الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب

بقي الإشكال الذي يرِد على كلا الوجهين إلى هنا على حاله، وحاصله :أنه في كلٍ من الوجهين الأول والثاني افتُرض وجود كبرى محذوفة غير مشار إليها في الدليل والمتكلم اعتمد عليها في مقام الجواب عن السؤال بأنه لماذا تجب الإعادة في الفرض الثالث ؟ والإشكال يقول: لأنّ هذا لا يصح إلاّ إذا كانت هذه الكبرى واضحة ومركوزة في الذهن بحيث يمكن الاعتماد عليها في مقام التعليل، وإلا يكون التعليل غير واضح ولا تناسب بين السؤال وبين الجواب.

يظهر من المحقق النائيني(قدّس سرّه) دعوى أنّ حذف الكبرى في مقام التعليل أمر شائع ومتعارف وغير مستهجن، ويُمثَل لذلك بـــ(لا تشرب الخمر؛ لأنه مسكر) لا إشكال في صحّة هذا الكلام وفي عرفيته وعدم استهجانه مع أنّ هنا أيضاً توجد كبرى محذوفة افتُرضت في الكلام وهي(وكل مسكرٍ حرام)، فكأنه قيل: (الخمر مسكر وكل مسكر حرام) فاكتُفي في مقام التعليل بذكر فقط قوله بأنه مسكر، واعتُمد على هذه الكبرى المحذوفة التي مفادها أنّ كل مسكرٍ حرام، من دون افتراض هذه الكبرى يصير التعليل غير تام، باعتبار أنّ التعليل بكونه مسكر، ومن دون افتراض أنّ كل مسكر حرام، هذا لا يصح أن يكون تعليلاً لحرمة شرب الخمر؛ لأنه يكون من قبيل تعليل حرمة شرب الخمر لأنّ لونه أصفر ـــــــ مثلاً ـــــــ ومن دون أن نفترض أنّ كل ما لونه أصفر حرام لا يصح هذا التعليل. إذن: لابدّ من افتراض كبرى محذوفة، فحذف الكبرى في مقام التعليل ليس نقصاً ولا استهجاناً؛ بل هو أمر شائع ومتعارف، فليكم ما نحن فيه من هذا القبيل. هنا عللّ عدم الإعادة بالاستصحاب، بحرمة نقض اليقين بالشك، هذا أيضاً مبني على كبرى الإجزاء، أو كبرى كون الطهارة المعتبرة في الصلاة هي الأعم من الصلاة مع الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية المستصحبة، هذه الكبرى بضمها إلى الاستصحاب يكون تعليلاً لعدم وجوب الإعادة، فكأنه قيل: لا تجب عليك الإعادة؛ لأنّ الاستصحاب الذي يثبت حكماً ظاهرياً يكون مجزياً عن الأمر الواقعي، أو أنّ الطهارة الظاهرية الثابتة بالاستصحاب توجب صحة الصلاة كالطهارة الواقعية؛ لأنّ ما يعتبر في الصلاة هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، فهذا يكون من هذا القبيل؛ فحينئذٍ لا توجد مشكلة في التعليل المذكور في هذه الرواية؛ بل هو أمر شائع ومتعارف.

