39/11/04
الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السادس: استصحاب عدم النسخ
بناءا على المبنى الاول في تفسير النسخ بالمعنى المقبول له فلا مجال للاشكال الثالث أيضا فان المدعى ان الحكم مجعول على تمام الافراد مؤبدا غاية الامر نشك في رفع الشارع له فلا مجال لان يقال بتعدد القضية المتيقنة والمشكوكة اذ ليس مجعولا على بعض الافراد دون بعض .
ونفس الكلام يقال بناءا على التفسير الثالث للنسخ الذي يرى ان النسخ هو تحقق غاية الحكم فكما انه لا اشكال في هذا التفسير ثبوتا لا تاتي عليه الإشكالات الثلاث السابقة
فالاشكال الأول لامجال له لان الشك في المقام يكون بنحو الشبهة الموضوعية في تحقق غاية الجعل ولا شك في اصل الجعل ،
كما لا مجال لاشكال معارضة استصحاب المجعول باستصحاب عدم الجعل الزائد لان مورده الشبهات الحكمية لا الموضوعية ،
وكذا الاشكال الثالث لا يرد في المقام لأننا نقطع بان الحكم مجعول على جميع الافراد فلا يمكن الاعتراض بعدم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة .
ومن هنا يظهر بان هذه الإشكالات انما يتصور امكان ورودها بناءا على التصور الثاني في معنى النسخ وكونه تخصيص ازماني وهو المعنى المعقول للنسخ ، اما الاشكال الأول والثاني فقد تقدم الكلام عنهما في حديثنا حول جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فتكلمنا هناك حول اشكال المعارضة الذي اثاره السيد الخوئي (قد) وما طرحه السيد الشهيد (قد) من وجود تعاصر بين الحصتين المشكوكة والمتيقنة فليست احداهما امتدادا للاخرى .
والمهم في المقام هو التعرض لاشكال عدم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة الذي ذكره الشيخ الانصاري[1] (قد) فالمتيقن هو الحكم الثابت للمكلفين الموجودين في الزمان الأول والمشكوك هو ثبوت الحكم للمكلفين الموجودين في الزمان الثاني فلا يجري الاستصحاب .
وقد أجاب عنه (قد) بجوابين :
الجواب الأول[2] : نفترض ان شخصا عاصر كلا الزمانين فيجري الاستصحاب بحقه لو شك في النسخ بلا اشكال ويمكن اثبات الحكم الثابت له بالاستصحاب للأفراد الاخرين بقاعدة الاشتراك .
الا ان هذا الجواب لم ينل رضا الاعلام فان قاعدة الاشتراك لا يمكنها ان تثبت التعدي بهذا الشكل لان الحكم الثابت بالاستصحاب موضوعه اليقين بالحدوث والشك في البقاء فهو يثبت للشخص الذي عاصر كلا الزمانين لإحراز موضوعه، وقاعدة الاشتراك انما تثبت ذلك الحكم الثابت بالاستصحاب لكل من كان مثل هذا الفرد في كونه موضوعا للاستصحاب والمكلف الذي لم يعاصر كلا الزمانين لا يقين له بثبوت الحكم سابقا ، فإثبات الحكم له في محل الكلام يشبه اثبات الحكم الوارد في الحاضر للمسافر او بالعكس .
الجواب الثاني[3] : ان الاشكال انما نشا من تصور ان الاحكام مأخوذة على نهج القضية الخارجية التي يكون موضوعها خصوص الافراد الموجودين في الزمان الأول ، الا ان الامر ليس كذلك فهي مأخوذة على نهج القضية الحقيقية التي يكون الحكم فيها ثابتا على الموضوع المقدر الوجود ، فلا فرق بين الفرد الموجود في الزمان الأول والفرد الموجود في الزمان الثاني في شمول الحكم في القضية الحقيقية لهما .
وهذا الجواب قد ارتضاه كثير من المحققين الا ان السيد الخوئي[4] (قد) قد اشكل عليه والتزم بورود الاشكال الثالث على الاستصحاب في المقام وقال بان استصحاب عدم النسخ لا اساس له ، وان ادعى بعضهم انه ثابت بالضرورة ، نعم يمكن ان يكون المقصود هو ثبوت نتيجة استصحاب عدم النسخ وهي بقاء الحكم ولكن هذا يثبت استنادا الى ادلة أخرى وان كانت لفظية من قبيل (( حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة )) ، وحاصل اشكاله (قد) : ان معنى جعل الحكم على نهج القضية الحقيقية هو عدم اخذ خصوصيات الافراد فيه بخلاف جعله على نهج القضية الخارجية ، فان الحكم في الحقيقية يكون منصبا على الموضوع بعنوانه العام وهذا لا ينافي احتمال ان يكون العنوان الذي انصب عليه الحكم في القضية الحقيقية مقيدا بقيد خاص وزمان خاص واشخاص معينين ، فلو كان الحكم المتيقن مقيدا بزمان الحضور فهو لا يثبت الا للأشخاص الذين يعيشون في زمان الحضور واما بعد زمان الحضور فلا يقين بثبوت الحكم للافراد الذين لا يعيشون في زمان الحضور سابقا ، فالمشكوك ثبوت الحكم له غير من نتيقن بثبوت الحكم في حقه فيرد الاشكال ، وعلى أساسه انكر استصحاب عدم النسخ ، وان قال بامكان اثبات الحكم لهؤلاء الافراد بادلة أخرى .