الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب

الوجه الثالث في الجواب عن الاعتراض الثاني ذكرنا في الدرس السابق وكان مبنياً على افتراض تبدّل الوظيفة الواقعية في حالة الشك في الإتيان بالركعة الرابعة في محل الكلام، وأنّ الوظيفة الواقعية للشاك هي الإتيان بركعة مفصولة لا موصولة؛ وحينئذٍ يكون موضوع هذا التبدّل، أو موضوع وجوب الإتيان بالركعة المفصولة على ما ذُكر هو مركب من الشك وعدم الإتيان بالمشكوك، والشك محرز بالوجدان وعدم الإتيان يمكن إحرازه بالاستصحاب، وبضم الاستصحاب إلى الوجدان يتنقح موضوع وجوب الركعة المفصولة، ويكون تطبيق الاستصحاب على هذا الأساس. هذه خلاصة الوجه الثالث للجواب عن الاعتراض الثاني.

هذا الوجه عليه ملاحظتان نذكرهما:

الملاحظة الأولى: باعتبار أنّ هذا الوجه يتبناه المحقق النائيني(قدّس سرّه) ويتبناه السيد الخوئي(قدّس سرّه)وهؤلاء يبنون على الطريقية في باب الاستصحاب، بمعنى أنّ الاستصحاب يلغي الشك تعبداً ويثبت حصول العلم بالمستصحب المشكوك تعبداً، بناءً على مسلك الطريقية، بناءً على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، فضلاً عن قيامه مقام القطع الطريقي، بناءً على هذا المسلك. بناءً على هذا المسلك؛ حينئذٍ تأتي هذه الملاحظة التي تقول: أنّ الاستصحاب في المقام وإن كان يثبت به عدم الإتيان بالركعة الرابعة؛ لأننا نجري الاستصحاب لإثبات عدم الإتيان بالركعة الرابعة ، وهذا الاستصحاب يُضم إلى الشك المحرز بالوجدان، فيتنقح موضوع وجوب الركعة المفصولة.

الملاحظة تقول: لو سلّمنا أنّ الاستصحاب يجري ويثبت به عدم الإتيان بالركعة الرابعة ، لكن هذا الاستصحاب في عين الوقت الذي يثبت عدم الإتيان بالركعة الرابعة هو ينفي الشك الذي هو الجزء الثاني من موضوع وجوب الركعة المفصولة؛ لأنّ موضوعها حسب الفرض مركّب من شيئين، عدم الإتيان بالركعة الرابعة، والشك. الاستصحاب إذا جرى وثبت به عدم الإتيان بالركعة الرابعة تعبّداً هو ينفي الشك تعبّداً؛ لأنّ الاستصحاب يقوم مقام العلم، فهو علم تعبّداً، فإذا استصحب عدم الإتيان بالركعة الرابعة كأنه علِم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة، فيكون نافياً للشك تعبداً، وهذا هو معنى الحكومة، أنّ الاستصحاب يكون حاكماً على أدلة الأحكام الواقعية، فيكون رافعاً للشك تعبّداً في محل الكلام؛ وحينئذٍ ينتفي الجزء الثاني لموضوع وجوب الركعة المفصولة؛ لأنّ الجزء الثاني هو عبارة عن الشك، وهذا الاستصحاب بجريانه وإن كان يثبت به عدم الإتيان بالركعة، لكنّ المكلف بذلك يصبح عالماً بعدم الإتيان بالركعة الرابعة، وبهذا ينفي الشك.

