40/06/05
الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه العاشر : اشتراط وحدة الموضوع
كان الكلام في ان المرجع في تحديد الشرط المعتبر في جريان الاستصحاب وهو بقاء الموضوع هل هو النظر العرفي او العقلي او يرجع الى لسان الدليل، وقلنا انه قد يقال بان المرجع هو العرف لان الخطاب الشرعي خطاب عرفي القي الى العرف فالمحكم في تحديد المراد منه هو العرف ، وفي المقابل قد يقال بان المرجع هو الدقة العقلية لان العرف ليس بحجة في تحديد المصاديق وانما هو حجة في تحديد المفهوم و كلامنا ليس في تحديد المفهوم حتى يرجع الى العرف بل الكلام في التطبيق ،وان الماء المتغير اذا زال التغير فوحدته باقية ام لا والعرف ليس حجة في التطبيق انما هو حجة في تعيين المفهوم
وفي المقابل قد يقال بان العقل أيضا ليس بحجة وانما هو حجة في الأمور العقلية كالاستحالة والامكان وامثالها فالمرجع هو لسان الدليل . هذه احتمالات يمكن طرحها في محل الكلام ،وهناك اشكال على الكلام المتقدم مذكور في كلماتهم وهو ينتهي الى انه لابد من الرجوع الى الدليل الشرعي ولا معنى لجعل المرجع هو العقل ولا العرف لان العقل لا مسرح له في محل الكلام وانما مسرحه في القضايا العقلية كالاستحالة والامكان وامور من هذا القبيل ولا يمكن ان يكون مرجعا في الاحكام الشرعية،
واما العرف فان كان المقصود من الرجوع اليه هو الرجوع الى ما يفهمه العرف من الدليل الشرعي في تحديد الموضوع ولو بمعونة القرائن فان هذا رجوع الى الدليل الشرعي ولا معنى لجعله في قباله ، وان كان المقصود هو اتباع العرف بما له من المسامحات في تطبيق المفهوم الكلي على فرده فلا مجال للرجوع اليه في مسامحاته في مقام التطبيق وانما يكون حجة في تشخيص المعنى من الدليل ، فما يكون العرف حجة فيه هو عبارة عن الرجوع الى الدليل الشرعي واما ما لا يرجع الى الدليل الشرعي فليس العرف حجة فيه، فعلى هذا لا بد ان نرجع الى الدليل ولا يكون العرف ولا العقل مرجعاوذكر السيد الخوئي[1] (قده) : بان (هذا الذي ذكره - وإن كان صحيحا - إلا أنه خارج عن محل الكلام ولا ربط له بالمقام، إذ الكلام - في بقاء الحكم في ظرف الشك المستفاد من أدلة الاستصحاب الدالة على حرمة نقض اليقين بالشك - من حيث أن جريان الاستصحاب والحكم بالبقاء متوقف على صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن الحكم السابق، وصدقه متوقف على بقاء الموضوع واتحاده في القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها، فهل المرجع في بقاء الموضوع هو الدليل الأول الدال على ثبوت الحكم - بأن كان جريان الاستصحاب تابعا لبقاء الموضوع المأخوذ في لسانه - أو الدليل الثاني الدال على الابقاء في ظرف الشك؟ فان الموضوع فيه النقض والمضي، فيكون جريان الاستصحاب تابعا لصدق النقض والمضي في نظر العرف بلا لحاظ الموضوع المأخوذ في لسان الدليل الأول.فالمراد من أخذ الموضوع من العرف: أن جريان الاستصحاب تابع لصدق النقض عرفا بلا نظر إلى الدليل الأول. والمراد من أخذه - من الدليل الشرعي - هو الرجوع إلى الدليل الأول
توضيح المقام: أن لسان الدليل - الدال على ثبوت الحكم - مختلف، فتارة يقول المولى مثلا: إن المسافر يقصر. و أخرى يقول: إن المكلف إن سافر قصر، فمفاد هذين الكلامين وإن كان واحدا بحسب اللب، وهو وجوب القصر على المسافر. وقد ذكرنا غير مرة أن الوصف المأخوذ في الموضوع يرجع إلى القضية الشرطية، وكذا القضية الشرطية ترجع إلى اعتبار قيد في الموضوع، إلا أن لسانهما مختلف بحسب مقام الاثبات، فان الموضوع في الأول هو عنوان المسافر، وفي الثاني عنوان المكلف مع كون السفر شرطا لوجوب القصر عليه، فلو سافر أحد في أول الوقت ووصل إلى وطنه آخره، وشك في أن الواجب عليه هل هو القصر لكونه مسافرا في أول الوقت، أو التمام لكونه حاضرا في آخره؟ فان كان بيان وجوب القصر على المسافر بمثل الكلام الأول، لا يمكن جريان الاستصحاب فيه؛ إذ الموضوع لوجوب القصر هو المسافر وهو حاضر حين الشك فلا يكون موضوع القضية المتيقنة والمشكوك فيها واحدا ، وإن كان بيان وجوب القصر بمثل الكلام الثاني، فلا مانع من جريان الاستصحاب، لكون الموضوع المأخوذ فيه هو المكلف، وهو باق في ظرف الشك هذا كله بناء على أخذ الموضوع من الدليل الأول الدال على ثبوت الحكم. فلا يمكن جريان الاستصحاب إن كان من قبيل الكلام الأول ولا مانع منه إن كان من قبيل الكلام الثاني )
فالمراد من الرجوع الى العرف ان جريان الاستصحاب تابع لصدق النقض عرفا بلا نظر الى الدليل الاول ، والمراد من تحكيم لسان الدليل هو الرجوع الى الدليل الاول الدال على الحكم الشرعي.