قياس ما نحن فيه بهذا المثال الذي ذُكر قياس مع الفارق، في هذا المثال(لا تشرب الخمر لأنه مسكر) يُفهم منه؛ بل يُفهم من كل تعليل إلغاء خصوصية المورد؛ ولذا يكون مثل هذا الكلام موجب للتعميم، بمعنى أنّ التحريم لا يختص بالخمر، وإنما يثبت لكل ما هو مسكر، وهذا استظهار عرفي من هذا الدليل، بمعنى أنّ الذي يُفهم من هذا الدليل هو أنّ علّة التحريم الخمر هو الإسكار لا غير، وأنّ خصوصية المورد وهي الخمرية غير مأخوذة في ذلك، فالخمر حرام ليس لكونه خمراً، وإنما لكونه مسكراً. إلغاء خصوصية المورد وتصدّي المولى لتعليل هذا الحكم بهذا الشكل من التعليل؛ لأنه مسكر، هذا يُفهم منه أنّ المتكلم هو بنفسه يريد إلغاء خصوصية المورد، يعني يريد أن يقول بأنّ الخمر لم يحرم لخصوصيته، وإنّما حُرّم لكونه مسكراً، إذا قلنا أنّ هذا الذي نفهمه من الكلام عرفاً؛ حينئذٍ هذا معناه أنّ كل مسكر يكون حراماً. هذه الكبرى(كل مسكر حرام) تكون مستفادة من نفس التعليل، باعتبار إلغاء خصوصية المورد، وكون المورد غير دخيل في هذا التحريم، وإنّما تمام الدخل في التحريم إنما هو للإسكار، فالخمر حرام لإسكاره، هذا لا محالة يُفهم منه أنّ كل مسكر يكون حراماً، سواء كان خمراً، أو لم يكن خمراً، هذه الكبرى مستبطنة في نفس التعليل، تُفهم من نفس التعليل، ليس شيئاً آخر يعتمد عليها تعليل الحكم بما ذُكر، هذا معناه إلغاء خصوصية الخمرية وأنّ تمام العلّة في التحريم هو الإسكار، وهذا يُفهم منه أنّ المسكر حرام، فحرمة كل مسكر تستفاد من نفس الكلام وليست هي شيء آخر غير مستفاد من الكلام يعتمد عليه المتكلّم في مقام التعليل بحيث هو يذكر شيئاً ويكون هذا الشيء الذي ذكره ليس هو العلّة للحكم، وإنّما هناك كبرى كلية محذوفة، بضمّها إلى ما ذكره يكون هذا صالحاً لتعليل الحكم. هذا هو الواقع في محل كلامنا. هذا يختلف عن مسألة(لا تشرب الخمر لأنه مسكر). في محل كلامنا عُللّت عدم الإعادة بالاستصحاب، (قال: لمَ ؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارة ثوبك) فعُلل عدم الإعادة بالاستصحاب. فلنلغِ المورد، ونقول هذا المورد لا خصوصية له، فنعمم الحكم بعدم وجوب الإعادة لكل الموارد التي يجري فيها الاستصحاب، هذا باعتبار التعليل، والتعليل يكون ظاهراً في إلغاء خصوصية المورد، هذا صحيح ونلتزم به، بمعنى أنّ نعمم عدم وجوب الإعادة لكل موردٍ يجري فيه استصحاب الطهارة، لكن هذا وحده لا يدفع الإشكال السابق؛ لأنّه يبقى ربط الاستصحاب بالحكم المعلل ربطاً يتوقف على ضم شيءٍ، هذا الشيء الذي يتوقف عليه إيقاع الانسجام بين السؤال والجواب ومقبولية التعليل وعرفيته، هذا الشيء لا يُستفاد من نفس الكلام وهو كبرى الإجزاء، وهو كبرى أنّ الشرط في صحة الصلاة ليس هو خصوص الطهارة الواقعية؛ بل هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، هذه الكبرى التي يتوقف عليها صحة التعليل ليست مستفادة من نفس الحديث؛ فحينئذٍ يجري الإشكال السابق، ويقول: أنّ هذه الكبرى ما لم تكن واضحة جداً ومركوزة في ذهن العرف لا يصح تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب من دون الإشارة إلى تلك الكبرى، فيبقى الإشكال على حاله. قياس ما نحن فيه بمثال(يحرم شرب الخمر لأنه مسكر) يبدو أنه قياس مع الفارق؛ لأنّ الكبرى هناك تكون مفهومة من نفس الكلام بالشكل الذي ذُكر، بينما في محل الكلام ليست مفهومة من نفس الكلام، فلابدّ من افتراض أن يكون الجواب والتعليل مستنداً إلى تلك الكبرى المحذوفة التي لم يُشر إليها في الكلام ولا فُرض أنّها مركوزة في ذهن السامع وواضحة في ذهنه حتى يُكتفى بها ويُعتمد عليها في مقام الجواب، فهذا الكلام لا يحل المشكلة.