أي بعبارة أخرى: ينفي موضوع وجوب الركعة المفصولة، ويثبت موضوع وجوب الركعة الموصولة؛ لأنّ هذا الوجه يفترض أنّ الركعة الموصولة من آثار العلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة، أنّ من يعلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة حكمه وجوب الركعة الموصولة، والركعة المفصولة هو حكم من يشك في الإتيان بالركعة الرابعة وعدم الإتيان بها، وببركة الاستصحاب يصبح المكلف عالماً بعدم الإتيان بالركعة الرابعة ، وبهذا ينتفي موضوع وجوب الركعة المفصولة ويتنقّح موضوع وجوب الركعة الموصولة؛ فحينئذٍ كيف يمكن إجراء الاستصحاب لإثبات وجوب الركعة المفصولة كما هو المدّعى في المقام ؟ هم يريدون أن يجروا الاستصحاب لإثبات وجوب الركعة المفصولة كما هو الفتوى على ذلك عندنا، وكأنهم يريدون أن يقولوا لا مشكلة في تطبيق الاستصحاب على المقام لإنتاج وجوب الركعة المفصولة، هذا البيان يؤدي إلى عدم جريان هذا الاستصحاب لإثبات وجوب الركعة المفصولة؛ لأنّ هذا الاستصحاب ينفي الشك الذي هو الجزء الثاني من موضوع وجوب الركعة المفصولة ويثبت العلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة تعبّداً، فيكون حاكماً ونافياً للشك، وهذا هو معنى الحكومة، وبهذا لا يمكن أن يصلوا إلى النتيجة التي أرادوها.

قد يقال في دفع هذه الملاحظة: لا إشكال في باب حكومة دليل على دليل يُشترط في هذه الحكومة وفي كل حكومة حينما يكون الدليل المحكوم أخص من الدليل الحاكم، يُشترط في حكومة الدليل الحاكم على الدليل المحكوم الأخص أن لا تكون هذه الحكومة موجبة لبقاء الدليل المحكوم بلا مورد، الحكومة تكون معقولة عندما يكون الدليل الحاكم بعد فرض حكومته على الدليل المحكوم يبقى للدليل المحكوم مورد يخصّه لا تشمله الحكومة، أمّا إذا فرضنا أنّ تقديم الدليل الحاكم يوجب إلغاء الدليل المحكوم بالمرّة، باعتبار أنه لا يبقى له مورد. في هذه الحالة يلتزمون بعدم الحكومة؛ بل يلتزمون بأنّ الدليل المحكوم يكون مخصصاً للدليل الحاكم. هذه الفكرة تُطبق في محل الكلام، فيقال: نحن في المقام عندنا دليل حاكم وهو الاستصحاب، وعندنا دليل محكوم وهو الدليل الدال على وجوب الركعة المفصولة الذي موضوعه مركّب من شيئين الشك وعدم الإتيان بالركعة الرابعة، ادُعي بأنّ الاستصحاب يكون حاكماً على هذا الدليل، في الملاحظة قيل بأنّ الاستصحاب حاكم على هذا الدليل ورافع للشك الذي اُخذ في موضوع هذا الدليل. افتراض أنّ الاستصحاب حاكم على هذا الدليل معناه بقاء هذا الدليل بلا مورد؛ لأنّ هذا الدليل يقول أنّه في حالة الشك في الإتيان بالركعة المشكوكة يجب الإتيان بركعةٍ مفصولة، ولا إشكال في أنّ هذا اخص من دليل الاستصحاب، فالاستصحاب يجري فيه وفي موارد كثيرة جداً، فإذا كان البناء على تقديم الاستصحاب عليه بالحكومة، إذن: هذا الدليل يبقى بلا مورد؛ لأنه في كل موردٍ يُشك بالإتيان فيه بركعة يجري فيه استصحاب عدم الإتيان بتلك الركعة، قطعاً تكون الحالة السابقة هي حالة اليقين بعدم الإتيان بتلك الركعة المشكوكة، فيجري هذا الاستصحاب، فيبقى هذا الدليل بلا مورد، ليس هناك مورد يمكن أن نلتزم فيه عند الشك في الركعات بوجوب الركعة المفصولة؛ لأنّ كل موردٍ من هذه الموارد يجري فيه الاستصحاب، فإذا كان الاستصحاب حاكماً على الدليل ورافعاً لموضوعه ومانعاً من جريانه، إذن: لا يبقى مورد لذلك الدليل.

