الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/06/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب
الكلام في الصحيحة الثالثة لزرارة، وبناءً على استظهار تنزيلها على الاستصحاب، وأنها ناظرة إلى الاستصحاب بحسب ظاهر الرواية الأولّي المبدئي؛ حينئذٍ قلنا بأنه اعتُرض على هذا الاحتمال بعدة اعتراضات، وكأنه قبل الاعتراض يُراد أن يقال بغد تنزيل الرواية على الاستصحاب، فيصح الاستدلال بها على حجّية الاستصحاب. هناك اعتراضات على ذلك، ذكرنا الاعتراض الأول في الدرس السابق وكان حاصله أننا لا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية حجّية الاستصحاب كقاعدة عامة وكبرى كلّية ، وإنّما ما يمكن استفادته منها هو حجّية الاستصحاب في موردها فقط. وذكرنا بأنه أجيب عن هذا الاعتراض بأنه يمكن أن يُستفاد التعميم من قوله(عليه السلام) في ذيل الرواية: (في حالٍ من الحالات) فكأنّ المقصود به هو عدم الاعتناء بالشك في حالٍ من الحالات من دون اختصاص بهذا المورد دون سائر الموارد.
وقد يؤيّد ذلك التعميم بأنّ العبارة المستعملة في المقام وهي(لا ينقض اليقين بالشك) هذه العبارة وردت في روايات كثيرة وكان المقصود بها هو الإشارة إلى الاستصحاب كقاعدة كلّية كما في الصحاح السابقة، فهذه العبارة مستخدمة بنفسها، هي نفس عبارة(لا تنقض اليقين بالشك)، فهذا أيضاً يكون قرينة على عدم الاختصاص. على كل حال هذا المطلب ــــــــ تعميم الرواية وعدم اختصاصها بموردها ــــــــ ليس بالبعيد؛ لأنّ الذي يُفهم من قوله(عليه السلام): (ولا يعتدّ بالشك في حالٍ من الأحوال) هو أنّ طبيعي الشك لا ينبغي الاعتداد به في مقابل اليقين. نعم، عدم الاعتداد بالشك لا يعني العمل باليقين، لكن واضح أنّ هذه الرواية ذُكرت بعد قوله(عليه السلام) (لا تنقض اليقين بالشك)، عندما يقول: (لا تنقض اليقين بالشك)، ثمّ بعد ذلك يقول: (ولا تعتدّ بالشك في حالٍ من الأحوال) يُفهم من هذا النهي عن الاعتداد بالشك لزوم العمل باليقين، فما ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) من تعميم القاعدة بقرينة ذيل العبارة، وقرائن أخرى من قبيل استخدام نفس الألفاظ المستخدمة في روايات الاستصحاب العامّة، هذا لا يبعُد أن يكون تاماً في محل الكلام.