من هنا يبدو أنّ هناك اتّجاه يقول أنّ هذا الإشكال وارد ولا يمكن التخلّص منه بناءً على الاحتمال المتقدّم في تفسير الرواية والذي يبتني عليه الإشكال، والذي يقول: (فصلّيت، فوجدت فيه ـــــــ بناءً على نسخة التهذيب ــــــــ ) يُراد به حصول اليقين بسبق النجاسة ووقوع الصلاة مع النجاسة، ومن باب أولى هذا يكون أوضح على نسخة (العلل) الذي يقول: (فوجدته فيه) والاحتمال يقول أنّ الملحوظ في الاستصحاب في الرواية هو حال ما قبل الصلاة، باعتبار وجود اليقين السابق قبل ظن الإصابة والشك اللاحق الذي لم يفُرض عدمه في الرواية؛ لأنّ (فنظرت، فلم أرَ شيئاً) قبل الصلاة لا يُستفاد منها حصول اليقين بالطهارة، وإنّما يبقى الأمر كما كان، كما كان سابقاً لديه ظن وشك بالإصابة، بعد الفحص أيضاً نظر، فلم يجد شيئاً، فبقي الشك والظن على حاله. فإذن: يقين سابق قبل ظن الإصابة، وشك لاحق، فيجري الاستصحاب قبل الصلاة، بمعنى أنّ المقصود والملحوظ في قوله: (لأنك كنت على يقين من طهارتك، ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك) ولعل(كنت) أيضاً تؤيد هذا الفهم، فهو يريد أن يجري الاستصحاب بلحاظ ما قبل الصلاة. بناءً على هذا الاحتمال قيل: لا يمكن التخلص من هذا الإشكال؛ لأنّ المفروض علم المكلف علم المكلف بسبق النجاسة ووقوع الصلاة مع الثوب النجس؛ حينئذٍ ما معنى تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب الجاري ما قبل الصلاة، الذي هو حكم ظاهري طريقي الذي يبطل مفعوله عندما يُعلم بمخالفته للواقع؟ لا يُراد إجراؤه فعلاً؛ لأنه فعلاً يوجد يقين بحسب هذا الاحتمال، وإنّما يُراد إجراؤه بلحاظ ما قبل الصلاة، والآن عُلم بطلان هذا الاستصحاب وعدم مطابقته للواقع وهو كسائر الأحكام الظاهرية يبطل مفعوله في حالة العلم بالخلاف، فما معنى التعليل ؟ فيكون لا مخلص من هذا الإشكال بناءً على هذا الاحتمال؛ ولذا يمكن جعل هذا قرينة ومؤيداً للبناء على الاحتمال الآخر بأن يقال: (فصليت فوجدت فيه) لا يُستفاد منها حصول اليقين برؤية نفس ما فحص عنه سابقاً، يعني وجدت فيه نجاسة ولا أعلم هل أنّها نفس النجاسة التي فحصت عنها سابقاً، أو أنها نجاسة حادثة طارئة. إذن: هو فعلاً لديه شك في وقوع الصلاة مع النجاسة، فبإمكانه إجراء الاستصحاب فعلاً؛ لأنه على يقين سابق من طهارة الثوب، وفعلاً هو يشك واقعاً في أنّ صلاته وقعت مع الثوب النجس، أو وقعت مع الثوب الطاهر ؟ فيستصحب اليقين السابق، فيجري الاستصحاب ويرتفع الإشكال؛ لأننا لا نستطيع أن نقول أنّ هذا ليس نقضاً لليقين بالشك؛ بل هو نقض لليقين باليقين. هذا الإشكال لا يرِد حينئذٍ؛ لأنّ الإعادة مع إجراء الاستصحاب فعلاً ولو المقصود به بلحاظ ما قبل الصلاة، لكن فعلاً يجري الاستصحاب، هذا ليس نقضاً لليقين باليقين؛ بل هو نقض لليقين بالشك، إذا أعاد، فهذا يعني أنه نقض يقينه السابق بطهارة الثوب بالشك؛ لأنه شاك في وقوع الصلاة مع طهارة الثوب، أو مع كونه نجساً.

فإذن: لا يرِد عليه هذا الإشكال ولم يُعلم ببطلان الاستصحاب ومخالفته للواقع، فيصح تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب كما يصح تعليل جواز الدخول في الصلاة بالاستصحاب الجاري قبل الصلاة.

ومن هنا قد يقال: لابدّ أن نراجع أنفسنا في ما استظهرناه من جملة(فصلّيت، فرأيت فيه) أنها ليست واضحة في حصول اليقين، فلنحملها على صورة الشك، لكننا لا نقبل هذا الكلام باعتبار أنّ النسخة الأخرى صحيحة السند تقول: (فرأيته فيه) وقد قلنا أنّ الظاهر أنهما ليسا من قبيل المتعارضين، وإنّ/ا من قبيل المجمل والمبيّن، بمعنى أنه أجمل شيئاً في الرواية الأولى، وفي الرواية الثانية أوضح المقصود وقال(فرأيته فيه)ن يعني رأيت نفس ما فحصت عنه سابقاً. مضافاً إلى القرائن الأخرى التي استظهرنا منها أنّ المقصود هو حصول اليقين بعد الصلاة بعد وجدان هذا الشيء، فحمله على هذا يبدو أنه لا يكون تامّاً.