في مثل هذه الحالة يُلتزم بعدم الحكومة، يُلتزم بأنّ الدليل الخاص يكون مخصصاً لعموم الدليل الحاكم، فتُرفع اليد عن الاستصحاب في ذاك المورد من باب التخصيص، بمعنى أنّ هذا الدليل الخاص يكون موجباً لعدم شمول دليل الاستصحاب لذلك المورد بمقتضى التخصيص، وإلاّ لو التزم بالحكومة يلزم إلغاء أحد الدليلين بالمرّة ويكون الدليل الدال على وجوب الركعة المفصولة لغواً؛ لأنّه في كل موردٍ يجري الاستصحاب، وإذا جرى الاستصحاب يرفع الشك، وإذا رفع الشك حينئذٍ لا معنى للالتزام بوجوب الركعة المفصولة؛ لأنّ موضوع وجوب الركعة المفصولة بحسب الفرض هو مركب من الشك وعدم الإتيان بالركعة الرابعة، والاستصحاب يرفع هذا الموضوع ـــــــ الشك ـــــــ وبالتالي يرفع هذا الحكم، فلا يبقى للدليل الدال على هذا الحكم أي موردٍ من الموارد، وهذا معناه إلغائه بالمرة، في هذه الحالة لا يُلتزم بالحكومة، وإنّما يلتزم بتخصيص الدليل العام بهذا الدليل الخاص، وهذا معناه عدم جريان الاستصحاب في باب الشك في عدد الركعات؛ بل يُعمل بالأدلة الخاصة الدالة على وجوب الركعة المفصولة.

إذن: يمكن دفع هذه الملاحظة بهذا الجواب .

الملاحظة الثانية: إنّ جعل هذا الحكم بوجوب الركعة المفصولة على موضوعٍ مركبٍ من الشك وعدم الإتيان بالركعة الرابعة، يُدّعى أنّ جعل مثل هذا الحكم غير معقول؛ لأنّ مثل هذا الحكم غير قابل لأن يصل إلى المكلف، ومن الواضح أنّ الحكم الغير قابل لأن يصل إلى المكلف لا يُعقل جعله؛ إذ ما فائدة الحكم إذا كان غير قابلٍ لأن يكون واصلاً إلى المكلف؛ لأنّ هذا الحكم إذا وصل إلى المكلف بأن علم المكلف بموضوعه؛ الذي هو عدم الإتيان بالركعة الرابعة زائداً الشك، يعني أنّ المكلّف علم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة؛ وحينئذٍ سوف ينتفي الحكم بوجوب الركعة المفصولة؛ لأنّ المفروض أنّ الجزء الثاني من موضوع الحكم بوجوب الركعة المفصولة هو الشك، فإذا علم المكلف بعدم الإتيان بالركعة الرابعة؛ فحينئذٍ لا يكون حكمه هو وجوب الركعة المفصولة، وإنّما يكون حكمه هو الركعة الموصولة.

أي إذا وصل إليه الحكم بوصول موضوعه، أي بالعلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة انتفى الجزء الثاني من موضوع وجوب الركعة المفصولة الذي هو الشك، فلا يثبت وجوب الركعة المفصولة، وإن لم يصل إليه الموضوع، ففي هذه الحالة معناه أنّ الحكم غير واصل إليه، فبالتالي مثل هذا الحكم لا يمكن أن يصل إلى المكلّف؛ لأنّ المكلّف بمجرّد أن يعلم بالموضوع ينتفي الحكم، فالأمر يدور بين شيئين: إمّا أنّ لا يصل إليه الحكم، فغذا لم يصل إليه الحكم لا يُعقل أن يكون له اثر في المحرّكية؛ لأنّه لم يصل إليه الحكم فلا يكون محرّكاً، أو يصل إليه الحكم بوصول موضوعه، يعني بوصول عدم الإتيان بالركعة الرابعة، والمقصود به هو العلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة؛ وحينئذٍ ينتفي الشك، وإذا انتفى الشك؛ فحينئذٍ ينتفي الحكم أيضاً لانتفاء موضوعه.

