39/10/09
الموضوع: الاستصحاب التعليقي / تنبيهات الاستصحاب
ذكرنا ان المراد بالاستصحاب التعليقي هو استصحاب بقاء الحكم المرتب على موضوع مركب من جزئين او اكثر مع فرض وجود احد الجزئين دون الاخر الذي يعلم كونه دخيلا في موضوع الحكم وان بعض الأمور التي يحتمل ان تكون دخيلة كانت موجودة ثم زالت عند حدوث الجزء الاخر المعلوم دخالته في الحكم ، ومثاله حرمة العصيير العنبي ، فموضوع الحرمة مركب من العنب والغليان يقينا ويشك في دخالة الرطوبة في الحكم مع افتراض ان القيد مشكوك الدخالة كان موجودا سابقا ولكن الغليان غير متحقق سابقا انما يتحقق بعد زوال الخصوصية التي يحتمل دخالتها . فالعنب سابقا لو غلا لحرم ، فهل يمكن استصحاب هذه القضية التعليقية ،وذكرنا ذهاب الشيخ[1] والخراساني[2] وغيرهما ( قدهم ) الى جريان الاستصحاب في المقام ،
بينما ذهب المحقق النائيني[3] ومن تبعه من تلامذته[4] ( قدهم ) الى عدم جريانه ، ومنشا الخلاف هو الخلاف في توفر اركان الاستصحاب وخصوصا اليقين بالحدوث ؛ اذ يرى المحقق النائيني ( قد ) عدم توفر الركن الأول من اركان الاستصحاب فلا يقين بالحرمة في محل الكلام ،
فهو يرى بان الحكم الشرعي لا يكون ثابتا وفعليا الا بتحقق الموضوع بتمام اجزاءه وقيوده لان القيد عنده اما ان يكون راجعا الى الموضوع فيكون مفروض الوجود في مقام جعل الحكم ، وحينئذ فلا اشكال في ان ثبوت الحكم وفعليته تكون موقوفة على تحقق القيد ،نعم هناك من القيود ما يكون راجعا الى المتعلق فيطلب من المكلف ايجاده .
وفي محل الكلام فالغليان من قيود الموضوع فيجب ان يؤخذ في مقام الجعل مفروض الوجود ، ونحن قد فرضنا ان الغليان غير متحقق سابقا وعلى هذا لم تكن الحرمة فعلية في الزمان السابق فلا يقين سابقا بالحكم. وبعبارة أخرى لا يوجد لدينا كقضية تشريعية سوى الجعل والمجعول ، اما الجعل فلا شك في بقاءه لعدم احتمال النسخ ، واما المجعول فلا يقين بحدوثه لانه لم يتحقق سابقا بتمام اجزاءه وقيوده ، نعم تبقى القضية الشرطية التعليقية القائلة بان ( العنب سابقا لو غلا لحرم ) ولكنها قضية عقلية انتزاعية فلا فائدة في جريان الاستصحاب فيها ، ولا ترجع الى الجعل ولا المجعول ، اما المجعول فالمفروض انه معلق على الغليان وهذه قضية فعلية لا تعليق فيها فبما هي قضية ليست معلقة على شيء، كما انها لا ترجع الى الجعل لان التعليق في الجعل راجع الى جميع أجزاء الموضوع وقيوده ، بينما في هذه القضية علقت الحرمة على بعض أجزاء الموضوع والشارع لا يحكم بحرمة معلقة على احد أجزاء الموضوع ، وذكرت عدة اعتراضات على هذا البيان :الأول : ما ذكره المحقق العراقي[5] ( قد ) من ان كلام المحقق النائيني مبني على دعوى ان المجعول لا يكون فعليا الا بوجود تمام قيود و أجزاء موضوعه خارجا ، و هذه الدعوى ليست ثابتة فالحكم يكون فعليا قبل تحقق موضوعه خارجا بتمام اجزاءه وقيوده ، لانه منوط بالوجود اللحاظي للموضوع لا بالوجود الخارجي له ، والا للزم التفكيك بين الجعل والمجعول وهو اشنع من التفكيك بين العلة والمعلول لان المجعول عين الجعل حقيقة وان كان غيره اعتبارا ،
وجواب هذا الاعتراض هو ما تقدم في مبحث التفصيل في جريان الاستصحاب بين الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية ، فذكرنا هناك ان المجعول يمكن ان يلحظ بلحاظين : الأول : ان نلحظ المجعول كأمر ذهني قائم في افق ذهن الجاعل وهذا هو الذي يكون عين الجعل وان كان يختلف عنه اعتبارا و هو الذي يناط بالوجود اللحاظي لموضوعه ، ولكن المجعول بهذا المعنى لا يجري فيه الاستصحاب اذ لا شك في بقاءه .