40/05/29
الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه العاشر : اشتراط وحدة الموضوع
كان الكلام في الجواب الثاني عن اشكال جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وكان الجواب يبتني على دعوى ان الاشكال ينشا لو كان الاستصحاب يجري في عالم الجعل والمفاهيم ففيه تكون المفاهيم متباينة فيما بينها فلا نحرز بقاء الموضوع لكن هذا ناشيء من دعوى ان مصب الاستصحاب هو عالم الجعل والمفاهيم بينما لو قلنا بان مصب الاستصحاب هو عالم المجعول والمصاديق الخارجية ؛ لما قلناه من ان الاستصحاب لا يجري في عالم الجعل اذ لا حدوث وبقاء فيه بل كل الاحكام تجعل فيه مرة واحدة فهو يجعل النجاسة للماء اذا تغير مطلقا وهذا يشمل الماء المتغير والماء الذي زال عنه التغير فهو يجعل كلتا الحصتين في ان واحد لا ان النجاسة بعد زوال التغير هي امتداد وبقاء للنجاسة في فرض التغير فيرد الاشكال لو قلنا بان مصب الاستصحاب هو عالم الجعل ، بينما المفاهيم في عالم المجعول متحدة مصداقا فالماء المتغير والماء الذي زال عنه التغير مصداقهما واحد ونحن نحرز بقاءه ونشك في حكمه فتتحد القضية المتيقنة والمشكوكة
والحاصل ان مصب الاستصحاب هو عالم المجعول والمصاديق الخارجية فينظر الى الحكم بما هو صفة للموضوع الخارجي فيكون له حدوث وبقاء وهذا هو المصحح لجريان الاستصحاب فيه لان الموضوع واحد لا يتبدل ، في حين ان الاشكال ناظر الى عالم الجعل والمفاهيم وهي متباينة .قد يقال: لنفترض ان الماء الذي هو موضوع النجاسة لا يتبدل فنحرز بقاءه ولكن النجاسة الخارجية التي تعرض على هذا الموضوع يحتمل تبدلها بمعنى ان النجاسة على تقدير ثبوتها بعد زوال التغير هي غير النجاسة الحادثة سابقا كما اذا فرضنا ان النجاسة جعلت على الماء المتغير بالفعل ثم بعد زوال التغير جعلت له نجاسة بجعل اخرفالذي نقطع بعدم تبدله هو الموضوع ولكن الحكم الثابت للموضوع يمكن تبدله فلا يقين ببقاء النجاسة وان كان هناك يقين ببقاء الموضوع
وجوابه : اننا بعد ان بنينا على اجراء الاستصحاب بلحاظ عالم المجعول والمصاديق الخارجية فالدعوى ان كل الحيثيات الدخيلة في ثبوت الحكم حتى لو كانت تقيدية تصبح بلحاظ عالم المجعول حيثيات تعليلية واقعا والحيثية التعليلية من شانها انها لا توجب تعدد المعلل فالحكم في الحيثيات التعليلية لا يتبدل فكما نحرز بقاء الموضوع كذلك نحرز بقاء الحكم ، كالحرارة عندما تتبدل علتها من االنار الى الشمس فهذا لا يعني تبدل الحرارة بل الحرارة الثابتة من النار هيي نفس الحرارة الناشئة من الشمس
نعم عندما يكون هناك تعدد في الوجود الخارجي فحينئذ يرد الاشكال اما لو لم يكن تعدد في الوجود الخارجي بل الموضوع بنفسه باقي وثبت له الحكم سابقا بعلة والان يثبت له بعلة اخرى فلا يرد الاشكال فان فرض وحدة الموضوع يعني ان التغير ليس حيثية تقيدية بلحاظ المصاديق وعالم المجعول فزوالها لا يؤثر على الموضوع ومن هنا يقال بان الحيثيات التقيدية تنقلب في عالم المجعول الى حيثيات تعليلية ، فلا يرد الاشكال،
نعم انما يرد الاشكال عندما يفترض تبدل في الموضوع الخارجي فمعه لا نحرز بقاء الموضوع وكون القضية المشكوكة عين المتيقنة ، وتبدل الموضوع الخارجي الذي يكون الاشكال فيه محكما يتحقق في موردين :
الاول: في باب الاستحالات ، كما في استحالة الكلب الى ملح فالموضوع السابق ارتفع وحدث موضوع جديد فهنا لا مجال لجريان الاستصحاب
الثاني: عندما يكون الحكم منصبا على الحيثية بحيث يكون موضوع الحكم هو الحيثية كما لو قلنا بان موضوع الدليل القائل (قلد العالم) هو العلم لا العالم وكذا لو قال تصدق على الفقير فالموضوع هو الفقر لا الفقير فمع تبدل الحيثية فلا اشكال في ان الموضوع يتغير وحينئذ يستحكم الاشكال
ومن هنا يظهر بان ما ذكر من ان الحيثيات التقيدية يكون زوالها مانعا من جريان الاستصحاب صحيح بشرط ان تكون الحيثية موجبة لتعدد الموضوع في الخارج ولكن عندما نفترض انها لا توجب تعدد الموضوع في الخارج فان زوالها لا يمنع من جريان الاستصحاب
والحاصل ان الاصحاب ذكروا انه بناءا على لزوم احراز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة بالدقة العقلية فلا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية حتى اذا كانت الحيثية تعليلية لان الحكم يزول بزوال حيثيته فيكون الحكم الثابت بعد ذلك غير الحكم الثابت سابقا ومقتضى ذلك المنع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية مطلقا ، ومن هنا ذكروا بان المناط في الوحدة ليس الدقة العقلية بل يكفي ان تكون ثابتة ولو بالمسامحة العرفية ومن هنا ميزوا بان الحيثية لو كانت تعليلية فالعرف يحكم بالوحدة بينما لو كانت الحيثية تقيدية فالعرف يحكم بالتعدد
واما بناءا على الكلام السابق فحتى لو بنينا على ان المناط هو الدقة العقلية فينبغي ان نقول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية حتى اذا كانت الحيثية تقيدية ، فاذا كان التغير دخيلا في الحكم يكون المشكوك غير المتيقن بل حتى اذا كانت الحيثية تعليلية فان الحكم بالدقة العقلية يرتفع بارتفاع حيثيته ، وعندما لا يكون التغير دخيلا فبالدقة العقلية المشكوك عين المتيقن وحيث اننا نحتمل دخالة التغير في الحكم فنحن نشك في بقاء الحكم وارتفاعه ، ولا نحتاج في اجراء الاستصحاب الى ازيد من احراز ان الشك شك في البقاء .