الاعتراض الثاني: وهو المهم والذي أخذ حيزاً في كلماتهم وهو الاعتراض الذي ذكره الشيخ(قدّس سرّه) والذي يقول ما حاصله: أنّ قوله(عليه السلام) في الرواية(قام، فأضاف إليها ركعة أخرى ولا شيء عليه). ما هو المقصود بهذه الركعة ؟ هناك احتمالان:
الاحتمال الأول: أن يكون المقصود هي الركعة المنفصلة عن الصلاة. وهذا هو الذي يكون موافقاً لمذهب الإمامية، يقول الشيخ(قدّس سرّه):[1] فإذا كان هذا هو المقصود، فهو خلاف الاستصحاب، هذا ليس تطبيقاً للاستصحاب، ولا يُفهم من تطبيق الاستصحاب أنه يقوم ويضيف إليها ركعة منفصلة، وإنما مقتضى الاستصحاب إذا كانت القاعدة الجارية في المقام هي الاستصحاب، فلابدّ من الإتيان بركعة متصلة؛ لأنّ المفروض أنّ المستصحب هو عدم الإتيان بالركعة الرابعة، وهذا تعبداً ثبت في أثناء الصلاة أنه لم يأتِ بالركعة الرابعة، فيجب عليه الإتيان بها، يعني يجب عليه الإتيان بالركعة المتّصلة بالصلاة، مقتضى الاستصحاب هو وجوب الركعة المتصلة، أمّا وجوب الركعة المنفصلة ليس هو من مقتضى الاستصحاب ولا يمكن أن يكون من صغريات الاستصحاب، فيقول إذا كان المراد بالركعة التي أشار إليها الإمام(عليه السلام) في جوابه، الركعة المنفصلة، فهذا على خلاف الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب يقتضي أن تكون الركعة متصلة لا منفصلة؛ وحينئذٍ لابدّ من حمل الرواية على أنّها إشارة إلى قاعدة أخرى غير الاستصحاب، قاعدة أخرى تقتضي الإتيان بالركعة المنفصلة، والقاعدة المرشحة لذلك هي القاعدة التي أشرنا إليها في أحد الاحتمالات في تفسير العبارة وهي قاعدة لزوم تحصيل اليقين في مقام تفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به، فالمراد باليقين في قوله(عليه السلام) (لا تنقض اليقين بالشك) ليس اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة الذي هو أحد أركان الاستصحاب، وإنّما المقصود بذلك هو اليقين ببراءة الذمّة، وطريقه الوحيد والمنحصر حتى يقطع بفراغ ذمّته عمّا اشتغلت به هو أن يأتي بركعة منفصلة؛ لأنّه إذا جاء بركعة متصلة، فهناك احتمال أن يكون قد صلّى صلاة مؤلفة من خمس ركعات، وهذا ليس يقيناً بفراغ الذمّة، وإذا فرضنا أنه لم يبنِ على الأقل كما يقول العامة، هو بنا على الأكثر، لكنه لم يأتِ بركعة منفصلة، وإنّما اكتفى بما جاء به. هذا أيضاً لا يوجد فيه يقين بفراغ الذمّة لاحتمال أن يكون ما جاء به واكتفى به يكون ناقصاً، بأن يكون ثلاث ركعات. إذن: لا يقين بفراغ الذمّة، وإنّما اليقين بفراغ الذمّة منحصر بالإتيان بركعة منفصلة كما أشارت إليه الروايات، وفي بعض الأحاديث يقول: (إلاّ أعلمك شيئاً إذا صنعته، ثمّ ذكرت أنك أنقصت، أو أتممت لم يكن عليك شيء)[2] ؛ لأنّه على تقدير أن تكون صلاتك ناقصة، فهذه الركعة المنفصلة التي جئت بها تكون متممة لها، ولا يضر الفصل بينهما بالتسليم والتشهّد والتكبير وأمثاله. وإن كانت صلاتك تامّة؛ فحينئذٍ تكون هذه نافلة كما نُص عليه في الروايات، فطريقة تحصيل اليقين بفراغ الذمّة تكون بأن يقوم ويضيف إليها ركعة منفصلة تسمّى(صلاة الاحتياط).
لكن هذا معناه أنّ الرواية لا علاقة لها بالاستصحاب، وإنّما تكون إشارة إلى قاعدة اليقين في مقام تفريغ الذمّة التي مؤداها لزوم تحصيل اليقين بفراغ الذمّة عمّا اشتغلت به. هذا إذا كان المراد بالركعة الركعة المنفصلة كما هو مطابق لمذهب الإمامية .
وأمّا إذا كان المراد بها الركعة المتصلة، هذا على خلاف مذهب الإمامية، وموافق لمذهب العامّة؛ لأنهم يقولون يجب الإتيان بركعة متصلة بالصلاة. هذا وإن كان يوافق الاستصحاب؛ لأننا قلنا أنّ مقتضى الاستصحاب هو الإتيان بركعة متصلة، لكن لا يمكن الأخذ به؛ لأنه على خلاف ما هو من ضروريات المذهب، هو على خلاف ما اتفقت عليه الطائفة من أنّ صلاة الاحتياط لا تكون متصلة، وإنّما تكون منفصلة.
