الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب

 

كان الكلام في الوجه الأول الذي ذُكر لإثبات إمكان استفادة قاعدة كلية تجري في جميع الموارد والتي هي الاستصحاب، المستفاد من الصحيحة هو الاستصحاب كقاعدة كلية لا تختص بمورد الصحيحة. الوجه الأول هو دعوى أنّ التعليل في الرواية هو بأمرٍ ارتكازي. قلنا: إذا ثبت أنّ التعليل بأمرٍ ارتكازي تكون هذه الدعوى تامة وصحيحة؛ لأنه عندما يقال أنّ التعليل بأمرٍ ارتكازي، فواضح أنّ الأمر الارتكازي ليس هو الاستصحاب في خصوص باب الوضوء، يعني عندما تعلل الرواية عدم وجوب الوضوء بالاستصحاب مع افتراض أنّ الاستصحاب أمر ارتكازي، واضح أنّ الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ليس أمراً مرتكزاً في أذهان الناس، وإنّما على تقدير أن يكون أمراً ارتكازياً فالمرتكز هو الاستصحاب بشكلٍ عام، بمعنى أنّ مطلق اليقين وطبيعي اليقين لا ينبغي نقضه بالشك لا خصوص اليقين في باب الوضوء، لكن الكلام في أصل إثبات أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي.

في الدرس السابق ذكرنا بأنه لا يمكن إثبات ذلك بمجرّد أنّ الرواية مسوقة مساق التعليل بناءً على الاحتمال الأول، وأنّ قوله (عليه السلام): (فأنه على يقين من وضوئه) تعليل للحكم المقدّر المحذوف الذي هو عبارة عن عدم وجوب الوضوء، مجرّد هذا لا يعني انّ التعليل بأمرٍ ارتكازي؛ لأننا قلنا أنّ التعليل أعم، قد يكون بأمرٍ ارتكازي، وقد يكون بأمرٍ تعبّدي وليس بأمرٍ مرتكز في أذهان المخاطبين، وهذا موجود في كثيرٍ من الروايات. نعم، قلنا بأنه لو آمنا بارتكازية الاستصحاب، وأنّ الاستصحاب أمر مركوز في أذهان الناس؛ بل قد يقال أنّ السيرة العملية جارية عليه، وأنه لولاه لاختل النظام، أمكن الاستعانة بذلك لإثبات أنّ التعليل في الرواية هو بأمرٍ ارتكازي، وإذا ثبت أنه تعليل بأمرٍ ارتكازي؛ حينئذٍ يكون المستفاد من الرواية كبرى كلية لا تختص بخصوص المورد؛ لأنّ المركوز في الأذهان ليس هو الاستصحاب في باب الوضوء، ليس هو عدم نقض اليقين في باب الوضوء بالشك، وإنّما المرتكز في الأذهان هو عدم نقض اليقين بما هو يقين بالشك. لكن قلنا من لا يؤمن بارتكازية الاستصحاب ومن لا يؤمن بوجود سيرة عقلائية على العمل بالاستصحاب كالسيد الخوئي(قدّس سرّه) حينئذٍ من الصعب أن يثبت أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي، السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي ومع ذلك هو ينكر ارتكازية الاستصحاب، فالكلام في أنه كيف يجمع بين الأمرين ؟ إذا كان الاستصحاب ليس أمراً ارتكازياً؛ فحينئذٍ لا ينبغي أن يكون التعليل بأمرٍ ارتكازي؛ لأنّ عدم وجوب الوضوء في الرواية عُلل بالاستصحاب، والمفروض أنّ الاستصحاب ليس أمراً ارتكازياً، فلا معنى لأن نقول بأنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي، كيف يمكن الجمع بينهما ؟

