40/06/19
الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول
كان الكلام في التقريب الثاني لتقديم الامارة على الأصول العملية بالورود وهو يبتني على كون رفع اليد عن الحالة السابقة بقيام الامارة على خلاف الحالة السابقة ليس من باب نقض اليقين بالشك بل هو من باب نقض اليقين باليقين غاية الامر ان اليقين الرافع هو اليقين بحجية الامارة لان كل الامارات لابد ان تنتهي حجيتها الى القطع والا يلزم التسلسل ، فالامارة بدليل اعتبارها ترفع موضوع الاستصحاب حقيقة وهذا هو الورود ، وبعبارة أخرى : مع قيام الامارة المعتبرة على خلاف الحالة السابقة فلا يجري الاستصحاب لارتفاع موضوعه ،
ويلاحظ عليه : ان اليقين الذي يكون ناقضا لليقين السابق لابد ان يتعلق بارتفاع الحالة السابقة لا اليقين بشيء اخر ، وفي المقام لدينا يقين بحجية الامارة ولا يقين بطهارة الثوب حتى يكون رافعا لليقين بنجاسة الثوب مثلا،
هذا مضافا الى ان نفس الكلام نستطيع تطبيقه على الاستصحاب فلدينا يقين بحجية الاستصحاب فان حجيته لابد ان تنتهي الى القطع واليقين فلم نقدم اليقين بحجية الامارة على اليقين بحجية الاستصحاب، فاذا كان المدار على الانتقال الى اليقين بالحجية فكل من الامارة والاستصحاب متكافئان من هذه الجهة فيوجد يقين بحجية كل منهما ، وان قلنا بان المعتبر هو اليقين بخلاف الحالة السابقة فلا يقين هنا –مع قيام الامارة – على خلاف الحالة السابقة
التقريب الثالث : ان العلم الماخوذ غاية في الأصول العملية وكذا اليقين في دليل الاستصحاب وان كان المقصود منهما هو العلم واليقين الوجدانيين لا مطلق الحجة الا ان متعلقه هو الاعم من الحكم الواقعي والحكم الثابت بدليل معتبر فان المقصود من قوله (عليه السلام) : (( كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام )) أي حتى تعلم علما وجدانيا بالحرمة الاعم من الحرمة الواقعية والثابتة بدليل معتبر ، فعند قيام الامارة على الحرمة فالمكلف يعلم علما وجدانيا بالحرمة الثابتة بدليل معتبر فيرتفع موضوع الحلية حقيقة ويكون دليل الامارة واردا عليه ،
ونفس الكلام نقوله في باب الاستصحاب فان متعلق اليقين فيه ليس خصوص النقيض الواقعي للحالة السابقة بل الاعم من النقيض الواقعي لها والنقيض الذي ثبت بدليل معتبر ، فالناقض لاستصحاب نجاسة الثوب هو اليقين الوجداني المتعلق بنقيض الحالة السابقة وهو اعم من الطهارة الواقعية والثابتة بدليل معتبر ، وحينئذ فبقيام الامارة على طهارة الثوب يتحقق الورود بمعناه الحقيقي .ويلاحظ عليه : بان حمل متعلق العلم واليقين على الاعم من الحكم الواقعي والثابت بحجة معتبرة خلاف الظاهر ولا يصار اليه الا بقرينة وهي مفقودة في المقام فان ظاهر الدليل يجعل الغاية هي الحكم الواقعي .
هذه تقريبات ثلاث للورود بمعناه الحقيقي لا بحسب ادعاءات الشخص ، وهناك تقريب رابع نؤجله الى ما بعد الحديث عن الورود الادعائي ،واما الورود بمعناه الادعائي الذي به يتحقق رفع موضوع الدليل المورود حقيقة ولكن بحسب اعتبارات خاصة للمتكلم لا بحسب النظام اللغوي العام فيمكن ان يقرب بوجهين :
الوجه الأول : ان يقال بان الشارع لديه اعتبارات خاصة في باب العلم بمعنى انه حين يطلق العلم في الأدلة ويجعله غاية في اصالة الحلية والبراءة فمقصوده ما يراه علما لا العلم واليقين بمعناه الحقيقي ، فلو قامت الامارة على خلاف الحالة السابقة وكذا لو قامت على حرمة شيء في اصالة الحلية تكون رافعة لموضوع الاستصحاب حقيقة ولكن بحسب ادعاءات واعتبارات الشارع فتكون واردة على دليل الاستصحاب
الوجه الثاني : ان الاعتبارات والادعاءات ماخوذة في جانب متعلق العلم واليقين فالمقصود بقوله ( عليه السلام ) : (( كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام )) هو ما يراه الشارع حراما وكذلك في استصحاب النجاسة فالرافع للحالة السابقة هو ما يراه الشارع طهارة ، فاذا كان الشارع يرى حرمة الشيء عند قيام الامارة على حرمته ويرى طهارته عند قيام الامارة على طهارته فبقيام الامارة على ذلك تتحقق الغاية في جعل الأصل كما لو علم علما وجدانيا بالحرمة الواقعية والطهارة الواقعية ، وهذا هو معنى الورود ولكنه بحسب ادعاءات خاصة بالمتكلم فيكون هذا ورودا ادعائيا لا حقيقيا .