إذن: الشيخ(قدّس سرّه) كأنه يريد أن يقول: لا يمكن حمل الركعة على أنها متصلة؛ لأنّه على خلاف ما اتفقت عليه الإمامية، فلابدّ من حملها على الركعة المنفصلة، وحملها على الركعة المنفصلة ليس صغرى من صغريات الاستصحاب وليس تطبيقاً له، فلابدّ أن يكون المراد بقوله(عليه السلام): (لا تنقض اليقين بالشك) والعبارات الأخرى التي عطفها على هذه الجملة، إشارة إلى قاعدة أخرى غير الاستصحاب؛ وحينئذٍ لا يصح الاستدلال بالرواية على الاستصحاب .
أجيب عن هذا الاعتراض بوجوه:
الجواب الأول: أشار إليه الشيخ(قدّس سرّه) في رسائله، وأيضاً ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه)[3] ، وكذلك المحقق العراقي(قدّس سرّه)[4] . خلاصة هذا الجواب هو أن يقال: نحمل الرواية على التقية، لكن على التقية في تطبيق الكبرى على المورد لا في نفس الكبرى، وغرضهم من ذلك هو صحة الاستدلال بالرواية على حجّية الاستصحاب بأنّ نقول: الكبرى ـــــــــ وهي المشار إليها بقوله(عليه السلام): (لا تنقض اليقين بالشك) ـــــــــ أنّ هذه الكبرى تبقى ويراد بها الاستصحاب، وهي كبرى جدّية والمتكلّم يريدها جداً، والمشكلة تكون في تطبيق الكبرى على المورد، إذا كان التطبيق جدّياً؛ فحينئذٍ ينتج وجوب الركعة المتصلة، والمفروض أننا لا نستطيع الالتزام بالركعة المتصلة؛ لأنها على خلاف ما هو من ضروريات المذهب، فإذن: الركعة التي يقيم ويضيفها لابدّ أن نفترض أنّها ركعة منفصلة. المحافظة على الجدّية في الكبرى وفي التطبيق مع افتراض أنّ الركعة منفصلة غير ممكن. كأنهم يريدون أن يقولوا في الجواب: لماذا نرفع اليد عن الكبرى ؟ لتكن الكبرى سالمة وتامّة وجدّية، نلتزم بحمل الرواية على التقية في التطبيق، وإذا التزمنا بذلك وتم ذلك، فلا مانع من الاستدلال بالصحيحة على حجّية الاستصحاب؛ لأنّ الإمام(عليه السلام) ذكر قاعدة الاستصحاب وهو يريدها جداً، وكان مقتضى التطبيق أن تكون الركعة متصلة لكن كانت هناك تقيّة في التطبيق، فيكون التطبيق غير جدّيٍ وإن كانت الكبرى جدّية؛ وذلك لوجود التقية هنا، فمنع الرواية من الاستدلال بها على الاستصحاب لمجرّد أننا لا يمكننا أن نحمل الرواية على إرادة الركعة المتصلة، هذا ليس صحيحاً؛ لأنّه بالإمكان أن نلتزم أنّ هناك تقيّة وإرادة خلاف الواقع، لكن في مقام التطبيق، التطبيق الجدّي يقتضي أن تكون الركعة متصلة، بينما المراد الجدّي هو الركعة المنفصلة، فالإمام(عليه السلام) ذكر الاستصحاب كقاعدة، لكن تطبيقها لإفراز الركعة المنفصلة ليس جدّياً، والتقية في التطبيق لا تنافي التمسك بالكبرى وتماميتها وجدّيتها؛ بل ذكروا أنّ هذا أمر متعارف في الروايات مسألة التفكيك بين الكبرى وبين التطبيق، واستشهدوا ببعض الشواهد، وذكر المحقق النائيني(قدّس سرّه) بعض الشواهد منها قول الإمام(عليه السلام) للخليفة العباسي في زمانه الذي هو السفاح عندما سأله عن العيد: (ذاك إلى الإمام، إن صام صمنا وإن أفطر افطرنا)[5] . وهذه كبرى حقيقية جدّية ليس فيها أي نوع من