إذن: في أي حالةٍ يكون هذا الحكم مؤثراً في تحريك المكلف نحو الامتثال ؟ هل في حالة وصول الموضوع له والعلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة ؟ كلا؛ وذلك لانتفاء الشك حينئذٍ، ومع انتفاء الشك ينتفي الحكم، فلا يكون هذا الحكم مؤثراً في التحريك. وفي حالة عدم وصوله أصلاً؛ حينئذٍ هو لم يصل، فلا يكون محرّكاً. وجعل مثل هذا الحكم غير معقول؛ لأنّه في حالة وصوله بوصول موضوعه، أي بالعلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة، لازمه انتفاء الشك الذي هو الجزء الثاني من موضوع هذا الحكم بوجوب الركعة المفصولة، وإن لم يعلم به، ففي هذه الحالة حينئذٍ لا يكون الحكم واصلاً إليه، ومن هنا لا يكون جعل مثل هذا الحكم معقولاً.

كأنه يُفترض في هذه الملاحظة أنّ وصول الحكم إنّما يكون بوصول موضوعه إلى المكلف وهو عدم الإتيان بالركعة الرابعة، ومع وصول موضوعه إلى المكلف ينتفي الشك، ومع انتفاء الشك الذي هو الجزء الآخر؛ حينئذٍ يكون الحكم حينئذٍ منتفياً، فكأنه يفترض أنّ الأثر إنما يترتب على الحكم في صورة واحدة وهي صورة وصوله بوصول موضوعه بالعلم به حتى يكون هذا الفرض نافياً للشك، فيلزم هذا المحذور. وأمّا إذا قلنا أنّ معقولية الحكم وتحريكه وإمكان جعله ليست موقوفة على أن يصل موضوعه بالعلم وجداناً ، كلا هو أعم من هذا، سواء وصل موضوعه إليه بالعلم وجداناً، أو وصل إليه تعبّداً عن طريق الإمارات، أو عن طريق الاستصحاب، أو عن طريق قاعدة الاشتغال، كل هذه الأمور تعتبر وصولاً للحكم من دون أن يترتب عليها نفي الشك، نفي الشك يترتب على افتراض الوصول بالعلم الوجداني، فينتفي الشك، أمّا إذا لم نفترض العلم الوجداني، والمفروض أنّ هذا القائل لا يبني على الطريقية؛ فحينئذٍ تكون المعقولية ثابتة، والمحركية معقولة فغي مثل هذا الحكم ويمكن لهذا الحكم أن يصل إلى المكلف عن طريق الاستصحاب، فالاستصحاب هو أيضاً يكون موجباً لوصول الحكم بوجوب الركعة المفصولة إلى المكلف، المُدّعى هو أنّ المكلف إذا استصحب عدم الإتيان بالركعة الرابعة؛

حينئذٍ يكون الحكم بوجوب الركعة المفصولة واصلاً إليه، صحيح هو لا يعلم بعدم الإتيان بالركعة الرابعة، لكن هذا تنجّز عليه بالاستصحاب، وهذا نحو وصول لموضوع الحكم، وبالتالي وصول للحكم، ويكون هذا الحكم محرّكاَ للمكلف الذي يجري الاستصحاب في المقام؛ بل يمكن أن يقال أنّه يكون محرّكاً للمكلف بمجرّد افتراض الشك حتى بقطع النظر عن إجراء الاستصحاب؛ لأنّ هذا الشك هو شكٌ في الاشتغال، شكٌ في امتثال ما اشتغلت به الذمّة يقيناً، فتجري قاعدة الاشتغال وهي قاعدة منجّزة، وهذا نحو من أنحاء وصول الحكم إلى المكلف، فيجب على المكلف عملاً بقاعدة الاشتغال أن يأتي بالركعة المفصولة، كل هذه أنحاء لوصول الحكم إلى المكلّف، لا نشترط في معقولية الحكم وكونه محركاً للمكلف أن يصل إليه عن طريق العلم الوجداني فقط كي نقول إذا وصل إليه بالعلم الوجداني ينتفي الشك؛ بل قد يصل إليه لا عن طريق العلم الوجداني، وإنّما عن طريق الاستصحاب، أو عن طريق الإمارات، نفس الشك وقاعدة الاشتغال هو أيضاً نحو من أنحاء وصول الحكم إلى المكلف، فهذه الملاحظة أيضاً لا تكون واردة على ما ذكرنا.