السيد الخوئي(قدّس سرّه) حاول الإجابة عن هذا التساؤل، وذكر ما حاصله: (أن قاعدة ـــــــ عدم جواز نقض اليقين بالشك ـــــــ قاعدة ارتكازية مسلمة، فان اليقين والشك بمنزلة طريقين يكون أحدهما مأموناً من الضرر والاخر محتمل الضرر، فإذا دار الامر بينهما، لا إشكال في أن المرتكز هو اختيار الطريق المأمون).[1] في بعض العبارات ذُكر: بأنّ السر في ارتكازية قاعدة عدم نقض اليقين بالشك هو أنّ اليقين أمر مبرم، فيه جهة استحكام، بينما الشك ليس فيه جهة استحكام؛ وحينئذٍ لا يُنقض اليقين بالشك. هذا هو الذي نؤمن بأنّه أمر ارتكازي، عدم نقض اليقين بالشك هو أمر ارتكازي وقاعدة مسلّمة، يقول: (وما أنكرناه سابقا إنما هو تطبيق هذه الكبرى الكلية على الاستصحاب). يعني ما أنكرناه سابقاً هو صحة تطبيق هذه الكبرى على الاستصحاب؛ لأنه في باب الاستصحاب لا يصدق نقض اليقين بالشك، وذلك باعتبار أنّ اليقين في باب الاستصحاب يتعلّق بالحدوث والشك يتعلّق بالبقاء، اختلاف زماني المتيقن والمشكوك يمنع من صدق نقض اليقين بالشك، الشك في البقاء ليس ناقضاً لليقين بالحدوث؛ ولذا يجتمع معه؛ لأنّه ليس ناقضاً له، إنّما يكون الشك ناقضاً لليقين عندما يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين، وهذا الشيء ليس موجوداً في باب الاستصحاب، إذا تعلّق الشك بنفس ما تعلق به اليقين وبلحاظ نفس الزمان؛ عندئذٍ يكون هذا الشك ناقضاً لليقين، أمّا عندما يتعلّق بنفس ما تعلق به اليقين ذاتاً، لكن يختلفان زماناً، هذا يقين بالحدوث وهذا شكٌ بالبقاء، الشك في البقاء ليس ناقضاً لليقين، فقاعدة لا تنقض اليقين بالشك التي يقول أنها أمر ارتكازي وأمر مسلّم لا تنطبق على الاستصحاب، يستنتج من هذا أنّ تطبيق القاعدة على الاستصحاب في الصحيحة لابدّ أن يكون تطبيقاً تعبّدياً وليس تطبيقاً واقعياً، واقعاً لا تنطبق قاعدة(لا تنقض اليقين بالشك) على الاستصحاب لاختلاف زمان المتيقن عن زمان المشكوك، وإنّما الرواية طبّقت هذه الكبرى المسلّمة(لا تنقض اليقين بالشك) على الاستصحاب تطبيقاً تعبّدياً. يقول: هذا هو الذي أنكرناه سابقاً، كنّا نقول أنّ تطبيق (لا تنقض اليقين بالشك) على الاستصحاب ليس أمراً ارتكازياً، وإنّما هو أمر تعبدي. أمّا أصل القاعدة(لا تنقض اليقين بالشك) أنّ اليقين لا يُنقض بالشك، اليقين فيه جهة استحكام وإبرام، أو كما عبّر مأمون الضرر، بينما الشك محتمل الضرر، فلا تُرفع اليد عن اليقين بالشك. يقول: هذا أمر مطابق للارتكاز وقاعدة ارتكازية، تطبيقها على الاستصحاب ليس أمراً ارتكازياً؛ بل هو أمر تعبّدي. يقول: لا منافاة بين أن نقول أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي؛ لأنّ التعليل بعدم نقض اليقين بالشك، وهذا أمر ارتكازي، وفي نفس الوقت نقول بأنّ الاستصحاب ليس أمراً ارتكازياً، فلا منافاة بين الأمرين.

