الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه العاشر : اشتراط وحدة الموضوع

كان الكلام في اشكال ان النزاع في تشخيص المصاديق لا في تحديد المفهوم فلا معنى للرجوع الى العرف لتحديد المصداق لوضوح انه انما يكون حجة في تحديد المفهوم لا في تشخيص المصداق ، وانتهى الكلام الى الجواب الثاني[1] عن الاشكال: وهو دعوى انعقاد اطلاق مقامي للخطاب في ان الشارع أحال مسالة تحديد بقاء الموضوع الى النظر العرفي ، خصوصا اذا التفتنا الى ان هذه المسامحة العرفية لا يلتفت اليها نفس العرف فهو لا يرى نفسه متسامحا وان كان تبدل الحيثية يوجب تبدل الموضوع بالدقة العقلية حتى لو كانت الحيثية تعليلية ، ومع سكوت الشارع عنها يمكن ان يقال بانعقاد اطلاق مقامي بمعنى ان الشارع لو لم يرض باجراء الاستصحاب في موارد المسامحة لنبه على ذلك وسكوت الشارع وعدم تنبيه الشارع بالرغم من ان هذه القضية ليست نادرة بل هي عامة وشائعة يوجب انعقاد اطلاق مقامي في ايكال الامر الى النظر العرفي،

ومن الواضح ان هذا الجواب انما يتم في صورة فرض ان اعمال هذه المسامحة العرفية لا يكون نادرا بل ان هذه المسامحة تطبق في موارد كثيرة بحيث لا يسمح للشارع لو كان لا يرضى بها ان يسكت لانها تعرض أغراضه للخطر

ويلاحظ على ما ذكره السيد الخوئي (قده) :

أولا : ان تفسير المقصود بالنظر العرفي في مقابل لسان الدليل بجعل المقابلة بين الدليل الأول الدال على الحكم حدوثا وبين الدليل الثاني الدال على الحكم بقاءا ليس تاما ؛ لأننا في كلا الدليلين نحكم العرف في فهم المراد منه فان العرف هو الحاكم في معرفة موضوع الحكم وهذا أيضا نطبقه على دليل الاستصحاب وعلى هذا فلا معنى لجعل المقابلة بين العرف وبين لسان الدليل بل هي مقابلة بين الدليلين ،

ثانيا : ان محل الكلام في تشخيص موضوع الحكم في الدليل الأول الدال على الحكم حدوثا لا في شيء اخر ،

وبعبارة أخرى : ان الخصوصية التي كانت موجودة في القضية المتيقنة ثم زالت هل هي مقومة ويزول الموضوع بزوالها ام انها من العوارض والحالات الطارئة على الموضوع . ولا نزاع في دليل الاستصحاب الدال على الحكم بقاءا فان معنى النقض واضح وكذا مفهوم الاتحاد بين القضيتين كما لا نزاع في توقف صدق النقض على بقاء الموضوع وعدم تبدله ، فلابد من تشخيص الموضوع في الدليل الأول لنرى هل نحرز بقاءه حتى يجري الاستصحاب ام لا نحرز ذلك فلا يجري الاستصحاب ، فلا نزاع في الدليل الثاني فان الدليل تارة يأتي بلسان المسافر يقصر وأخرى بلسان اذا سافرت فقصر ، وتارة نشخص الموضوع على ضوء الظهور الاولي للدليل فهنا تاتي مسالة التفريق بين اللسانين فان اللسان الأول ظاهره ان الموضوع هو المسافر فينتفي الحكم بزوال السفر ولا يمكن اجراء الاستصحاب ، اما لو قال اذا سافرت فقصر فيفهم منه ان الموضوع هو المكلف والسفر شرط ولا يقين بدخالته في الحكم فمع زوال السفر يحصل الشك في بقاء الحكم وأخرى نقول بان الميزان هو ما يشخصه ويحدده العرف على ضوء مناسبات الحكم والموضوع الارتكازية وقد يختلف العرف مع ظاهر الدليل ، ففي مثال نجاسة الماء المتغير المناسب لهذا الحكم ان يكون موضوعه هو ذات الماء والتغير علة لثبوت الحكم لموضوعه حتى لو قال في الدليل (الماء المتغير ينجس ) ، وفي المقابل قد يؤخذ في الدليل خصوصية كحيثية تعليلية ولكن العرف يراها تقيدية كما في قولنا ( اعط الزكاة لزيد ان كان فقيرا ) فالعرف يرى ان موضوع الحكم هو الحاجة والفقر لا ذات زيد فلو ثبت الحكم لزيد بعد زوال فقره يكون هذا حكما اخر بملاك اخر ، وواضح ان هذا كله يرتبط بالدليل الأول ولا دخالة للدليل الثاني في ذلك ،

فالشك يرجع الى ما هو المحكم في الدليل الأول وهل هو النظر العرفي المبني على مناسبات الحكم والموضوع ام ان المحكم هو ظاهر الدليل وهما قد يتفقان في كثير من الموارد وقد يختلفان ،

على انه لا داعي لفرض الدوران بين الدليل الأول والدليل الثاني فان هذا فرع التنافي بينهما ولا تنافي بينهما فيمكن الاخذ بكلا الدليلين فعلى ضوء ما نشخصه من موضوع الدليل الأول نعمل بالدليل الثاني . ومن هنا يظهر ان النزاع انما هو في الدليل الأول الدال على الحكم حدوثا وان تشخيص الموضوع فيه هل يكون بالرجوع الى ظهور الدليل او الفهم العرفي القائم على أساس مناسبات الحكم والموضوع

[1] مباحث الاُصول، القسم الثاني، الحائري، السيد كاظم، ج5، ص529.