وبناءً عليه؛ حينئذٍ يتبيّن مما تقدّم أنّ كل هذه الوجوه التي ذُكرت للجواب عن الاعتراض الثاني، الظاهر أنها كلها فيها ملاحظات وفيها خدشة ويبدو أنّ الاعتراض الثاني إلى هنا يكون تامّاً.

الاعتراض الثالث على الاستدلال بالصحيحة الثالثة: ما قيل من أنّ الاستصحاب في عدد الركعات لا يجري في حدّ نفسه بقطع النظر عن الأدلة الخاصة، الاستصحاب في الشك في باب الركعات لا يجري في حدّ نفسه، إذن: لا يمكن تطبيق الرواية الصحيحة على المقام بلحاظ الاستصحاب كما هو المدّعى في أصل الاستدلال بهذه الصحيحة الذي كان مبنياً على أنّ المقصود باليقين في المقام(لا تنقض اليقين بالشك) هو اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة في مورد الشك بين الثلاث والأربع، وأنّ المقصود من الشك هو الشك في الإتيان به، فتثبت أركان الاستصحاب، فيجري الاستصحاب. هذا أصل الاستدلال بالرواية؛ وحينئذٍ يمكن أن تكون الرواية ناظرة إلى الاستصحاب وتريد تطبيق الاستصحاب على هذا المورد، وتدل حينئذٍ على حجيّة الاستصحاب وهو المطلوب في المقام.

الاعتراض الثالث يقول إذا قطعنا النظر عن الأخبار الخاصة الدالة على وجوب الاحتياط عند الشك في الركعات، بقطع النظر عنها كما هو المُدّعى في الاستدلال، الاعتراض يقول لا يمكن جريان الاستصحاب في باب الشك في الركعات، وذلك باعتبار أنه لا إشكال في وجوب التشهّد والتسليم في الركعة الرابعة بحسب الأدلة، وهذا من خصوصيات الركعة الرابعة، وفي المقام إذا أجرينا الاستصحاب غاية ما يثبت به هو عدم الإتيان بالركعة الرابعة ، فإذا قام المكلف وجاء بركعة أخرى، هل يمكن إثبات أنّ هذه الركعة التي جاء بها هي الركعة الرابعة التي دلّت الأدلة على انّه يجب فيها التشهد والتسليم، أو لا يمكن إثبات ذلك، الاعتراض يقول لا يمكن أن نثبت أنّ ما جاء به بعد الشك(قام، فأضاف إليها اخرى) لا يمكن إثبات أنّ ما جاء به هي الركعة الرابعة إلاّ بناءً على القول بحجية الأصل المثبت، باعتبار أنّ لازم استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة لازمه أنّ هذه الركعة التي يأتي بها هي الركعة الرابعة، لكن هذا بناءً على الأصل المثبت، فإذا كنّا لا نقول بحجّية الأصل المثبت؛

فحينئذٍ يعجز الاستصحاب عن إثبات أنّ الركعة التي يأتي بها المكلف هي الركعة الرابعة التي يجب فيها التشهد والتسليم. وبناءً على هذا يعجز الاستصحاب عن إثبات أنّ هذه الركعة هي الركعة الرابعة. وبعبارة أخرى: أنّ الأدلة دلّت على وجوب التشهد والتسليم في الركعة الرابعة، وأنّى لنا بإثبات أنّ هذه الركعة التي يأتي بها هي الركعة الرابعة حتى نقول له يجب عليك الإتيان بالتشهد والتسليم، هذا التشهد والتسليم الذي يأتي به المكلف لا يٌعلم أنه قد جاء به في الركعة الرابعة، لعلّه جاء به في الركعة الخامسة. إذن: كيف نحرز أنّ هذه هي الركعة الرابعة كي نقول له تشهد وسلّم وتكون صلاتك صحيحة ؟ تارةً نأخذ الأخبار، وهي تدل على ذلك، لكن المفروض أننا نستدل بالاستصحاب، الاعتراض يقول أنّ الاستصحاب يعجز عن إثبات أنّ الركعة التي يأتي بها المكلف من باب الاحتياط، بحسب هذه الرواية أنها هي الركعة الرابعة التي يجب فيها التشهد والتسليم.

