39/11/03
الموضوع : تنبيهات الاستصحاب/ التنبيه السادس: استصحاب عدم النسخ
و يقع الكلام تارة بلحاظ الشريعة التي يتعبد بها المكلف الذي يريد اجراء الاستصحاب ، وأخرى في استصحاب عدم نسخ الحكم الثابت في شريعة أخرى سابقة
القسم الأول : استصحاب عدم نسخ الحكم في الشريعة التي يتعبد بها المكلف،
وقبل التعرض لتفاصيل هذا القسم لابد من بيان المعاني المطروحة حول حقيقة النسخ :
المعنى الأول : انه رفع الحكم حقيقة ، فيكون الحكم قد جعل من قبل المولى مؤبدا ثم يرفع بالنسخ ، وهذا هو الذي قالوا باستحالته لما يلزمه من نسبة الجهل اليه سبحانه وتعالى؛ فان معنى الرفع عدم وجود المباديء التي كانت تقتضي جعل الحكم مؤبدا ، ولكن قد يقال بان الاستحالة بالنسبة الى مباديء الحكم من الإرادة والكراهة وان كانت مسلمة لما يستلزمه النسخ من نسبة الجهل اليه تعالى ، ولكن يمكن افتراض تحقق النسخ بهذا المعنى بالنسبة الى الجعل بقطع النظر عن مبادئه من دون لزوم المحذور المتقدم، فان الجعل وان كان امرا انيا ولكن له بقاء واستمرار بنظر العرف والعقلاء وهو يرفع بالنسخ ،
والشك في النسخ بهذا المعنى هو شك من نوع جديد فلا يمكن إدخاله في باب الشبهة الموضوعية لان المشكوك في المقام ليس امرا تكوينيا خارجيا كما انه لا يدخل في الشبهات الحكمية التي يكون الشك فيها في سعة دائرة المجعول وضيقها فان الشك في المقام متعلق بالجعل لا المجعول .
المعنى الثاني : ان النسخ تقييد ازماني فالحكم من البداية لم يكن مطلقا انما هو مجعول الى زمان معين وينتهي بانتهاء زمانه ويعبر عن انتهاء امد الحكم بالنسخ مسامحة اذ نحن من تخيل تابيد الحكم،
والشك بالنسخ بهذا المعنى يرجع الى الشبهة الحكمية التي يكون الشك فيها في سعة دائرة المجعول وضيقها فنحن نشك في ان الحكم الثابت في الشريعة قبل زمان النسخ هل هو ثابت بعده او لا ؟
المعنى الثالث : ان النسخ هو عبارة عن حصول غاية الحكم فان لكل حكم غاية وغايته هي جعل الحكم المضاد له فالحرمة مغياة بجعل الحلية والوجوب مغيى بجعل الاباحة ، فاذا جعل الحكم المضاد يقال بان الحكم الأول نسخ ،
والشك بالنسخ بهذا المعنى في واقعه شك في تحقق الغاية ومن هنا يدخل في باب الشبهات الحكمية غاية الامر انها غاية من نوع خاص لانها عبارة عن حكم شرعي فهي في قوة الشبهة الحكمية ،
والكلام يقع حول امكان اجراء استصحاب بقاء الحكم على جميع هذه المعاني الثلاثة للنسخ ، فقد أثيرت ثلاثة اشكالات في المقام:
الاشكال الأول: ما اثاره السيد الخوئي (قد) - ومنع على أساسه من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية - من ان استصحاب بقاء الحكم معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد في الفترة المشكوكة .
الاشكال الثاني : وهو ما طرحه السيد الشهيد (قد) من ان الشك في بقاء الحكم يرجع في الحقيقة الى الشك في جعل زائد مقترن بالجعل الأول وليس امتدادا له حتى يجري فيه الاستصحاب .
الاشكال الثالث : ما طرحه الشيخ[1] (قد) من عدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة فالمتيقن هو ثبوت الحكم للأشخاص الموجودين في الزمان السابق والمشكوك هو ثبوت الحكم لاشخاص كانوا معدومين في الزمان السابق .
اما النسخ بالمعنى الأول فلا مجال لورود هذه الإشكالات عليه ،
اما اشكال المعارضة فلان المراد هو استصحاب بقاء الجعل لا المجعول حتى يقال بمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد .
ولان الشك في المقام ليس في الجعل الزائد بل في استمرار اصل الجعل فلا يأتي عليه اشكال عدم كونه امتدادا للجعل الأول .