الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السابع: الأصل المثبت

تقدم الكلام في المقام الثاني من مبحث الأصل المثبت وهو الحديث حول وجه التفرقة بين الاثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة شرعية والاثار الشرعية المترتبة عليه بواسطة عقلية فقد حكموا بحجية الأولى دون الثانية ، وذكرنا الجواب الأول وكان يعتمد على استفادة التنزيل من دليل الاستصحاب ولا معنى للتنزيل الا اثبات اثر المنزل عليه للمنزل وبضميمة ما ذكرنا من ان التنزيل انما يتم بالنسبة للاثار التي بيد المنزل رفعها ووضعها ينتج ان التنزيل الصادر من الشارع يختص بالاثار الشرعية للمستصحب دون اثاره التكوينية واذا لم يثبت الأثر التكويني للمستصحب فالاثر الشرعي المترتب عليه أولى بعدم الثبوت .

واشكلوا عليه[1] بإمكان اثبات الأثر المترتب على الواسطة العقلية مباشرة بالاستصحاب لانه اثر للمستصحب لان اثر الأثر اثر فلا ضرورة لاثبات الواسطة التكوينية حتى يرد الاشكال .

ويظهر من المحقق النائيني الجواب عنه بما ذكرناه من دعوى الانصراف في دليل الاستصحاب عن الشمول للاثار الشرعية بالواسطة او يقال بان الاثار الشرعية بلا واسطة هي القدر المتيقن من دليل الاستصحاب . الا ان هذا ينتج اختصاص دليل الاستصحاب بالاثار المترتبة على المستصحب مباشرة فلا يشمل الاثار الشرعية المترتبة عليه بالواسطة ، فلم التفرقة بين الاثرين اذا كان كل منهما غير ثابت ؟ ولدينا هنا حديثين : الأول يرتبط باصل دعوى ان اثر الأثر اثر ، والثاني حول دعوى الانصراف .

اما دعوى ان اثر الأثر اثر ففي قولنا ان الاستصحاب يترتب عليه الأثر المترتب على المستصحب بواسطة شرعية دون المترتب عليه بواسطة عقلية لا يراد من الأثر في هذا الكلام المعلول والمسبب بل المراد به الأثر الشرعي وهو الحكم العارض على موضوعه فان الاحكام العارضة للمتيقن تثبت بالتنزيل للمشكوك ومن الواضح ان هذا غير مشمول لقضية ان اثر الأثر اثر فمن غير الصحيح الحكم بان الحكم الثابت للازم لابد ان يثبت للملزوم باعتبار ان اللازم اثر للملزوم فان هذا انما يصح في الأمور التكوينية دون الشرعية اذ لا يصح اسراء حكم من موضوع الى موضوع اخر .

واما دعوى الانصراف ففيها مشكلتان : الأولى : ان اللجوء الى دعوى الانصراف لحل الاشكال يستبطن الاعتراف بجريان قاعدة ان اثر الأثر اثر في المقام وتقدم عدم انطباقها في محل الكلام

الثانية : ان لازم هذا الكلام عدم ثبوت الاثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة شرعية ، فلا معنى للتفصيل المعروف بينهم بين اثار المستصحب الثابتة بواسطة شرعية والاثار الثابتة بواسطة عقلية

وجوابه – على مسلك التنزيل – ان الاثار المترتبة على المستصحب بواسطة شرعية انما تثبت لان هذا التنزيل يستبطن تنزيلا اخر وهو تنزيل الأثر منزلة المتيقن فلو كان له اثر شرعي لثبت بهذا التنزيل وفي كل تنزيل يثبت الأثر المباشر لا الأثر الثابت بالواسطة ، فمثلا في المثال المعروف لو جرى الاستصحاب في حياة زيد فانه ينزل الحياة المشكوكة منزلة الحياة المتيقنة ولابد ان يكون هذا التنزيل بلحاظ الاثار التي بيد الشارع وضعها ورفعها فيثبت به الأثر الشرعي الثابت للحياة المتيقنة للحياة المشكوكة ثبوتا ظاهريا كوجوب التصدق مثلا ووجوب التصدق هذا فيه تنزيل أيضا فينزل هذا الوجوب الظاهري منزلة وجوب التصدق الواقعي وهذا أيضا تنزيل فلابد ان يكون بلحاظ اثر شرعي فلو كان لوجوب التصدق الواقعي اثر فسوف يثبت لوجوب التصدق الظاهري ، وعلى هذا ستكون لدينا سلسلة من التنزيلات كلها ثابتة بلحاظ الأثر المباشر . وبهذا تتم دعوى الانصراف ويتم التفريق بين الاثار المترتبة بواسطة تكوينية والاثار المترتبة بواسطة شرعية لان مايثبت بالاستصحاب خصوص الاثار الشرعية دون التكوينية .

وأول مناقشة في هذا البيان هي المناقشة في اصل المبنى القائل بان المستفاد من دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن وكان هذه الدعوى قائمة على أساس ان المراد من اليقين في دليل الاستصحاب هو المتيقن والمراد بالشك المشكوك وهذا محل كلام فيمكن اسناد النقض في دليل الاستصحاب الى اليقين لوجود جهة استحكام فيه فيكون مفاد الدليل النهي عن نقض اليقين بالشك


[1] - اجود التقريرات ج4 ص132.