يُلاحظ على هذا الكلام: أنّ اليقين والشك لا يمكن افتراض اجتماعهما أصلاً حتى نفترض دوران الأمر بينهما ونقول أنّ المكلف لابدّ أن يختار هذا الطريق كما ذكر؛ لأنه مأمون الضرر دون هذا الطريق؛ لأنه محتمل الضرر، اليقين والشك لا يجتمعان، عند حصول اليقين يرتفع الشك، وإذا فُرض وجود الشك، فمعناه عدم وجود يقين، فهما لا يجتمعان في أيّ حالٍ من الأحوال حتى يقال عندما يدور الأمر بينهما، الارتكاز يساعد على اختيار هذا الطريق دون ذاك الطريق؛ لأنه مأمون الضرر دون الطريق الآخر. هذا إذا كان المقصود باليقين اليقين الوجداني والشك الوجداني، ليس في باب الاستصحاب، وإنّما اليقين والشك الذي هو نظر لها وقال هذه قاعدة مسلّمة وارتكازية، لكن تطبيقها على الاستصحاب ليس ارتكازياً، وإنّما هو أمر تعبّدي، فالمقصود بذلك هو اليقين الوجداني والشك الوجداني، هذان أمران لا يجتمعان مع افتراض وحدة المتعلق لهما ذاتاً وزماناً، الشك يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين وبلحاظ نفس الفترة الزمنية، إذا جاء الشك يرتفع اليقين، لا يُعقل أن يكون الإنسان متيقناً بشيء في زمانٍ وشاكّاً في ذلك الشيء في نفس ذلك الزمان، فلا معنى لأنّ يقال إذا دار الأمر بينهما فالارتكاز يساعد على اختيار هذا الطريق دون ذاك الطريق؛ لأنّ اليقين الوجداني لا يجتمع مع الشك إطلاقاً، وفي أيّ حالٍ من الأحوال. نعم، اليقين التعبّدي يمكن أن يجتمع مع الشك، هنا يمكن أن يقال بدوران الأمر بينهما، لكن اليقين التعبدي مع الشك هو عبارة أخرى عن الاستصحاب الذي نتكلّم عنه، اليقين التعبّدي مع الشك، فيقول له: (لا تنقض اليقين بالشك) يعني ابنِ على هذا اليقين السابق فعلاً، فيكون يقيناً تعبّدياً، وهو يجتمع مع الشك، لكنّ هذا هو عبارة أخرى عن الاستصحاب، بخلاف اليقين الوجداني فأنه لا يجتمع مع الشك إطلاقاً، ولا معنى لأن يقال أنّ الأمر يدور بينهما، وأنّ الارتكاز يساعد على اختيار هذا الطريق دون الطريق الآخر.

مضافاً إلى أنّ هذا الشيء الذي ذكره لا ينتج ما يريد الوصول إليه، هو بادعائه أنّ التعليل في الصحيحة هو بأمر ارتكازي يريد أن يثبت أنّ المستفاد من الصحيحة هو قاعدة كلّية تجري في جميع الموارد وليست مختصة بباب الوضوء، هو يريد الوصول إلى هذه النتيجة، لكنّ هذا الذي ذكره لا يثبت هذه النتيجة، إذا كانت القاعدة(عدم نقض اليقين بالشك) ارتكازية، لكنّ تطبيقها على الاستصحاب تطبيقاً تعبّدياً؛ لعدم صدق نقض اليقين بالشك عرفاً في مورد الاستصحاب مع اختلاف المتعلق بلحاظ الزمان، فإذا كانت القاعدة ارتكازية، وتطبيقها على الاستصحاب تطبيقاً تعبّدياً، كيف يمكن أن نتعدّى من مورد الرواية إلى سائر الموارد مع أنّ التطبيق تعبّدي، قاعدة ارتكازية لا تنطبق على المورد حقيقة، وإنّما تطبيقها تعبّدي على مورد الرواية؛ حينئذٍ من قال أنّ هذا التعبّد يشمل غير مورد الرواية ؟ هذا تعبّد، الشارع قال بأنّ هذه القاعدة الارتكازية المسلّمة أنا أطبقها على مورد الرواية تعبّداً، هذا التعبّد في التطبيق يقتضي عدم التعدّي في التطبيق إلى غير ذلك المورد؛ لأننا لا نعلم بثبوت التعبّد في التطبيق حتى في ذلك المورد، لعلّ التعبّد في التطبيق يقتصر على خصوص مورد الرواية، أي على خصوص باب الوضوء ـــــــ مثلاً ـــــــ أمّا على سائر الأبواب لا نملك دليلاً على أنّ الشارع أعمل التعبّد فطبّق هذه القاعدة تعبّداً على ذلك المورد، هذا يحتاج إلى دليلٍ، ما يثبت بما ذكره هو جريان الاستصحاب في مورد الرواية، أي باب الوضوء، وأمّا ثبوت الاستصحاب في غير مورد الرواية، فيحتاج إلى إثبات التعبّدٍ في التطبيق حتى نجري الاستصحاب في سائر الموارد.

