40/01/15
الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السادس: استصحاب عدم النسخ
كان الكلام حول اشكال تعدد الموضوع الذي طرحه الشيخ الانصاري[1] (قد) على استصحاب عدم النسخ فالمتيقن هو الحكم الثابت للمكلفين الموجودين في الزمان الأول والمشكوك هو ثبوت الحكم للمكلفين الموجودين في الزمان الثاني فلا يجري الاستصحاب .
وتقدم الجواب الأول عنه والجواب الثاني المذكور في كلمات المحقق النائيني[2] (قد) وحاصله : ان الاحكام مأخوذة على نهج القضية الحقيقية التي يكون الحكم فيها ثابتا على الموضوع المقدر الوجود ، فلا فرق بين الفرد الموجود في الزمان الأول والفرد الموجود في الزمان الثاني في شمول الحكم في القضية الحقيقية لهما فالقضية المتيقنة هي عين المشكوكة
وذكرنا ايراد السيد الخوئي[3] (قد) عليه: بان الحكم اما ان يكون مطلقا او مقيدا من ناحية الافراد ، فاذا كان مطلقا بالقياس الى افراد المكلفين فيكفي نفس اطلاق دليله لاثبات الحكم في حق جميع المكلفين حتى من لم يوجد في الزمان الأول بلا حاجة لاستصحاب عدم النسخ اذ لا احتمال للنسخ حتى ننفيه بالاستصحاب ، ولا فرق بين استفادة هذا الاطلاق من نفس دليل الحكم كما في قوله تعالى (( لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا )) وبين ثبوته بدليل من الخارج كما في قوله ( صلى الله عليه واله ) : (( حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة ))
واما اذا لم يثبت الاطلاق فعند الشك بالنسخ لا يكون الحكم بالإضافة الى الافراد غير الموجودين في الزمان الأول متيقنا ليجري الاستصحاب اذ الشك في سعة المجعول وضيقه ومجرد كون القضية حقيقية لا يحل الاشكال لانها قابلة لان تكون مقيدة بزمان معين .وللمحق العراقي (قد) كلام فيه إشارة الى دفع هذا الايراد وحاصله : بناءا على ان الحكم مجعول على نهج القضية الحقيقية فلا يرد الاشكال ( إذ بعد أن كان مقتضى العموم ثبوت الحكم من الأول لجميع الافراد الفعلية والفرضية لولا النسخ : فلا جرم عند الشك في النسخ وعدم عموم لفظي يقتضي استمراره في جميع الأزمنة يجري فيه استصحاب البقاء وعدم النسخ ولازمه ثبوته للافراد الموجودة في الشريعة اللاحقة ، لان منشأ الشك في ثبوته فعلا للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة انما يكون هو النسخ لا غيره ، فاستصحاب عدمه يكفي لنفي هذه الجهة من الشك ، بلا احتياج إلى اثبات كونهم مرادا من العام بمثل هذا الأصل كي يجيئ فيه شبهة مثبتية الأصل المزبور )[4]
والظاهر ان ما يقوله المحقق العراقي (قد ) هو الصحيح بمعنى تمامية الجواب الثاني ولا مجال لايراد السيد الخوئي (قد) عليه ؛ اذ المفروض في محل الكلام هو الشك في النسخ وهو يعني شكهم في كون الحكم ثابت في حقهم ام ارتفع وهذا فرع ثبوت الحكم لهم اولا ، فان معنى الشك في النسخ ثبوت الحكم في البداية مع احتمال رفعه ، فعموم الحكم لجميع افراد المكلفين مفروض في محل الكلام حتى يكون شكهم شكا في النسخ ،
المقام الثاني : في جريان استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في الشريعة السابقة .
وكل الاشكالات التي استعرضناها في المقام الاول تجري هنا ، وكل ما تقدم في تحرير الاجوبة عنها ايضا يجري هنا ، الا ان هذا المقام يختص باشكالين :الاول : ان العلم الاجمالي بنسخ بعض احكام الشريعة السابقة يمنع من جريان استصحاب عدم النسخ فان اجراء الاستصحاب في جميع الاحكام ينافي العلم الاجمالي بثبوت النسخ في بعضها واجراءه في بعضها دون الاخر ترجيح بلا مرجح فتتعارض الاستصحابات وتتساقط ،
وهذا عين الاشكال الوارد على اجراء اصالة البراءة فان اجرائها في كل حكم يشك في ثبوته ينافي العلم الاجمالي بثبوت احكام الزامية في الشريعة ، والاشكال الوارد على اصالة العموم فان اجراء اصالة العموم في كل عام ينافي العلم الاجمالي بورود المخصص على عمومات الكتاب والسنة .