40/02/04
الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السابع: الأصل المثبت
تقدم الجواب الأول حول وجه التفرقة بين الاثار المترتبة على المستصحب بواسطة شرعية والاثار المترتبة عليه بواسطة عقلية وسجلنا عليه ملاحظتان وبقيت الملاحظة الثالثة[1] : وهي ان ما ذكر في الجواب من عدم شمول التنزيل للأثر التكويني لا وجه له ، فان هذا الكلام انما يكون صحيحا اذا كان المقصود من التنزيل هو التنزيل الواقعي الحقيقي كما في قوله ( عليه السلام ) (( الطواف بالبيت صلاة )) فالاثر الشرعي الثابت للصلاة واقعا يثبت للطواف فهذا لا يثبت به الا الأثر الشرعي لان مرجعه الى توسعة دائرة موضوع الأثر الشرعي فنستفيد من الدليل ان موضوع الأثر الشرعي هو الاعم من الطواف والصلاة ، وهذا المعنى للتنزيل غير معقول بالنسبة للاثر التكويني كما في قوله ( عليه السلام ) (( الفقاع خمر استصغره الناس )) فلا معنى لان ينزل الشارع الفقاع منزلة الخمر تنزيلا واقعيا بلحاظ لونه او رائحته او اسكاره لان هذه اثار ثابتة لخصوص الخمر والشارع بما هو شارع لا يستطيع ان يعمم هذا الأثر واقعا .
ولكن من الواضح ان صاحب هذا الوجه لا يريد التنزيل الواقعي والا لكان الاستصحاب حكما واقعيا بل يريد التنزيل الظاهري ولا مانع من شموله للاثار التكوينية كالشرعية ، فالمراد هو اثبات أثر المتيقن التكويني للمشكوك ظاهرا وتعبدا فكما ان حياة زيد المتيقنة يترتب عليها نبات اللحية واقعا فالشارع يرتب هذا الأثر ظاهرا على الحياة المشكوكةقد يقال بان التنزيل مشترط بتماثل الأثر المنزل للمنزل عليه في كل شيء ما عدا الواقعية والظاهرية فلو كان الأول حكما شرعيا فلابد ان يكون الاخر حكما شرعيا ،
ولكن نقول : انه لا دليل على هذه الدعوى ، وعلى هذا الكلام فلا مبرر لاختصاص التنزيل بخصوص الأثر الشرعي ، ويترتب على ذلك امكان اثبات الاثار الشرعية المترتبة على المستصحب بالاستصحاب سواء كانت مترتبة بواسطة شرعية ام عقلية .
الجواب الثاني : وهو مبني على ان مفاد دليل الاستصحاب هو النهي عن النقض العملي لليقين ومرجعه الى التعبد ببقاء اليقين ولو باعتبار مرحلة الجري العملي ، ومن الواضح بان هذا يختص بالمستصحب لان المستصحب هو مصب اليقين فلا يشمل حينئذ الاثار المترتبة على المستصحب بواسطة تكوينية لانها ليست مصبا لليقين بل يشكل اثبات الاثار المترتبة على المستصحب بواسطة شرعية لنفس السبب بل هذا الاشكال شامل حتى للاثار المترتبة على المستصحب بلا واسطة ،
نعم ، لابد من استثناء الأثر الشرعي الأول في سلسلة الاثار الشرعية المترتبة طوليا والالتزام بثبوت التعبد فيه بدلالة الاقتضاء وصونا لكلام المتكلم الحكيم عن اللغوية اذ لا معنى للتعبد ببقاء اليقين بلحاظ الجري العملي لو لم يثبت الأثر الأول ، واما باقي الاثار التي تترتب على هذا الأثر فيصعب اثباتها بهذا الكلام جدا . وقد ذكرت عدة أجوبة لهذا الاشكال :الجواب الأول : الاستعانة بقاعدة اثر الأثر اثر فالاثر المترتب على المستصحب بالواسطة اثر للمستصحب .
وجوابه : ان المدعى في هذا الاشكال ان ثبوت الأثر الشرعي الأول بدلالة الاقتضاء لا ان دليل الاستصحاب يفهم منه ثبوت اثر المستصحب حتى يقال بان اثر الأثر اثر .
الجواب الثاني : ما ذكرناه في مسلك التنزيل من عدم الحاجة الى التنزيل بلحاظ الاثار الشرعية الطولية ، وان المهم ان يثبت الأثر الأول فيترتب عليه حكمه ويكون حكمه موضوعا لحكم اخر وهكذا ، فيمكن اثبات الأثر الشرعي تمسكا بدليل ذلك الأثر لان دليل ذلك الأثر يقول مثلا كلما كان زيد حيا فيجب التصدق عليه ، وبالاستصحاب نثبت حياته واما الحكم وهو وجوب التصدق عليه فانما يثبت بدليله بعد تحقق موضوعه ،
وحينئذ لا يرد الاشكال فان هذا ليس تمسكا بالاستصحاب بل هو تمسك بعموم الدليل الدال على ذلك الأثر .