بهذا الكلام يتضح: أنّ النتيجة هي: بناءً على أنّ الاستصحاب أمر مركوز في أذهان العقلاء، وهذا ما تقدّم سابقاً، وأنّهم يعملون به في أمورهم، بناءً على هذا يصح دعوى أنّ التعليل في الرواية يكون بأمرٍ ارتكازي، الوجه الأول يكون تامّاً إذا قلنا بارتكازية قاعدة الاستصحاب، تعليل بالاستصحاب في الرواية بشكلٍ واضح هو يعلل بالاستصحاب، وهو تعليل بأمرٍ ارتكازي؛ لأنّ الاستصحاب أمر مركوز في أذهان العقلاء؛ وحينئذٍ يقال: أنّ الأمر المركوز هو عدم نقض اليقين بما هو يقين بالشك وليس المركوز في أذهان العقلاء هو عدم نقض اليقين بالوضوء بالخصوص بالشك؛ ولذا بناءً على ذلك العقلاء يعملون بالاستصحاب في كل الموارد لا يفرّقون بين باب الوضوء وبين الأبواب الأخرى، فيتم حينئذٍ هذا الوجه الأول لإثبات التعميم بناءً على الاحتمال الأول الذي ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه). هذا بالنسبة إلى الوجه الأول لإثبات التعميم.

الوجه الثاني: أنّ احتمال اختصاص الرواية بباب الوضوء ليس له منشأ إلاّ كون اللام للعهد، وهذا خلاف الأصل ويحتاج إلى دليل، ومع عدم الدليل على كون اللام للعهد الأصل في اللام أن تكون للجنس، وحيث لا دليل على أنّ اللام الداخلة على اليقين في الكبرى التي هي قوله: (ولا ينُقض اليقين بالشك) للعهد، فلابدّ من العمل بمقتضى الأصل والالتزام بأنها للجنس؛ وحينئذٍ تشمل كل أقسام اليقين، سواء كان يقيناً في باب الوضوء، أو كان يقيناً في شيءٍ آخر. وبهذا يثبت التعميم.