التقية، التطبيق يكون فيه تقية. (ذاك إلى الإمام) أي الإمام الحقيقي لا إشكال في أنه إذا صام صمنا وإذا أفطر أفطرنا، لكن تطبيقه على الخليفة العباسي ليس جدياً، وإنّما تقية. وهكذا الحال في مسألة الحلف بالطلاق والعتاق عن إكراهٍ سُئل الإمام(عليه السلام) عنها. نحن لدينا الحلف بالطلاق اساساً باطل، لكن الإمام(عليه السلام) في مقام بيان رفع الحلف بالطلاق والعتاق في صورة الإكراه استدل بحديث الرفع، واحدة من المرفوعات(ما استكرهوا عليه)، فاستدل على رفعه وبطلانه وعدم ترتب الأثر عليه بحديث الرفع. هنا يقال بأنّ الكبرى(حديث الرفع) جدّي وليس فيه تقيّة، وإنما التقية في تطبيقه على هذا المورد مع أنّه أساساً هذا الحلف في الطلاق والعتاق من أصله باطل، فهذا الشيء متعارف في الروايات، فلتكن هذه الرواية من هذا القبيل، كبرى الاستصحاب جدّية؛ وحينئذٍ يجوز الاستدلال بالرواية على حجّية الاستصحاب. غاية الأمر أنّ هذه الكبرى إذا كان تطبيقها جدّياً يقتضي أن تكون الركعة متصلة، لكن لا يمكن الالتزام بالركعة المتصلة؛ لأنّه على خلاف ضرورة المذهب، فلابدّ أن تكون الركعة متصلة، فتُحمل على التقيّة في هذا التطبيق.
ولوحظ على هذا الجواب:
الملاحظة الأولى: حمل الرواية على التقية، إنصافاً خلاف ظاهرها جداً، من جهة باعتبار صدر الرواية واضح أنّ مورد سؤال زرارة كان عن الشك بين الأثنين والأربعة، الإمام(عليه السلام) قال يجب عليه أن يأتي بركعتين، لكن بفاتحة الكتاب، وقلنا أنّ هذا قرينة على أنّ المقصود بالركعتين هي الركعتين المنفصلتين، وإلاّ الركعتان المتصلتان لا يتعين فيهما قراءة سورة الفاتحة، وإنّما هو مخيّر بين قراءة الفاتحة وبين التسبيحات، تعيّن قراءة سورة الفاتحة في الركعتين قرينة واضحة على أنّ المراد بهما هما الركعتان المفصولتان، باعتبار أنّ كل صلاة لابد فيها من فاتحة الكتاب ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: في الركعتين المتصلتين لا تتعيّن قراءة سورة الفاتحة، وإنّما الرأي المشهور هو أنّ المكلف يتخيّر بين الفاتحة وبين التسبيحات. هناك من ذهب إلى تعيّن التسبيحات، ولكن لا قائل بتعيّن قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين المتصلتين. وهذه قرينة على أنّ المراد بالركعتين هما الركعتان المنفصلتان. هذا في صدر الرواية. يُضاف إلى هذا أنّ الإمام(عليه السلام) في جوابه يقول: (يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب، ويتشهّد ولا شيء عليه). هذا في نفسه قرينة واضحة على أنّ المراد الركعتان المنفصلتان، وإلاّ لو كانت الركعات متصلة لم يكن هناك داعٍ لأن يقول يركع ركعتين وأربع سجدات، هذا إنّما يُذكر إذا كان المراد هو الركعتان المنفصلتان؛ حينئذٍ قد يُتوهم أنه معتبر فيها أن تكون ركعتان، أو أربع سجدات ؟ أو أنّ التشهد معتبر فيها، أو لا ؟ وذلك باعتبار أنّها تتمّة وتُسمّى صلاة الاحتياط، فيرِد فيها هكذا توهّم، فيُقال له أنّ هذا أيضاً صلاة، فيُعتبر فيها ما يعتبر في باقي الصلوات، فلابدّ أن يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتابي ويتشهّد. هذه كلّها قرينة على أنّ المقصود الركعات المنفصلة لا الركعات المتصلة. إذا كان صدر الرواية واضح في إرادة ركعتين منفصلتين؛ حينئذٍ يمكن أن يقال: هذا يُشكّل قرينة على أنّ المراد بالركعة في محل الكلام وفي فقرة الاستدلال(قام، فأضاف إليها أخرى) هو أيضاً الركعة المنفصلة. وبعبارة أخرى: أنّ الإمام(عليه السلام) لو فرضنا أنه سكت عن بيان الانفصال، لعله اعتمد في بيان الانفصال على الانفصال الموجود في الفرع الأول الذي أجاب عنه بوجود ركعتين منفصلتين؛ فحينئذٍ يكون للرواية ظهور في انفصال الركعة. بناءً على هذا حينئذٍ كيف تُحمل على التقية ؟! حيث أنه أجاب على خلاف مذهب العامّة وبما يوافق مذهب الخاصّة، فما معنى الحمل على التقية ؟! الرواية ظاهرة ظهوراً واضحاً جداً مع هذا التأكيد، ونفس عبارة(قام، فأضاف إليها أخرى) لعلّها تُشعر بأنّ الركعة منفصلة.
ومن جهة أخرى ما ينافي الحمل على التقية الجمل المتكررة المتعاطفة الملفتة للنظر، هذا التكرار لغرض التأكيد، كلّها تقريباً تحمل معنى واحداً، هذا يناسب جداً أن يكون الإمام(عليه السلام) بصدد بيان الحكم الواقعي لا بيان الحكم التقيتي، لو كان بصدد بيان الحكم التقيتي لما كان هناك داعٍ للتكرار والتأكيد، فإذا كان مضطراً وفي تقية لأشار إليه بشكلٍ عابر وتعدّى، أمّا هذا التكرار والتأكيد والحرص على بيان الحكم الشرعي الذي بيّنه، وبيان هذا المعنى، هذا معناه أنه ليس هو في مقام تقية، أصلاً جو الرواية ليس جو تقية، وإنّما جوها هو جو بيان الحكم الواقعي الحقيقي الذي من الصعب جداً حملها على التقية . ما نريد قوله هو أنّ حمل الرواية على التقية حتى في مقام التطبيق هو خلاف ظاهر الرواية صدراً وذيلاً، الرواية ظاهرة في إرادة الركعات المنفصلة، الرواية بصرها وذيلها إشارة إلى صلاة الاحتياط المقررة عندنا؛ وحينئذٍ لا مجال لحملها على التقية. هذه الملاحظة الأولى على الجواب.
الملاحظة الثانية: هذا الجواب كأنه يفترض الإشكال في كيفية تطبيق الاستصحاب على المورد، وكأننا نريد أن نستفيد الحكم من تطبيق الاستصحاب على المورد، فإذا فرضنا أنّ الكبرى كانت جدّية، مقتضى التطبيق الجدّي لها على المورد هو وجوب ركعتين متصلتين، وهذا لا يمكن الالتزام به؛ فحينئذٍ نقول: يدور الأمر بين أن نلتزم بالتقيّة في الكبرى، وبين أن نلتزم بالتقية في التطبيق، فنقول: لا داعي للالتزام بالتقية في الكبرى، تبقى الكبرى جدّية، والتقية تكون في التطبيق، فكأنّ الإشكال ينصب على كيفية تطبيق الكبرى على المورد، وأنّ هذا التطبيق لو كانت الكبرى جدّية والتطبيق جدّي ينتج شيئاً آخر، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به، وأنّ المراد هي الركعة المنفصلة، فلابدّ أن نلتزم إمّا بالتقية في الكبرى وبالتقية في التطبيق، فيقولون لا داعي لالتزام بالتقية في الكبرى، تبقى الكبرى جدّية والتقية تكون في التطبيق، وهذ أمر متعارف.