من هنا قد يقال: للتخلّص من هذا الإشكال بناءً على الاحتمال المستظهر من الرواية، يكفينا في حُسن التعليل وعرفيته أنّ عدم الإعادة بالنتيجة يبتني على الاستصحاب، شئنا أم أبينا، صحيح أنّ هناك شيئاً آخر دخيل في الحكم بعدم الإعادة، لكن هذا لا ينافي أنّ عدم الإعادة يبتني على الاستصحاب، باعتبار ما تقدّم سابقاً من أنه يبدو أنّ زرارة تعجّب أو استغرب، أو سأل عن الفرق بين الفرض الثالث وبين الفرضين الأول والثاني، حيث أنّ كل الفروض الثلاثة تشترك في وقوع الصلاة مع الثوب النجس، الإمام(عليه السلام) هناك حكم بوجوب الإعادة في الفرض الأول ووجوب الإعادة في الفرض الثاني، وحكم في الفرض الثالث بعدم وجوب إعادة الصلاة، هنا سأل زرارة عن الفرق بينهما لمَ ذلك ؟ وليس غرضه أن يسأل عن سبب الحكم، وإنّما هو يستفهم عن السر في التفريق بين هذه الفروض الثلاثة، فكأن الإمام(عليه السلام) في مقام بيان الفرق بين الفرض الثالث والفرضين الأول والثاني، وكأنه يريد أن يقول لزرارة أنّ الفرق بينهما هو أنّ الاستصحاب يجري في الفرض الثالث ولا يجري في الفرضين السابقين، هذا الاستصحاب الذي ينتج الحكم الظاهري والطهارة الظاهرية الاستصحابية، موجود في هذا الفرض وهو غير موجود في الفرض السابق، فبالنتيجة عدم الإعادة في الفرض الثالث يبتني على الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب غير موجود في الفرضين الأول والثاني حُكم بوجوب الإعادة، وإنما حُكم بعدم الإعادة في الفرض الثالث للاستصحاب، ولو كان انتاج هذا الاستصحاب لعدم الإعادة يبتني على كبرى الإجزاء أو على الكبرى الأخرى، لكن يكفي في حسن التعليل بالاستصحاب أن يكون الحكم بعدم وجوب الإعادة يبتني على الاستصحاب في مقام التفريق بين هذين الفرضين وبين الفرض الثالث، فحينما سأل زرارة: لمَ لا يجب عليّ الإعادة ووجب عليّ الإعادة هناك ؟ يقول له: للاستصحاب، لكن ليس للاستصحاب وحده من دون ضميمة كبرى هو ينتج عدم وجوب الإعادة، وإنّما عدم الإعادة في المقام باعتبار وجود الاستصحاب، وهذا الاستصحاب هو الفارق بين هذا الفرض وبين الفرضين السابقين، فلا يكون التعليل بالاستصحاب مستهجناً وغير عرفي، ولو كان التعليل بضمّ كبرى محذوفة وهي كبرى الاجزاء والكبرى الأخرى.

لكن بالرغم من هذا يبقى الإشكال السابق على حاله، أنّ هذا التعليل بالنتيجة صار تعليلاً بالاستصحاب، صحيح هو بيّن الفرق بين الفرضين السابقين وبين هذا الفرض، أنّ الاستصحاب يجري هنا ولا يجري هناك، لكن هل يكفي الاستصحاب وحده لتعليل عدم الإعادة ؟ هو يعترف بأنه لا يكفي، وإنّما الاستصحاب يحتاج إلى ضميمة كبرى؛ وحينئذٍ يرِد نفس الإشكال، أنّ الكبرى محذوفة واعتمد عليها المتكلم في مقام تعليل الحكم، وإلاّ لو لم نفترض هذه الكبرى ولم يكن هناك إجزاء لا يصح التعليل بالاستصحاب؛ إذ لا أثر للتعليل بالاستصحاب مع العلم بخلافه، هو حكم ظاهري له أثر ما دام الشك وما دام لا يُعلم بالخلاف، ومع العلم بالخلاف كما هو المفروض لا أثر للاستصحاب، فما معنى تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب ؟! المعقول تعليل جواز الدخول في الصلاة بالاستصحاب؛ لأنه عندما دخل في الصلاة لم يكن يعلم بالخلاف، كان الحكم الظاهري موجوداً وبرر له الدخول في الصلاة، أمّا عدم الإعادة واقعاً على المكلف من دون افتراض الكبرى لا يثبته الاستصحاب، فيبقى هذا السؤال أنّ المتكلّم اعتمد في مقام التعليل على كبرى محذوفة غير مشار إليها في الدليل ولا هي مركوزة في ذهن السامع، فكيف ينسجم الجواب مع السؤال ؟ هذا في الحقيقة لا يرفع الإشكال.

