الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه الثامن: جريان الاستصحاب في الموضوعات المركبة

تبين في الدرس السابق ان الوجه في منع جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ هو عدم احراز كون رفع اليد عن الحالة السابقة نقضا لليقين بالشك بل يحتمل ان يكون نقضا لليقين باليقين وهذا المنع انما يجري في مجهولي التاريخ عندما نفترض مطابقة دائرة التردد بلحاظ الزمان لاحد الحادثين لدائرة احتمال الحادث الاخر ؛ لأننا على كل حال نحتمل ان نجر المستصحب بالاستصحاب الى زمان نقطع فيه بارتفاعه دون ما اذا كانت دائرة التردد في احدهما أوسع من الاخر ، فمثلا عند استصحاب عدم اسلام الابن الى زمان موت الاب ويحتمل ان موت الاب حدث في الساعة الثانية فيكون اسلام الابن قد حدث في الساعة الأولى بحسب الفرض فيكون لنا قطع بإسلام الابن في الساعة الثانية وهذا معناه اننا نجر عدم اسلام الابن الى زمان نعلم فيه باسلامه ، وما دام هذا محتملا فلا نحرز ان رفع اليد عن الحالة السابقة من باب نقض اليقين بالشك بل يحتمل ان يكون من باب نقض اليقين باليقين ، ونفس الكلام نقوله في استصحاب عدم موت الاب الى زمان اسلام الولد فان زمان اسلام الابن يحتمل ان يكون هو الساعة الثانية التي نعلم فيها بموت الاب ، نعم هذا التقريب للمنع لا يجري اذا كانت دائرة الاحتمال في احد الحادثين أوسع منها في الاخر لعدم احتمال ان يكون رفع اليد عن الحالة السابقة من باب نقض اليقين باليقين بالنسبة الى الاوسع دائرة دون الاضيق دائرة فيجري الاستصحاب في الاوسع دائرة فقط، فاذا فرضنا ان اسلام الابن كان مرددا بين الساعة الأولى والثانية والثالثة وموت الاب مردد بين الساعة الأولى والثانية فيجري استصحاب عدم اسلام الابن الى واقع زمان موت الاب وهو اما الساعة الأولى او الثانية ولا يقين فيهما باسلام الابن فيكون رفع اليد عن الحالة السابقة في هذه الصورة نقضا لليقين بالشك فيكون مشمولا لدليل الاستصحاب ، نعم لا يجوز اجراء الاستصحاب في الاضيق دائرة ، فلا نستطيع استصحاب عدم موت الاب الى زمان اسلام الابن لانه من المحتمل ان يكون زمان اسلام الابن هو الساعة الثالثة والتي يقطع فيها بارتفاع المستصحب.

ومن هنا يظهر ان الاستصحاب انما يجري في مجهول التاريخ اذا كانت دائرة التردد فيه أوسع من دائرة التردد في الحادث الاخر دون ما اذا كانت مساوية له او اضيق؛ لاحتمال ان يكون رفع اليد عن الحالة السابقة من باب نقض اليقين باليقين ، وعلى هذا الأساس يمكن تخريج ما تقدم من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ في مقابل معلومه وعدم جريانه في معلوم التاريخ فان معلوم التاريخ في الصورتين الثانية والثالثة يكون دائما هو الاضيق دائرة فيكون رفع اليد عن الحالة السابقة لمجهول التاريخ من باب نقض اليقين بالشك فيشملها دليل الاستصحاب بينما لا نحرز ذلك في معلوم التاريخ لاحتمال ان يكون رفع اليد عن الحالة السابقة فيه من باب نقض اليقين باليقين ، فاذا فرضنا ان موت الاب معلوم الحدوث عند الزوال فقد تحددت دائرة انطباقه بينما اسلام الابن مجهول التاريخ فهو مردد بين الزوال وغيره فيكون أوسع دائرة في الانطباق من معلوم التاريخ ، فلو اردنا جر عدم اسلام الابن بالاستصحاب الى زمان موت الاب المجهول ويحتمل ان يكون في زمان يقطع فيه باسلام الابن فيكون رفع اليد عن الحالة السابقة من باب نقض اليقين باليقين ، بينما استصحاب عدم موت الاب الى زمان اسلام الابن وهو الزوال بحسب الفرض فلا مانع منه لأننا لا نعلم بارتفاع الحالة السابقة عند الزوال لاحتمال ان يكون موت الاب قد حدث بعد الزوال فيكون رفع اليد عن الحالة السابقة نقضا لليقين بالشك فيشمله دليل الاستصحاب . هذا وقد يطرح استصحاب اخر في المقام يكون معارضا لاستصحاب بقاء الجزء وهو استصحاب عدم بقاء احد جزئي الموضوع المركب لغرض نفي الأثر الشرعي المترتب عليه ، فمثلا موضوع الحكم الشرعي بحرمان الابن من الإرث مركب من كفر الابن وموت الاب ،وههنا يمكن تصور جريان استصحابين: احدهما يثبت الأثر الشرعي وهو استصحاب بقاء الجزء أي استصحاب عدم اسلام الابن الى حين موت الاب ، والثاني: استصحاب عدم موت الاب الى زمان اسلام الابن لغرض نفي الأثر الشرعي ، وكان التركيز في الكلام السابق على استصحاب بقاء احد جزئي الموضوع المركب لغرض ترتيب اثره الشرعي وان ذكرنا الاستصحاب الاخر في الكلام . وقد يقال بوجود اشكال المثبتية في الاستصحاب الثاني بينما لم يتعرض الاستصحاب الاول لهذا الاشكال لان المفروض ان أجزاء الموضوع المركب اخذت على نحو التركيب لا التقييد فبالاستصحاب نريد ان نثبت ذات كفر الابن في زمان نحرز فيه تحقق الجزء الاخر ، بينما في الاستصحاب الثاني نريد ان ننفي الأثر الشرعي فنستصحب عدم احد الجزئين فنستصحب عدم موت الاب الى حين اسلام الابن لغرض نفي الاثر الشرعي باعتبار ان استحقاق الابن للارث يترتب على ان يكون مسلما حين موت الاب وهذا لا يثبت باستصحاب عدم موت الاب الى حين اسلام الابن الا بالملازمة العقلية