الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/01/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السادس: استصحاب عدم النسخ

كان الكلام حول استصحاب بقاء الحكم عند الشك في نسخه ، وتقدم ان الكلام يقع في مقامين ، الأول في استصحاب حكم شريعتنا ، والثاني في استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في شريعة أخرى .

وتقدم الحديث حول المقام الأول واستعرضنا ثلاثة معاني يمكن تصورها للنسخ ، وتقدم ان الاستصحاب في المقام لما كان استصحابا لبقاء الحكم فالمطلوب اجراء الاستصحاب في الشبهة الحكمية فترد عليه الإشكالات الواردة على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وقد تقدم الكلام حول الشبهات التي لا تختص بمحل الكلام .

والمهم في المقام هو التعرض للاشكال المختص بمحل الكلام وهو اشكال تعدد الموضوع الذي طرحه الشيخ الانصاري[1] (قد) فالمتيقن هو الحكم الثابت للمكلفين الموجودين في الزمان الأول والمشكوك هو ثبوت الحكم للمكلفين الموجودين في الزمان الثاني فلا يجري الاستصحاب .

وذكرنا بان هذا الاشكال انما يأتي بناءا على ما هو المعروف من معنى النسخ وكونه تخصيص ازماني ، فيكون احتمال النسخ هو احتمال اختصاص الحكم بالافراد الموجودين في الزمان الأول فلا يكون ثابتا للافراد الموجودين في الزمان الثاني ، فنحن على يقين من ثبوت الحكم للمكلفين الموجودين في الزمان الأول وعلى شك في ثبوته لاخرين ، وقد ذكرنا جوابين لهذا الاشكال :

الجواب الأول[2] : ان نجري الاستصحاب بحق من عاصر كلا الزمانين، ويمكن اثبات الحكم الثابت له بالاستصحاب للأفراد الاخرين بقاعدة الاشتراك في التكليف.

وقد تقدم دفعه وقلنا بانه لا مجال للتمسك بقاعدة الاشتراك لاسراء الحكم لمن لم يدرك الزمانين فان قاعدة الاشتراك تعني اشتراك الاحكام بين افراد موضوعها وهذا لا يمكن تطبيقه في محل الكلام لان اجراء الاستصحاب كحكم ظاهري بحق من ادرك الزمانين انما يكون باعتبار كونه على يقين سابق وشك لاحق بالحكم فقاعدة الاشتراك تثبت السراية لكل من كان له يقين سابق وشك لاحق بالحكم ومن لم يدرك الزمان الأول لا يقين له بالحكم

الجواب الثاني[3] وهو مذكور في كلمات المحقق النائيني (قد) وحاصله : ان الاشكال انما نشا من تصور ان الاحكام مأخوذة على نهج القضية الخارجية التي يكون موضوعها خصوص الافراد الموجودين في الزمان الأول ، الا ان الامر ليس كذلك فهي مأخوذة على نهج القضية الحقيقية التي يكون الحكم فيها ثابتا على الموضوع المقدر الوجود ، فلا فرق بين الفرد الموجود في الزمان الأول والفرد الموجود في الزمان الثاني في شمول الحكم في القضية الحقيقية لهما فالقضية المتيقنة هي عين المشكوكة .

وهذا الجواب صار محلا للكلام بين الاعلام حيث أورد عليه السيد الخوئي[4] (قد) بما حاصله : انه لا اشكال في جعل الاحكام على نهج القضية الحقيقية لكن هذا يعني عدم دخل خصوصيات الافراد في الحكم و لا ينفي احتمال اختصاص الحكم بعنوان كالحضور او من ادرك الزمان الأول فيكون الحكم غير شامل للأفراد الذين لم يدركوا الزمان الأول لانه مقيد بقيد غير شامل لهم ، فاذا احتملنا ذلك فالاشكال وارد ولا يكفي في دفعه القول بان الحكم ماخوذ على نهج القضية الحقيقية

وبعبارة أخرى : ان المستصحب في محل الكلام ليس هو الاعتبار والحكم لانه انما يحصل ويفنى بعد تصوره ، وانما المستصحب هو المعتبر وهو اما ان يكون مطلقا او مقيدا لاستحالة الإهمال الثبوتي في مقام الواقع ، فاذا كان المعتبر مطلقا فيكفي نفس اطلاق دليله لاثبات الحكم في حق جميع المكلفين حتى من لم يوجد في الزمان الأول بلا حاجة لاستصحاب عدم النسخ ، وان كان مقيدا فياتي كلامنا السابق من احتمال كونه مقيدا بزمان غير شامل لهذه الافراد وهذا يعني انه لا يقين بثبوت الحكم لهم حتى يجري الاستصحاب ، فلو كان لهم شك فهو شك في الحدوث لا شكا في البقاء .

[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضي الأنصاري¡ Ì3¡ Õ225.
[2] فرائد الأصول، الشيخ مرتضي الأنصاري¡ Ì3¡ Õ225.
[3] فوائد الأصول‌، الآخوند الخراساني¡ Ì4¡ Õ479.
[4] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد أبوالقاسم الخوئي، السيد محمد الواعظ الحسيني¡ Ì3¡ Õ148.