الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه الثامن: جريان الاستصحاب في الموضوعات المركبة / حالات توارد الحالتين .

النتيجة التي انتهينا اليها في المسالة السابقة هي انه لا مانع من جريان الاستصحاب في موارد توارد الحالتين سواء كان كل منهما مجهول التاريخ او ان احدهما معلوم التاريخ والأخر مجهوله ، وقلنا بان المحقق العراقي قد ذكر بعض الملاحظات على الاستصحاب والظاهر ان كلامه ناظر الى صورة الجهل بالتاريخين، وتقدمت الملاحظة الأولى .

واما الملاحظة الثانية[1] : فذكر انه لابد في الاستصحاب من وجود يقين تفصيلي بلحاظ الزمان بحيث اذا رجعنا قهقرائيا سنصل الى فترة زمنية نشير اليها ونقول هذا هو زمان اليقين بالمستصحب، وهذا غير متوفر في محل الكلام فان أي زمان نفترضه اذا رجعنا اليه يكون المستصحب فيه مشكوكا واذا رجعنا الى الوراء اكثر من ذلك نصل الى زمان اليقين بعدم كل منهما، فكانه يشترط في الاستصحاب اليقين التفصيلي بلحاظ الزمان ولا يكتفي باليقين الاجمالي،

وجوابه : انه لا دليل على اشتراط اليقين التفصيلي بالمستصحب من حيث الزمان ، بل المهم ان يحصل يقين بالحدوث سواء كان هذا ضمن يقين تفصيلي او اجمالي فلا فرق بين اليقين التفصيلي وبين اليقين الإجمالي في ان دليل الاستصحاب شاملا لكل منهما وهذا متوفر في محل الكلام فالمكلف على يقين من حدوث الطهارة وعلى شك في بقائها وان كانت الطهارة المتيقنة مرددة من حيث الزمان بين الساعة الأولى والساعة الثانية وكذا الحدث ، هذا مضافا الى النقض على ذلك بعدم امكان جريان الاستصحاب في الموارد الأخرى كما اذا علمنا بعدالة زيد سابقا في زمان مردد ثم شككنا في بقاء عدالته ،فمقتضى هذا الكلام ان نلتزم بعدم جريان الاستصحاب لعدم وجود يقين تفصيلي بالحالة السابقة ،

الملاحظة الثالثة : ان المستفاد من ادلة الاستصحاب التعبد بالمستصحب بمقدار المعلوم ، فاذا كان المعلوم هو الطهارة في زمان تفصيلي فالتعبد يكون بالمستصحب بلحاظ الزمان التفصيلي وان كان العلم بلحاظ الزمان اجماليا فالتعبد الاستصحابي يكون بهذا الاعتبار ، فالاستصحاب يعبدنا بالطهارة كمعلوم تفصيلي اذا كان العلم تفصيليا بلحاظ الزمان او الطهارة المعلومة اجمالا لو كان المتيقن معلوما بالاجمال ، والاثر انما يترتب على الطهارة في واقع الزمان لا على الطهارة المرددة بين زمانين . ومن هنا لا يجري الاستصحاب في المقام مع فرض التردد لعدم ترتب الأثر عليه .

وجوابه : ما تقدم من عدم اعتبار اليقين في باب الاستصحاب وانما المعتبر هو الحدوث وعلى هذا الأساس حكمنا بإمكان جريان الاستصحاب في موارد عدم اليقين بالحدوث فينتفي اصل الاشكال هذا من ناحية مبنائية ، ومن ناحية أخرى فان الأثر انما لا يترتب اذا كان المراد هو التعبد بالمستصحب بلحاظ الزمان النسبي كما لو استصحب الطهارة بلحاظ نزول المطر فيقال بان الأثر يترتب على المستصحب في واقع الزمان الا ان المستصحب في محل الكلام هو الطهارة بلحاظ عمود الزمان لا بالنسبة الى حادث اخر وهذه الطهارة مرددة بلحاظ عمود الزمان بين زمانين ، والمستصحب هو جامع الطهارة بين الحصتين ، وهذا في الحقيقة تعبد بجامع الطهارة في واقع الزمان غاية الامر ان واقع الزمان مردد بين الزمان الأول والزمان الثاني .

الرجوع الى عموم العام او استصحاب حكم المخصص وهذا التنبيه قد طرحه الشيخ الانصاري (قده) في رسائله والبحث فيه يكون في ما اذا فرضنا دليلا له عموم افرادي يشمل افرادا متعددة وعموم ازماني يشمل الازمنة المختلفة لكل فرد وورد عليه مخصص يخرج بعض الافراد بلحاظ فترة زمنية معينة ، فاذا شككنا بحكم الفرد الذي خرج من العام بعد انتهاء هذه الفترة فهل نرجع لتشخيص حكمه الى عموم العام او نستصحب حكم الخاص ؟ومثاله الدليل الدال على جواز مقاربة الزوجة فان له عموم افرادي فيشمل الطاهر والحائض والمستحاضة بمقتضى هذا العموم وله عموم ازماني وبمقتضاه يشمل كل الازمنة لكل فرد من افراده، وقد دل الدليل على حرمة مقاربة الحائض ما دام الدم موجودا ، فبعد النقاء وقبل الغسل يشك في حكم المقاربة ، فهل يرجع الى العام ونلتزم بجواز المقاربة ام نستصحب حكم الخاص؟

وقد ذكر الشيخ الانصاري (قده) بان العام يمكن فرضه على نحوين فتارة نفترض ان الزمان قيد مفرد للعام يقسم العام الى افراد طولية بلحاظ الزمان، واخرى نفترض ان الزمان مجرد ظرف بمعنى ان هذا العام يشمل الافراد وشموله لها بنحو الاستغراق والحكم الثابت للأفراد يكون حكما واحدا مستمرا بلحاظ الزمان ،

فعلى الفرض الاول يتعين الرجوع الى العام لان ما خرج من العام هو فرد من افراده وخروجه لا يستلزم خروج فرد اخر، فاذا شككنا في خروج الفرد الاخر نتمسك بأصالة العموم فيه فان موردها الشك في التخصيص الزائد، واما اذا قلنا بالفرض الثاني وكون الزمان ظرفا ففي هذه الحالة يتعين الرجوع الى الاستصحاب لان ما خرج من العام هو هذا الفرد بلحاظ كل الزمان فانقطع حكم العام عنه ولو ثبت له الحكم لكان الثابت له حكما جديدا لا نفس حكم العام لان حكم العام حكم واحد لكل فرد ولا يوجد احكام متعددة ،فعود الفرد الى حكم العام بحاجة الى دليل جديد فنستصحب حكم الخاص بان يقال في المثال : هذه كان يحرم مقاربتها في زمان الحيض والان نشك في بقاء الحرمة فنستصحب بقائها ، وهذا ليس فردا جديدا حتى يستشكل بتعدد الموضوع بل هو نفس الموضوع السابق .

الا ان المحقق الخراساني (قده) قد اعترض على ما ذكره الشيخ بانه لا وجه لقصر النظر في ما ذكر من الفرضين فرض القيدية وفرض ظرفية الزمان للعام بل لابد ان نلحظ هذه الناحية في المخصص ايضا فتارة يكون الزمان قيدا في كل منهما واخرى لا يكون قيدا في كل منهما وثالثة يكون قيدا في العام دون المخصص ورابعة يكون قيدا في المخصص دون العام ،


[1] نهاية الأفكار، البروجردي، الشيخ محمد تقي، ج4، ص216.