هناك أمر آخر قد يقال في المقام وهو أنّ اساس الإشكال وهو كون نقض اليقين بالشك في المقام غير متحقق، يعني يُفهم من كلام الإمام(عليه السلام) عندما سأله لمَ لا تجب الإعادة ؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك، كأنه يريد أن يقول له لا ينبغي لك أن تعيد صلاتك؛ لأنّ الإعادة نقض لليقين بالشك، هذا معنى تطبيق الاستصحاب في محل الكلام. الإشكال يقول: هذا نقض لليقين باليقين؛ لأنّ المفروض أنه يحرز وقوع الصلاة مع نجاسة الثوب، فإذا أعاد الصلاة لا يكون قد نقض اليقين بالشك، وإنّما نقض اليقين باليقين بأنه صلّى بالثوب النجس. هذا الجواب يريد أن يقول: كون الإعادة نقضاً لليقين باليقين في ما إذا فرضنا أنّ العلم واليقين بوقوع الصلاة مع النجاسة يكون سبباً تامّاً لإعادة الصلاة؛ فحينئذٍ تكون الإعادة من نقض اليقين باليقين؛ لأنّ اليقين بوقوع الصلاة مع النجاسة يوجب الإعادة. هذا أيضاً يبتني على شيءٍ آخر وهو أن تكون الطهارة من الخبث دخيلة في صحة الصلاة على نحو الإطلاق، بمعنى أنّ الطهارة من الخبث دخيلة في صحة الصلاة في جميع الأحوال، سواء كان المكلف معذوراً، أو غير معذور هي دخيلة في صحة الصلاة، وسواء أخل بالطهارة سهواً، أو عمداً، هذا كلّه يكون موجباً للإخلال بما هو معتبر في صحة الصلاة ويكون موجباً للإعادة، حتى إذا أخلّ بها عن عذرٍ. هذا معنى أنّ الطهارة من الخبث دخيلة مطلقاً في صحة الصلاة. وبعبارة أخرى: تكون من الأركان التي يكون الإخلال بها سهواً أو عمداً موجباً للبطلان. إذا كانت الطهارة من الخبث دخيلة في صحة الصلاة بهذا النحو هذا الكلام يكون تامّاً؛ لأنّه حتى لو فرضنا أنه كان معذوراً عندما صلى وأخل بالطهارة المعتبرة في الصلاة، لكن إخلاله بها كان مستنداً إلى الطهارة الظاهرية الثابتة لديه بالاستصحاب، إذن: هو أخل بما هو معتبر في صحة الصلاة عن عذرٍ، باعتبار أنّ الاستصحاب كان يجري في حقه، لكن حتى لو كان إخلاله بالطهارة المعتبرة في صحة الصلاة عن عذر، لكن الطهارة من الخبث من الأركان تبطل الصلاة مع الإخلال بها مطلقاً، حتى لو كان عن عذرٍ، هذا يوجب بطلان الصلاة ووجوب الإعادة؛ فحينئذٍ يصح أن يقال أنّ الإعادة نقض لليقين باليقين؛ لأنّ لديه يقين بوقوع الصلاة مع النجاسة وهذا يوجب الإعادة حتى إذا وقع هذا الإخلال عن عذر واستناداً إلى الاستصحاب هو يكون موجباً لبطلان الصلاة ووجوب الإعادة؛ فحينئذٍ يرِد الإشكال ويقول أنّ الإعادة ليست نقضاً لليقين بالشك؛ بل هي نقض لليقين باليقين.