اعترضوا على الوجه الثاني: بأنّ كون اللام للعهد، أو كونها للجنس لا يؤثر على النتيجة، وذلك باعتبار أنّ قيد (من وضوئه) في الرواية إن كان قيداً لليقين ودخيلاً في ثبوت الحكم لليقين وهو أنّ اليقين لا يُنقض بالشك بحيث أنّ عدم النقض بالشك شيءٌ مختص باليقين بالوضوء بحيث يكون(من وضوئه) قيداً لليقين الذي اُمر بعدم نقضه بالشك؛ حينئذٍ لا يمكن استفادة التعميم واستفادة قاعدة كلية تجري في جميع الموارد حتى إذا قلنا بأنّ اللام في اليقين للجنس، كونها للجنس لا ينفع لإثبات التعميم؛ لما تقدّم من أنّ القيد الذي يؤخذ في الصغرى إذا كان قيداً ودخيلاً في الحكم ودخيلاً في الانتاج، فلابدّ أن يؤخذ قيداً في الكبرى، وإذا اُخذ قيداً في الكبرى؛ حينئذٍ لا ينفع كون اللام للجنس، الكبرى (لا يُنقض اليقين بالوضوء بالشك) فتكون الكبرى مختصة بباب الوضوء، فلا يمكن التعميم؛ لأنّ القيد المذكور في الصغرى دخيل في الحكم، اُخذ على نحو القيدية في اليقين، بمعنى أنّ اليقين الذي لا يُنقض بالشك هو خصوص اليقين بالوضوء. هذا نظير الأمثلة المتقدّمة عندما يقول في المثال السابق: (زيدٌ عالمٌ بالنحو والعالم يجب إكرامه) مع افتراض أنّ(بالنحو) اُخذ على نحو القيدية بحيث كون الشخص عالماً بالنحو دخيل في ثبوت وجوب الإكرام، بمعنى أنّ وجوب الإكرام لا يثبت بدونه؛ حينئذٍ لابدّ أن يؤخذ قيداً في الكبرى، ولا يجوز أن يقول في الكبرى مطلق العالم يجب إكرامه؛ لأنّ هذا خُلف افتراض أنّ كونه عالماً بالنحو دخيل في ثبوت الحكم، إذا اُخذ القيد على نحو القيدية لابدّ أن يؤخذ في الكبرى، ليس هذا ما ذكرناه في الدرس السابق، في الدرس السابق قلنا أنّ مجرّد ذكر شيءٍ في الصغرى لا يعني أنه اُخذ على نحو القيدية، لا يعني أنه لابدّ من افتراض ثبوته في الكبرى، قد يكون ثابتاً في الكبرى وقد لا يكون ثابتاً في الكبرى، مجرّد هذا لا يعني ثبوته في الكبرى، وإنّما لابدّ من البحث عن أنه اُخذ على نحو القيدية، أو هو مجرّد موردٍ وليس دخيلاً في ثبوت الحكم؛ حينئذٍ لا يؤخذ قيداً في الكبرى، فتبقى الكبرى على كبرويتها وعلى عموميتها، فيمكن التمسك بها لإثبات التعميم، لكن عندما يؤخذ قيداً ودخيلاً في الحكم الذي يعني أنّ الحكم لا يثبت بدونه وأنّ الحكم مقيدٌ به بالنتيجة، في الكبرى لا يمكن أن يثبت وجوب الإكرام لمطلق العالم؛ لأنّ المفروض أنّ العلم بالنحو دخيل في وجوب الإكرام ولو كان عالماً بالفيزياء، وإنّما يثبت لخصوص العالم بالنحو، فلابدّ من أخذه قيداً في الكبرى، إذا اُخذ قيداً في الكبرى؛ حينئذٍ لا يمكن التعميم حتى إذا كانت اللام للجنس، وأمّا إذا لم يؤخذ(من وضوئه) قيداً، وإنّما هو مجرّد مورد ليس إلاّ، ذُكر باعتبار السؤال عن الشك في الوضوء؛ حينئذٍ يمكن استفادة التعميم واستفادة قاعدة كبرى كلية لا تختص بموردها حتى إذا قلنا أنّ اللام في اليقين للعهد؛ لأنّه بناءً على أنّ القيد مجرّد مورد، المعهود يكون كلّي اليقين، ليس المعهود حينئذٍ هو اليقين بالوضوء، وإنّما يكون المعهود هو كلّي اليقين، لا تنقض اليقين يعني كلّي اليقين؛ لأنّ(من وضوئه) في الصغرى هي مجرّد مورد، فكأنه في الصغرى قال: (فأنه على يقينٍ) بدون إضافة (من وضوئه)، وجملة (ولا ينقض اليقين) حتى إذا كانت للعهد هي ترجع إلى كلّي اليقين، فيمكن استفادة التعميم حتى إذا كانت اللام للعهد، وهذا هو معنى قولهم بأنّ كون اللام للعهد أو كونها للجنس ليس له أثر في محل الكلام.