أجاب السيد الخوئي (قدّس سرّه) عن هذا الاعتراض بجوابين:

الجواب الأول: مناقشة في أصل المبنى والفهم من الأدلة. الاعتراض واضح أنه مبني على افتراض أنّ المستفاد من ا لأدلة أنّ التشهد والتسليم يجب الإتيان بهما في الركعة المتصفة بأنها الركعة الرابعة؛ ولذا استشكل بأنّ الاستصحاب لا يمكنه إثبات أنّ هذه الركعة التي يأتي بها هي الركعة المتصفة بأنها الركعة الرابعة، إلاّ بناءً على الاصل المثبت. السيد الخوئي (قدّس سرّه) يقول أنّ الأدلة لا يستفاد منها أنّ التشهد والتسليم يجب الإتيان بهما في الركعة بوصف كونها الركعة الرابعة، غاية ما يُستفاد من الأدلة هو انّ الشارع في باب الصلاة جعل هناك ترتيباً بلحاظ أجزاء الصلاة، فلابد ـــــــ مثلا ــــــــ أن تقع قراءة سورة الفاتحة بعد التكبير، قراءة سورة في الصلاة تقع بعد قراءة سورة الفاتحة، الركوع يقع بعد قراءة السورة، والسجود يقع بعد الركوع......وهكذا. في باب التشهد والتسليم، المستفاد من الأدلة أنّ التشهد والتسليم يجب يقعا بعد الركعة الرابعة، فالمستفاد من الأدلة اعتبار الترتيب ليس إلاّ، أي أن يكون التشهد والتسليم بعد الركعة الرابعة، والمقصود بالركعة الرابعة أي بعد أن يفرغ من سجوده، يقول (قدّس سرّه) بأنّ هذا موجود في محل الكلام؛

لأنّ هذا المكلف عندما يقوم ويأتي بركعة الاحتياطية ويتشهد ويسلم قطعاً راعى الترتيب. صحيح هو يحتمل أنّه جاء بالركعة الرابعة ويحتمل أنّها الركعة الخامسة، لكن هذا لا يمنع من صدق أنّ التشهد والتسليم جاء بهما بعد الإتيان بالركعة الرابعة، فإذن: هو حافظ على الترتيب، ولم يخل بالترتيب، هذا هو المستفاد من الأدلة، فإذا جاء التشهد والتسليم بعد الركعة التي يقوم ويأتي هو حافظ على هذا الواجب وجاء بالتشهد والتسليم في محلهما الذي هو بعد الركعة الرابعة، وهو جاء بالركعة الرابعة قطعاً. نعم، هو لا يعلم أنّ الركعة الرابعة جاء بها قبل دقائق، أو الآن جاء بها، هذا حسب شكّه، إذا كان قد جاء بالركعة الرابعة فهو جاء بها قبل دقائق، وإن لم يكن قد جاء بها، فقد جاء بها الآن، وبالتالي التشهد والتسليم وقعا بعد الركعة الرابعة؛ وحينئذٍ لا موجب للإشكال في الإتيان بالركعة الرابعة، و الاستصحاب بإمكانه أن يثبت ذلك، نحن لا نريد بوجوب التشهد والتسليم أن نثبت أنّ الركعة التي يضيفها هي المتصفة بعنوان أنها الركعة الرابعة حتى يقال أنّ هذا مبني على حجّية الأصل المثبت