الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السابع: الأصل المثبت

تبين مما تقدم ان السيد الشهيد (قد) يرى ان الاستصحاب يختلف عن مثل خبر الثقة فان دليل اعتبار خبر الثقة ظاهر في عدم وجود نكتة في التعبد به سوى الكاشفية وقوة الاحتمال ولو شككنا في ظهور الدليل في ذلك فيمكن تعيين ظهوره بالاستعانة بالارتكازات العقلائية فانها اذا اقترنت بدليل تكون معينة لظهوره ، وهذا بخلاف الاستصحاب فانه وان كان مركوزا في اذهان العقلاء البناء على الحالة السابقة لكن لا يمكن البت بان ذلك لمجرد الكاشفية وقوة الاحتمال بل قد يكون لمسالة العادة والانس الذهني دخالة في ذلك ولا يوجد اطلاق في دليل الاستصحاب حتى يتمسك لاثبات الحجية للمدلول الالتزامي به لاثبات ذلك كما لا يوجد ارتكاز عقلائي للعمل بالاستصحاب لمحض الكاشفية للتمسك به لتعيين ظهور دليل الاستصحاب ، فلعل جريهم على طبق الحالة السابقة كان لاجل العادة والانس الذهني بها .

يتلخص مما تقدم ان الميزان في حجية اللوازم هو احد امرين على سبيل منع الخلو :

الأول : افتراض وجود اطلاق في دليل ذلك الشيء بحيث يكون شاملا للمدلول الالتزامي بالإضافة الى المطابقي

الثاني : ان يثبت ان تمام الملاك في الحجية هو درجة الكشف وقوة الاحتمال من دون اعتبار نكتة أخرى في جعل الحجية .

المسلك الرابع : وهو ما تبناه السيد الخوئي[1] (قد) حيث ذهب الى عدم وجود فرق بين الامارات والأصول في ان كل منهما لاتثبت لوازمها ، فلا فرق بينهما بلحاظ الدليل خلافا للمحقق الخراساني (قد) ولا في نوع المجعول كما ذهب اليه المحقق النائيني (قد) ، وانما نلتزم بحجية اللوازم اذا قام الدليل على ذلك وهو يرى ان السيرة العقلائية قامت على الاخذ بلوازم الاخبار بمعناها الاعم الشامل للبينة والاقرار ، فلا يرد عليه ما اشكلنا به على المحقق الخراساني من كون الحكاية منوطة بالقصد والمخبر ليس قاصدا للوازم ؛ لانه لم يثبت حجية اللوازم بادخالها في باب الحكاية والاخبار بل لقيام السيرة العقلائية على ذلك ، فمثلا لو اقر احدهم بسقي السم لزيد يثبت بذلك قتل الخطأ وتترتب عليه لوازمه الشرعية ، و اما الامارات التي لا تدخل في باب الاخبار كالشهرة فلم يقم دليل على حجية لوازمها كما في الظن في باب القبلة فان الشارع قد جعله امارة لتعيين القبلة عند اشتباه جهتها فمثلا لو كان تحديد القبلة الى جهة معينة ملازم لدخول وقت الصلاة لتجاوز الشمس عن سمت الرأس على تقدير كون القبلة في هذه الجهة ، فلا ينبغي الشك في عدم صحة ترتيب هذا اللازم وهو دخول الوقت، وعدم جواز الدخول في الصلاة.

هذه هي اهم المسالك في المقام الأول ، وفي مقام الترجيح بالإمكان ان نقول ان المسلك الأول لصاحب الكفاية يرد عليه الاشكال السابق من ان الحكاية والاخبار تابعة للقصد والمخبر قد لا يكون قاصدا للمدلول الالتزامي ، وبعبارة أخرى : لو كان اللازم بين بالمعنى الأخص او بالمعنى الاعم مع الالتفات الى الملازمة فيمكن القول بان الحكاية عن المدلول المطابقي حكاية عن المدلول الالتزامي اما لو كان اللازم غير بين او بين بالمعنى الاعم مع عدم الالتفات للملازمة او مع انكارها فمن الصعب ان نقول بانه كما يحكي عن المدلول المطابقي يحكي عن المدلول الالتزامي اذ لا قصد بحسب الفرض ، وتقدم بان المحقق العراقي أجاب بانه يكفي القصد الإجمالي الارتكازي ، ونحن فسرناه بالملازمة بين التصديق بالمدلول المطابقي والتصديق بالمدلول الالتزامي بعد الالتفات للملازمة ولو لم يكن ملتفتا لها فعلا . ومن جهة أخرى يلاحظ عليه بان ما ذكره لا ينطبق على جميع الامارات كالشهرة فان الشهرة القائمة على شيء لا تكون قائمة على لازمه فلا يمكن تطبيق عنوان الشهرة الذي هو مصب الحجية على المدلول الالتزامي واما الوجه الرابع الذي التزم به السيد الخوئي (قد) ففيه ان انكار الفرق بين الامارات وبين الأصول العملية ودعوى ان الفرق قائم في شيء اخر خارج عنها خلاف الانصاف لأننا بالوجدان نشعر بوجود فرق بين خبر الثقة وبين اصالة الحل بقطع النظر عن ملاحظة السيرة وبناء العقلاء ، فان اصالة الحل مبنية على ملاحظة نوع الحكم المحتمل واهمية الأغراض والملاكات التي يكشف عنها بينما لم يلحظ نوع المؤدى في خبر الثقة ، ولا يمكن انكار هذا الفارق بينهما ثبوتا بل يمكن ان يقال بان الاعتراف بقيام السيرة على حجية مثبتات خبر الثقة دون مثبتات اصالة الحل والاستصحاب يؤكد وجود فارق ثبوتي بينهما لان عمل العقلاء ليس اعتباطيا ولا تعبديا صرفا فلا بد من استناده الى مناطات واقعية ولوجود هذا الفارق استقر بناء العقلاء على العمل باللوازم في موارد وعدم العمل بها في موارد أخرى فيتجه البحث عن تلك الحيثيات التي على أساسها فرق العقلاء بين المقامين . والى هنا يبقى الامر دائر بين ما ذكره المحقق النائيني (قد) وما ذكره السيد الشهيد (قد)

[1] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد أبوالقاسم الخوئي، السيد محمد الواعظ الحسيني¡ Ì3¡ Õ155.