ومن هنا يظهر أنّ المهم في المقام هو تحقيق أنّ القيد هل هو مأخوذ على نحو القيدية بحيث يكون دخيلاً ؟ أو هو مأخوذ على نحو الموردية ؟ المهم تحقيق هذه الجهة وليس تحقيق أنّ اللام للجنس أو أنها للعهد ؟

يُضاف إلى ذلك ما ذُكر في كلماتهم، حيث ذكر صاحب الكفاية(قدّس سرّه)[2] أنّ الأصل في اللام أن تكون للجنس، وأنّ الظاهر أنها للجنس وأنّ حملها على العهد خلاف الظاهر وخلاف الأصل ولا يصار إليه إلا بدليل، ومع عدم الدليل تُحمل على الجنس. هذا المطلب غير واضح إذا كان مقصوده بأنّ اللام ظاهرة في الجنس وأنّ الأصل فيها أن تكون للجنس بمعنى أنها موضوعة للعموم وللاستغراق. هذا ممنوع، اللام ليست موضوعة للعموم وليست من أدوات العموم والاستغراق، الألف واللام للتعريف، إذا كان مقصوده أن يثبت أنها للجنس، إذن: هي يستفاد منها العموم والشمول والاستغراق، وأنها موضوعة لذلك، إذا كان هذا مقصوده، فهذا ممنوع؛ لأنّ اللام لا تدل على الاستغراق وليست موضوعة للاستغراق وللعموم أصلاً، هي ليست من أدوات العموم، وإنّما هي موضوعة للجامع بين التعيّن الجنسي وبين التعيّن العهدي، قد تكون في بعض الموارد لتعريف الجنس، وقد تكون في بعض الموارد للتعيّن العهدي؛ وحينئذٍ تكون استفادة أحد الأمرين، خصوصية العهد، أو خصوصية الجنس، استفادة أحد الأمرين لابدّ من إقامة دليلٍ آخر، نفس اللام لا يمكن أن نستفيد منها أنها للجنس، أو هي للعهد حتى نقول مع عدم قيام قرينة على أنها للعهد هي تكون للجنس، كلٌ منهما يحتاج إلى قرينة، ولا يمكن أن يقال لدينا قرينة في المقام لإثبات أنّ التعيّن تعيّن جنسي وأنّ اللام في محل الكلام للجنس بدعوى أنه بالإمكان إجراء الإطلاق ومقدّمات الحكمة في مدخول اللام، قد يقال: أننا نثبت أنّ الألف واللام في المقام للجنس، وذلك بإجراء مقدّمات الحكمة في مدخول اللام الذي هو اليقين، وبالتالي نثبت الإطلاق وعدم اختصاص اليقين بخصوص باب الوضوء، وهذا يثبت بالتالي أنّ اللام للجنس وليست للعهد، هذا الكلام ليس تامّاً، وذلك باعتبار أنّ احد المحتملين في اللام هو أن تكون للعهد، كما يحتمل أنها للجنس يُحتمل أن تكون للعهد، يعني موضوعة للجامع بينهما، وعلى تقدير أن تكون للعهد؛ حينئذٍ لا يمكن إجراء مقدّمات الحكمة، وهذا معناه أنّ هذا الكلام محتف بشيءٍ يصلح أن يكون قرينة على خلاف الإطلاق، احتف هذا الكلام بما يصلح أن يكون قرينة على خلاف الإطلاق، ومع احتفاف الكلام بما يصلح أن يكون قرينة لا تجري مقدّمات الحكمة ولا يثبت الإطلاق ومن هنا لا يمكن الاستعانة بمقدمات الحكمة لإثبات أنّ اللام للجنس بمجرّد أن لا تكون هناك قرينة أو دليل على أنها للعهد كما ذُكر، ومن هنا يتبيّن أنّ هذا الأمر الثاني وهو مسألة أنّ اللام للجنس وليست للعهد لا يصلح أن يكون وجهاً لإثبات التعميم وإنّما المهم التركيز على مسألة أنّ القيد هل اُخذ على نحو القيدية، أو على نحو الموردية.

 


[1] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمد الواعظ الحسيني، ج3، ص19.
[2] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص389.