الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه التاسع: الرجوع الى عموم العام او استصحاب حكم المخصص

كان الكلام في التفسير الثاني الذي ذكره المحقق النائيني[1] (قده) لكلام الشيخ الانصاري في مسالة التفصيل بين ما اذا كان الزمان قيدا وبين ما اذا كان ظرفا فذهب الى ان المقصود من ذلك هو التفصيل بين ما اذا كان الاستمرار قيدا في المتعلق بحيث يطرا عليه الحكم فلا مانع من التمسك بالعام في غير ما خرج بالتخصيص، وبين ما اذا كان الاستمرار والعموم الزماني قيدا في نفس الحكم فلا يجوز التمسك بالعام في مورد الشك ، والفرق بين كون الاستمرار واردا على الحكم وكونه مأخوذا في متعلقه من وجهين:

الأول : أن الاستمرار المأخوذ في متعلق الحكم يمكن إثباته بنفس الدليل المتكفل لاثبات الحكم والاستمرار المأخوذ في الحكم لا يمكن إثباته بنفس الدليل المتكفل لبيان الحكم ؛ لان نسبة الحكم الى الاستمرار بعد فرض اخذه قيدا في الحكم هي نسبة الحكم الى موضوعه ومن الواضح انه لابد من فرض الموضوع مفروض الوجود والتحقق حتى يعرض عليه الحكم كما هو الحال في كل حكم مع موضوعه ، ومن هنا لابد من فرض وجود دليلين في الحالة الثانية ، بخلاف الحالة الأولى التي يكون الاستمرار فيها قيدا لمتعلق الحكم فلا مشكلة في ان يتكفل دليل واحد باثبات اصل الحكم ومتعلقه لان الاستمرار من شوؤن المتعلق التي يلحظها الجاعل .

الثاني : في القسم الأول لا مانع من الرجوع الى عموم الدليل الدال على الاستمرار عند الشك في خروج بعض الافراد لان هذا هو مورد اصالة العموم فان خروج فرد من العام لا يستلزم خروج باقي الافراد ، ولا فرق في هذا بين كون العموم استغراقي او يكون عموما مجموعيا ولا بين ان يكون الزمان قيدا او يكون ظرفا ، وهذا الاستمرار يستفاد من نفس دليل الحكم ، والسر هو انه في القسم الأول ان الدليل بنفسه يتكفل بالاستمرار

واما في القسم الثاني فلا يمكن الرجوع الى الدليل لاثبات حكمه في فترة الشك لأننا اما ان نرجع الى الدليل الدال على اصل الحكم او نرجع الى الدليل الدال على استمراره وكل منهما غير ممكن اما الأول فالمفروض انه لا يدل الا على ثبوت الحكم في الجملة وبنحو القضية المهملة والا لكان دالا على الاستمرار والمفروض بحسب كلامه ان الاستمرار ينبغي ان يكون الدال عليه دال اخر ، واما الدليل الدال على الاستمرار فلا يمكن التمسك به لاثبات الحكم في فترة الشك لان الحكم قد اخذ في موضوعه بحسب الفرض ،

ويقول بان مراد الشيخ (قده) من كون الزمان ظرفا هو القسم الأول الذي يكون فيه الاستمرار قيدا في المتعلق ، ومراده من كون الزمان قيدا أي يكون الزمان قيدا في الحكم لا في متعلقه فلا يجوز الرجوع الى العام في فترة الشك ويتعين الرجوع الى استصحاب حكم المخصص .

وقد اعترض على هذا التفسير باعتراضات :

الأول : ما ذكره السيد الخوئي[2] (قده): بان ما ذكره من الفرق الأول، غير تام وخلط بين مرحلتي الجعل والمجعول، لان ما ذكره - من عدم إمكان إثبات الاستمرار من نفس الدليل المتكفل لبيان الحكم - إنما يصح بالنسبة إلى الجعل، فان استمراره عبارة أخرى عن عدم النسخ. ولا يمكن إثباته بنفس الدليل الدال على الحكم، بل لابد من التماس دليل آخر من استصحاب - على القول بجريانه عند الشك في النسخ - أو من نحو قوله (ع): حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... " وهذا لا دخل له بالمقام، فان الكلام في تخصيص المجعول لا في تخصيص الجعل الراجع إلى النسخ، ولا مانع من إثبات استمرار المجعول من نفس دليله، إذ الاستمرار من قيوده، ولا منع من أخذه في الدليل الدال عليه كبقية القيود. والجعل والمجعول يختلفان من حيث الاستمرار وعدمه (فتارة) يكون الجعل مستمرا دون المجعول: كالزوجية الانقطاعية، فان المجعول - وهو الزوجية غير مستمر. وأما الجعل (أي جواز العقد الانقطاعي) فهو مستمر إلى يوم القيامة. و (أخرى) يكون بعكس ذلك كالزوجية الدائمية مع فرض نسخ جواز العقد الدائمي، فيكون المجعول - وهو الزوجية - مستمرا، والجعل - وهو جواز العقد الدائمي - غير مستمر.

وملخص الكلام في المقام: أنه لا يمكن إثبات استمرار الجعل بمعنى عدم النسخ بنفس الدليل الدال على الحكم، بل لو صرح في الدليل بكون الحكم دائميا لا يمكن إثبات عدم النسخ بهذا الدليل، فان للمولى نسخ هذا الحكم الدائمي ، ولكنه خارج عن محل الكلام كما تقدم. وأما استمرار المجعول فلا مانع من إثباته بنفس الدليل.

الثاني : انه قد فرض ان الحكم بمثابة الموضوع للاستمرار في القسم الثاني وحيث ان الحكم غير محرز في المقام فلا يمكن التمسك بدليل الاستمرار ،

ويلاحظ عليه : انه لا يمكن ان يكون موضوع دليل الاستمرار ثبوت الحكم مستمرا اذ لو كان كذلك فلا فائدة من الحكم عليه بالاستمرار في الدليل الثاني فلا بد ان يكون موضوع الاستمرار هو ثبوت الحكم في الجملة وهذا يمكن اثباته بالدليل الأول وبذلك نحرز ثبوت الموضوع فيمكن التمسك بدليل الاستمرار .

الثالث : من الصعب جدا التفكيك بين الحكم وبين المتعلق بافتراض ان الاستمرار قيد للحكم دون المتعلق لوجود ملازمة عادية بين اطلاق وشمولية الحكم وبين اطلاق وشمولية المتعلق ، فان فرض الاطلاق في الحكم يستلزم افتراض كون المتكلم في مقام البيان والتفكيك بين الحكم وبين المتعلق ليس عرفيا فاذا كان المتكلم في مقام بيان من ناحية الحكم فعادة يكون كذلك من ناحية المتعلق ، فاذا صب الحكم على المتعلق من دون قيد يتم الاطلاق في كل منهما وتثبت الشمولية للحكم كما تثبت للمتعلق ، وما ذكره من التفكيك انما يكون ممكنا اذا وجدت قرينة على تقييد المتعلق وهي مفقودة في محل الكلام .


[1] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد أبوالقاسم الخوئي، السيد محمد الواعظ الحسيني ج3 ص220.
[2] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد أبوالقاسم الخوئي، السيد محمد الواعظ الحسيني، ج3، ص222.