الإشكال الذي أثاره الشيخ (قدّس سرّه) ليس ناظراً إلى هذه الجهة، وإنّما هو ناظر إلى أنّ الإمام(عليه السلام) ذكر حكماً، وهو أشار إلى هذا الحكم بقوله(قام، فأضاف إليها ركعة أخرى) هذا حكم شرعي حكم به الإمام(عليه السلام) ــــــــ فاتنا أن نذكر أنّ واحدة من مؤشرات عدم التقية هو تبرّع الإمام(عليه السلام) بذكر هذا الفرع ــــــــ الإشكال يريد أن يقول: هذه العبارة(قام، فأضاف إليها أخرى)، هل يُراد بها قام، فأضاف إليها أخرى منفصلة، أو متصلة ؟ لا يمكن الالتزام بأنها متصلة؛ لأنه على خلاف المذهب، فلابدّ أن تكون منفصلة، فإذا كانت منفصلة، الإشكال يقول: هذا غير ممكن تطبيق الاستصحاب عليه، هذا ليس صغرى من صغريات الاستصحاب، بعد الفراغ عن أنّ المراد بها الركعة المنفصلة. إذن: هذا ليس تطبيقاً للاستصحاب وليس من صغريات الاستصحاب، فلابدّ أن يكون المراد بعبارة(ولا تنقض اليقين بالشك) إشارة إلى قاعدة أخرى غير الاستصحاب وهي كما ذكرنا هي قاعدة اليقين في مقام تفريغ الذمة. المشكلة ليست في كيفية تطبيق الكبرى على المورد ونريد أن نستنبط من التطبيق الحكم في المسألة. الحكم بيّنه الإمام(عليه السلام)، هذا الحكم(قام، فأضاف) ما هو مقصوده ؟ ننتهي إلى نتيجة أنّ مقصوده حتماً هو الركعة المنفصلة، الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) يقول: هذا ليس من تطبيقات الاستصحاب، وهذا لا يُعد صغرى من صغريات الاستصحاب. إذن: المقصود بقوله(ولا ينقض اليقين بالشك) والجمل المتعاطفة إشارة إلى قاعدة أخرى غير الاستصحاب، وبهذا لا يمكن الالتزام بدلالة الرواية على الاستصحاب.
قد يُجاب بهذا عن هذا الاعتراض، لكن تبقى المسألة ليست واضحة هكذا، يعني هذه الملاحظة الأخيرة تبقى غير واضحة جداً؛ لأنّ بالنتيجة حتى لو فرضنا أنّ الإشكال يقول لا يمكن الالتزام بالركعة المتصلة. إذن: لابدّ أن يكون المقصود بها هو الركعة المنفصلة، الإشكال يقول: إذا كان المقصود بها الركعة المنفصلة، إذن: هذا ليس تطبيقاً للاستصحاب، فلابدّ ان تكون الرواية ناظرة إلى قاعدة أخرى غير الاستصحاب. في مقام الجواب يقولون: هذا كلّه صحيح، لكنّ القضية لا تنحصر إمّا أن يكون المراد هو تطبيق الاستصحاب على المورد، أو يكون إشارة إلى قاعدة أخرى. هناك حلّ ثالث وهو أن يقال أنّ الرواية ناظرة إلى الاستصحاب حقيقة وجداً، والإمام(عليه السلام) عندما قال(لا تنقض اليقين بالشك) مراده الإشارة إلى الاستصحاب، لكن التطبيق على المورد كان غير مراد جداً، وإنّما هو تطبيق تقيتي كما ذكروا.