالشك ، فمع قيام الامارة لا يكون دليل الاستصحاب شاملا لذلك المورد لانتفاء موضوعه، لان رفع اليد يكون استنادا الى الامارة وهي حجة معتبرة لا الى الشك ، وعبارة الكفاية : (فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب امارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين ) فقوله نقض اليقين باليقين تارة نفسره باليقين باعتبار الامارة كما في التقريب الثاني ، وأخرى بما تقدم في هذا التقريب الرابع.

وقد أجاب السيد الخوئي (قده) عن هذا التقريب : بانه ليس من الصحيح ان نفسر قوله عليه السلام ( لاتنقض اليقين بالشك ) في روايات الاستصحاب بالنهي عن نقض اليقين استنادا الى الشك فان لازم هذا ان المكلف لو رفع يده عن الحالة السابقة استنادا الى شيء اخر غير الشك كما اذا كان الداعي هو استجابة التماس المؤمن فهو لم يرفع يده عن اليقين استنادا الى الشك فينبغي ان نلتزم بعدم حرمة نقض اليقين السابق ولا يكون هذا مشمولا لدليل الاستصحاب مع انه لا قائل بهذا لان رفع اليد عن الحالة السابقة عند الشك فيها منهي عنه بادلة الاستصحاب باي داع كان فان الدواعي غير ملحوظة في ادلة الاستصحاب بل الملحوظ فيها ان يحصل شك للمكلف بالحالة السابقة ، والذي يشهد على ذلك هو حصر الناقض للحالة السابقة في ادلة الاستصحاب باليقين فان هذا يعني ان المراد من الشك في قوله لا تنقض اليقين بالشك هو غير اليقين

وهناك محاولة لدفع اعتراض السيد الخوئي (قده) وتصحيح التقريب الرابع للورود وحاصلها : ان المراد باليقين في قوله (عليه السلام) : (( بل ينقضه بيقين مثله )) كل ما يصلح لان يكون ناقضا لحكم اليقين السابق ومنه اليقين باعتبار الامارة القائمة على خلاف الحالة السابقة في مقابل اليقين بمثل استحباب إجابة دعوة المؤمن فهو لا يكون ناقضا للحالة السابقة ، بخلاف ما يكون ناقضا للحكم المذكور في الحالة السابقة ورافعا له فيصلح ان يكون ناقضا لليقين بالحالة السابقة ، فاليقين باعتبار الامارة التي تقوم على خلاف الحالة السابقة يصلح لان يكون ناقضا للحكم الموجود في الحالة السابقة .

ولكن حمل اليقين في قوله (عليه السلام) : (( بل ينقضه بيقين مثله )) على كل ما يصلح ان يكون ناقضا للحكم خلاف الظاهر ؛ لان ظاهر سياق الروايات التي تامر بنقضه بيقين اخر هو ان اليقين الناقض هو اليقين بخلاف الحالة السابقة والامارة وان قامت في المورد الا ان قيامها لا يوجب اليقين بخلاف الحالة السابقة وإذ لا يقين بخلافها يدخل المورد في موضوع الاستصحاب ،

فحمل الرواية على ما يشمل اليقين بحجية الامارة خلاف ظاهر الدليل فان الرواية قالت (( بل ينقضه بيقين مثله )) بعد ان قالت (( لا تنقض اليقين بالشك )) وواضح ان الشك يتعلق ببقاء او ارتفاع الحالة السابقة واما قوله بل تنقضه بيقين مثله ، فظاهره ان يتعلق اليقين بنفس ما تعلق به الشك ، وعلى هذا لابد ان يحصل يقين بارتفاع الحالة السابقة حتى يرفع يده عن اليقين السابق واذا لم يحصل فدليل الاستصحاب يقول ابني على الحالة السابقة

وعلى كل حال فالمراد بالشك في قوله (عليه السلام) : (( لا تنقض اليقين بالشك)) هو ما عدا اليقين بمقتضى حصر الناقض باليقين ، وعلى ما تقدم نحتاج الى وجه اخر لتقديم الامارة على الاستصحاب بالورود ، فالظاهر على ما تقدم ان موضوع الاستصحاب متحقق مع قيام الامارة على خلاف الحالة السابقة ، واذا لا يوجد وجه تام لتقريب الورود الابد ان نقول بان تقديم الامارة على الاستصحاب بغير الورود .

واما الورود الادعائي فذكرنا لتقريبه وجهين في الدرس السابق

الوجه الأول : ان يقال بان الشارع لديه اعتبارات خاصة في باب العلم بمعنى انه حين يطلق العلم في الأدلة فمراده ما يراه علما لا العلم واليقين بمعناه الحقيقي ، فلو قامت الامارة على خلاف الحالة السابقة تكون رافعة لموضوع الاستصحاب حقيقة ولكن بحسب ادعاءات واعتبارات الشارع فتكون واردة على دليل الاستصحاب

الوجه الثاني : ان الاعتبارات والادعاءات ماخوذة في جانب متعلق العلم واليقين فالرافع للحالة السابقة في استصحاب النجاسة هو ما يراه الشارع طهارة ، فاذا كان الشارع يرى طهارة الشيء عند قيام الامارة على طهارته فبقيام الامارة على ذلك تتحقق الغاية في جعل الأصل كما لو علم علما وجدانيا بالطهارة الواقعية ،وهذا هو معنى الورود ولكنه بحسب ادعاءات خاصة بالمتكلم فيكون هذا ورودا ادعائيا لا حقيقيا .

ويلاحظ عليهما : انه لو تمت الأصول الموضوعية لهذين التقريبين فلم لا نعكس الامر بان نقول بان الأصول العملية التي يمكن فيها دعوى جعل اليقين او المتيقن كالاستصحاب واردة على الامارة ، بان نقول ان المراد بعدم اليقين بالخلاف الماخوذ في حجية الامارة هو ما يراه الشارع يقينا ، والشارع يرى الاستصحاب يقينا فيرتفع به موضوع الامارة فيكون واردا عليها