40/06/18
الموضوع : خاتمة : في النسبة بين الامارات والأصول
كان الكلام في الوجه الأول الذي ذكر لتقديم الامارات على الأصول بما فيها الاستصحاب وهو تقديمها بالتخصيص ، وذكرنا اشكال السيد الخوئي (قده) بان ادلة الاستصحاب غير قابلة للتخصيص باعتبار ان النهي عن نقض اليقين بالشك فيها هو ارشاد الى ما استقل به العقل خصوصا وان لسانها ورد بلسان ينبغي ولا ينبغي والظاهر ان مقصوده الارشاد الى قضية ارتكازية لا انه ارشاد الى ما استقل به العقل ، كما صرح به في تقرير درسه الاخر ، وتقدم منا الموافقة على ذلك سابقا ، بمعنى ان المرتكز في الذهن العام هو ان ما كان يبقى وعند الشك في بقاءه فالبناء على ابقاءه الا اذا حصل ما يوجب رفعه ، فيكون هذا نظير الأدلة الدالة على حرمة العمل بالظن بلسان انه لا يغني عن الحق شيئا فهذا لسان يابى عن التخصيص وان لم يكن قضية عقلية ، وهذا الكلام لا يرد عليه النقض بما تبناه (قده) من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فهو تخصيص لدليل الاستصحاب ، باعتبار انه يرى جريان الاستصحاب فيها وانما هو يسقط بالمعارضة ، بل حتى لو فرضنا انه يرى عدم جريانه فيها فعلى هذا الفرض لابد ان يكون هذا لوجود قصور في دليل الاستصحاب ومع فرض القصور في دليل الاستصحاب لا معنى للتخصيص ،
وعمدة ما يلاحظ على دعوى التخصيص هو ان النوبة لا تصل اليه الا بعد ابطال سائر الوجوه الأخرى الاتية وهي الحكومة والورود ، اذ مع الحكومة والورود لا معنى للتخصيص لانه اخراج من الحكم مع بقاء الموضوع فهو متأخر عن الحكومة والورود اذ لا معنى له مع نفي الموضوع ،الوجه الثاني : ان الامارة تتقدم على الاستصحاب بالورود وهذا هو ظاهر الكفاية ، والمقصود بالورود هو كون احد الدليلين رافعا لموضوع الدليل الاخر حقيقة ، وهذا يمكن تصوره تارة بلسان الاخبار لا بلسان الانشاء والتعبد كما اذا قال اكرم العلماء ثم اخبر بان زيدا ليس بعالم ، وأخرى بلسان الانشاء والتعبد كما اذا انشا وجوب شيء او حرمته ثم انشا البراءة بكلام اخر بقوله : ما لم تقم عندك الحجة على الالزام فانت في سعة ، وهذا يعني ان موضوع البراءة هو عدم قيام الحجة على الالزام فاذا انشا المولى الوجوب ومع فرض قيام الحجة عليه يكون قد رفع موضوع البراءة رفعا حقيقيا فيكون الدليل الاخر واردا على الدليل الأول ، وهذا الثاني هو الورود بالمعنى الأخص ، وهو على قسمين :
الأول : ان يكون الدليل المورود بحسب طبعه اللغوي العام تتضيق دائرته بالدليل الوارد كما هو الحال في الأمثلة السابقة ،
الثاني : ان تتضيق دائرة الدليل المورود بالدليل الوارد لا بحسب طبعه اللغوي بل بحسب ادعاءات ومتبنيات المتكلم فيرتفع الموضوع عن بعض الافراد حقيقة ولكن مبنيا على هذه الادعاءات كما اذا فرضنا ان المتكلم قال اكرم العالم ثم قال ان الفاسق ليس بعالم .
ويبدو ان الورود المدعى لصاحب الكفاية في المقام هو الورود الحقيقي كما هو ظاهر عبارته لا الورود الادعائي، ويمكن ان نفسر الورود بالورود الادعائي كوجه للتقديم والورود بمعناه الحقيقي يمكن تقريبه بتقريبين :الأول : بان يقال ليس المراد بالعلم المجعول غاية في ادلة الأصول العملية هو العلم بمعناه الحقيقي بمعنى الجزم واليقين بل المراد منه مطلق الحجة ، فكما يرتفع موضوع البراءة بقيام القطع على الحرمة كذلك يرتفع بقيام الامارة المعتبرة على الحرمة فيكون دليل الامارة رافعا لموضوع البراءة لان موضوعها هو الشك في الحرمة مع عدم قيام الحجة المعتبرة على الحرمة .
ونفس هذا الكلام نقوله في الاستصحاب فالمقصود باليقين في قوله (عليه السلام ): (( ولكن تنقضه بيقين اخر )) هو مطلق الحجة وانما ذكر اليقين في الدليل باعتباره ابرز افراد ما هو حجة فان اليقين بمعنى القطع والجزم حجته ذاتية بينما حجية غيره مجعولة ، ولكن ليس اليقين بخصوصيته المميزة له عن بقية الحجج هو الدخيل في رفع اليد عن الحالة السابقة بل الدخيل هو اليقين بخصوصيته التي يشترك بها مع باقي الحجج وهو كونه حجة ، فبقيام الامارة على خلاف الحالة السابقة يرتفع موضوع الاستصحاب حقيقة كما لو حصل اليقين على خلافها ؛ لان موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء مع عدم قيام الحجة على الخلاف .
والاشكال على هذا التقريب هو ان حمل اليقين في دليل الاستصحاب او العلم في سائر الأصول على هذا المعنى الوسيع خلاف الظاهر ولا يصار اليه الا بقرينة ودليل فحمل الدليل عليه بلا قرينة يكون حمل له على خلاف ظاهره ، واليقين وان كان ماخوذا في الدليل على نحو الطريقية ولكن بما هو طريق خاص اعني اليقين بمعنى القطع
التقريب الثاني : ان رفع اليد عن الحالة السابقة بالامارة يكون من باب نقض اليقين باليقين لانه نقض لليقين باليقين بحجية الامارة .