الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه التاسع: الرجوع الى عموم العام او استصحاب حكم المخصص

تقدم أن الشيخ الأنصاري ( قده) فرق بين ما اذا كان الزمان قيدا للعام وبين ما اذا كان ظرفا له ، فإذا كان الزمان قيدا للعام فالمرجع في الفرد المشكوك هو العام لأن التقييد يعني تفريد العام الى أفراد طولية ، فإذا خرج منه فرد في فترة زمنية معينة بدليل الخاص وشك في خروج فرد آخر فلا إشكال في الرجوع الى العام فيه لأنه من الشك في التخصيص الزائد ، بخلاف ما إذا كان الزمان ظرفا للعام فلا يكون للعام أفرادا طولية والمخصص يخرج الفرد بلحاظ جميع الأزمنة فلا يرجع الى العامفي الفرد المشكوك ويرجع فيه الى الإستصحاب فنستصحب حكم الخاص ،

وذكر الشيخ صاحب الكفاية (قده) بانه لا وجه لقصر النظر على خصوص العام في تقسيمه الى ما اذا كان الزمان قيدا له او ظرفا ، بل ينبغي ان يؤخذ هذا بنظر الاعتبار بالنسبة الى الخاص ايضا فالزمان تارة يكون قيدا مفردا فيه واخرى يلحظ الزمان مجرد ظرف له ، وحينئذ تكون الصور اربعة ولا بد من ملاحظة حكمها :

الصورة الاولى : ان نفترض ان الزمان قيدا مفردا في كل من العام والخاص ، وفي هذه الحالة لا مجال للاستصحاب لتعدد الموضوع فاسراء الحكم الثابت لفرد الى فرد اخر يكون من قبيل اسراء حكم موضوع الى موضوع اخر، ويكون الرجوع الى العام متعينا في هذه الصورة لان الزمان قيد في العام فهو مفرد له يوجب وجود افراد طولية له وقد خرج منه بالتخصيص احد الافراد وبعد هذا نشك فهو شك في التخصيص الزائد والمرجع فيه الى اصالة العموم ،

الصورة الثانية : ان نفترض ان الزمان ظرف في كل منهما ، وهنا لا مجال للرجوع الى العام لان له فرد واحد بلحاظ الزمان وقد خرج عن حكمه بالتخصيص فلا يمكن الرجوع الى العام لاثبات حكمه ، ويبقى مجال للرجوع الى الاستصحاب في هذه الصورة .

الصورة الثالثة : ان نفترض ان الزمان قيد في العام وظرف في الخاص ، فهو يفرد العام الا ان الخاص ليس له الا فرد واحد وفي هذه الحالة فان الرجوع الى الاستصحاب لا يواجه مشكلة كالرجوع الى العام لان المفروض ان الزمان قيد في العام فيمكن الرجوع الى العام لان الشك في الفرد الثاني بلحاظ الزمان شك في التخصيص الزائد ، كما يمكن الرجوع الى الاستصحاب لان المفروض ان الزمان ظرف للخاص فلا يوجب تعدد الموضوع في الخاص ، نعم في هذه الحالة لابد من تقديم العموم على الاستصحاب لانه دليل لفظي وهو مقدم على الأصل العملي

الصورة الرابعة : ان نفترض ان الزمان قيد في الخاص دون العام ففي هذه الحالة لا يمكن الرجوع الى العام لانه لا افراد له بلحاظ الزمان اذ ليس فيه بحسب الفرض الا الافراد العرضية وخرج منه احد الافراد بدليل فلا يمكن الرجوع الى العام عند الشك في حكم هذا الفرد ، ولا يمكن الرجوع الى استصحاب حكم المخصص لان المفروض ان الزمان قيد في الخاص فهذا الفرد في هذا الزمان حصة من الخاص وفي الزمان الثاني حصة أخرى فلا يمكن جر حكم الفرد الأول الى الفرد الثاني بالاستصحاب لتعدد الموضوع ،

فالمحقق الخراساني (قده) جعل الملاك في عدم جريان الاستصحاب كون الخاص قد اخذ فيه الزمان قيدا من دون فرق بين ان يكون الزمان قد اخذ قيدا في العام ام لا ، بينما كان الملاك عند الشيخ هو اخذ الزمان قيدا في العام وعدمه ،

ثم ان صاحب الكفاية قد فصل في الصورة الثانية وهي صورة اخذ الزمان ظرفا في كل منهما بين ما اذا كان التخصيص من اول ازمنة العموم وبين ما اذا كان التخصيص في الاثناء ، فعلى الأول لابد من الرجوع الى العام ، نعم لو كان التخصيص في الاثناء فالعموم قد انعقد واستقر ثم جاء التخصيص ففي هذه الحالة يرجع الى الاستصحاب ولا يرجع الى العام ، وقد مثل لذلك بالفرق بين خيار الغبن و خيار المجلس ، فان الدليل الدال على لزوم العقد كقوله تعالى (( اوفوا بالعقود )) يشمل كل عقد بعمومه وخرج منه العقد الذي فيه خيار المجلس الا ان هذا خارج من اول ازمنة عموم العام بخلاف خيار الغبن فان الخيار بموجبه يثبت عند ظهور الغبن في المعاملة فليس خارجا من العام من البداية ،

ويفهم من كلامه تعليل ذلك بان خيار المجلس خارج من عموم (( اوفوا بالعقود )) من اول ازمنة وقوع العقد الى حين انتهاء المجلس فاذا شك في بقاءه في زمان فلا يمكن استصحاب بقاء الخيار لان هذا العقد لم يكن مشمولا للعام منذ البداية ، فان خيار المجلس يرفع حكم العام من اول زمان العقد الى انقضاء زمان المجلس ويكون العام دالا على لزوم العقد بعد انقضاء زمان المجلس وفي هذه الحالة لا مانع من الرجوع الى العام في زمان الشك ، وهذا بخلاف خيار الغبن فان مورد ثبوته خارج عن عموم العام في الاثناء أي حين ظهور الغبن في العقد وهذا يعني ان العقد مشمول لعموم العام في بدايته ، فلو ان المغبون لم يعمل الخيار في ان ظهور الغبن ففي الزمان الثاني نشك في بقاء خياره ففي هذه الحالة لا يمكن التمسك بعموم العام في المشكوك لانقطاع حكم العام بالخاص