الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السابع: الأصل المثبت

كان الكلام حول المسلك الثالث لبيان الفرق بين الامارات والاصول و الذي اختاره السيد الشهيد (قد ) بناءا على مسلكه في تفسير الحكم الظاهري وانتهى الكلام الى الاصل التنزيلي الذي يكون الملحوظ فيه كل من اهمية المحتمل وقوة الاحتمال مثل قاعدة اليد وقاعدة الفراغ بناءا على ملاحظة قوة الاحتمال في جعل قاعدة اليد ، وهذا الامر يكون واضحا في قاعدة الفراغ فقد لوحظ فيها قوة الاحتمال ولذا فهي لا تجري عند احراز الغفلة حين الاتيان بالعمل ونوعية الحكم المحتمل ملحوظة فيها ايضا لان الحكم فيها بالصحة قد انصب على الصلاة التي فرغ منها .

والقاعدة في مثل ذلك ان لا تكون لوازمه حجة اذ النتيجة تتبع اخس المقدمات والمفروض ملاحظة سنخ الحكم المحتمل في جعل القاعدة ولا يجب ان يتطابق المدلول الالتزامي والمطابقي في سنخ الحكم .

هذا هو الضابط بحسب مقام الثبوت ، واما بحسب مقام الاثبات[1] فلابد ان نحرز احد الملاكين اما قوة الاحتمال او اهمية المحتمل لاجل البناء على ان هذا لوازمه حجة ام لا وهذا الاحراز انما يستفاد من دليل اعتبار الامارة او الأصل ، ولا ينبغي الشك في ان المستفاد من ادلة اعتبار مثل خبر الثقة والظهورات هو ان الملحوظ فيها هو قوة الاحتمال والكشف النوعي عن الواقع بمعنى انه لا دخل لنوع الحكم المحتمل في جعلها وهذا هو المطابق للارتكازات العقلائية بمعنى ان العقلاء انما يعملون بخبر الثقة لاجل كاشفيته عن الواقع كما نه ليس هناك نكتة أخرى يمكن تصورها في بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة .

وكذلك لا ينبغي الشك بالنسبة الى اصالة الاحتياط واصالة الحل بمعنى انها لا تثبت لوازمها لان الملحوظ فيها هو نوعية الحكم المحتمل وهو في المدلول المطابقي يختلف عن المدلول الالتزامي فاهتمام الشارع بالحلية لا يلازم اهتمامه بالاحكام الأخرى الملازمة للحلية ، ودليل اعتبار اصالة الحل واصالة الاحتياط لا يساعد على وجود نكتة أخرى تكون دخيلة في جعل هذين الاصلين .

واما قاعدة الفراغ فالظاهر ان كلا الامرين معتبر فيها فاعتبار قوة الاحتمال باعتبار عدم جريانها عند احراز الغفلة حين الاتيان بالعمل ولحاظ نوع المحتمل باعتبار انها تجري لاثبات الصحة بعد الفراغ عن الفعل لا قبل الفراغ منه فيحتمل ان يكون هذا دخيلا في الحكم بالصحة في قاعدة الفراغ ولذا لم يتعد الفقهاء الى الحكم بالصحة قبل الفراغ من العمل ولو كانت ملازمة بين الامرين ، فمثلا لو دخل المكلف في صلاته الثانية وقبل الفراغ منها شك في انه هل توضا قبل الصلاتين او لا ؟ فقاعدة الفراغ تجري بلحاظ الصلاة الأولى دون الثانية بالرغم من وجود ملازمة بين صحة الصلاة الأولى وصحة الصلاة الثانية لانه شك في الصحة قبل الفراغ من العمل ، وهذا يؤكد ان نوع الحكم المحتمل له مدخلية في جعل قاعدة الفراغ او لا اقل من احتمال ذلك .

واما الاستصحاب فواضح انه لم يلحظ فيه نوع الحكم المحتمل لانه ليس واحدا فقد يجري في الوجوب او الحرمة او الاستحباب وهكذا ، فتبقى قوة الاحتمال وهي موجودة وان كانت بدرجة اقل بكثير من وجودها في خبر الثقة وعلى هذا الأساس يمكن البناء على انه امارة ، ولكن ذكر السيد الشهيد[2] (قد) بانه يحتمل ان تكون هناك نكتة خاصة قد تكون دخيلة في جعل الحجية للاستصحاب وهذه النكتة تختص بمؤدى الاستصحاب ولا تشمل لوازم المستصحب والاحكام الشرعية المترتبة على لوازم المستصحب ، وهي نكتة العادة والانس الذهني فان هناك ميل نفسي للإنسان اذا كان متيقنا بشيء ان يبني على عدم زواله ولعل هذه النكتة تكون دخيلة في جعل الحجية للاستصحاب بالإضافة الى درجة الكشف ، وهذه النكتة هي التي تمنع من ان تكون مثبتات الاستصحاب حجة لان هذه النكتة مختصة بخصوص ما يجري فيه الاستصحاب وهو حياة زيد في المثال المعروف لان المكلف كان على يقين منها سابقا فياتي هذا الميل الفطري في البناء على الحالة السابقة ولا يمكن تعدية هذا الكلام الى لازم المستصحب كنبات اللحية في المثال اذ لا يقين به سابقا .


[1] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود¡ Ì6¡ Õ179.
[2] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود¡ Ì6¡ Õ180.