الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/05/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب
كان الكلام في الاحتمال الذي طرحناه في الدرس السابق وهو أن يقال: أنّ جزاء الجملة الشرطية هو نفس هذه الجملة الخبرية وهي قوله (عليه السلام): (وهو على يقينٍ من وضوئه) وقلنا بأن هذا الاحتمال يبدو أنه لا تتوجه إليه الإشكالات السابقة التي قد تتوجه على غيره، وعمدتها هو أنه ليس فيه تقدير ولا حذف، وإنّما يُفترض أنّ المذكور هو نفسه جزاء الجملة الشرطية. نعم ذكرنا في آخر الدرس بأنه قد يرِد عليه محذور عدم الارتباط بين الشرط وبين الجزاء، باعتبار أنّ الجملة الخبرية إذا أبقيناها كجملة خبرية لازمها أن يكون المقصود باليقين فيها هو اليقين السابق، أي فأنه على يقين سابقٍ من وضوئه، أو كان على يقينٍ من وضوئه، ومن الواضح أنه لا ارتباط ولا ترتب بين كونه على يقين من وضوئه وبين عدم يقينه بالنوم، فلا يصح أن يقال: (وإن لم يستيقن أنه قد نام، فأنه على يقينٍ من وضوئه) لا ترتب بينهما كما أوضحناه مراراً، فإذا فرضنا أنّ هذه الجملة إخبارية واُريد بها الإخبار جداً كما هو المفروض في هذا الاحتمال؛ حينئذٍ لزم إشكال عدم الارتباط والجملة الشرطية ظاهرة في الارتباط والترتب بين الجزاء والشرط.
أجيب عن هذا الإشكال بأنّ الجملة الشرطية في المقام لا يترتب فيها الجزاء على الشرط بالمعنى المقصود في سائر الجمل الشرطية، بأن يكون هناك ترتب ثبوتي واقعي بين الجزاء وبين الشرط، هذه الجملة الشرطية ليست كذلك، وإنّما الترتب فيها بلحاظ مقام الإثبات وليس بلحاظ مقام الثبوت بناءً على أنّ هذه العبارة يُراد بها الإخبار وليس الإنشاء، كأنه هكذا يقال: أنّ هذا المكلف إن لم يستيقن أنه قد نام؛ حينئذٍ يجري في حقه هذا الدليل المؤلف من صغرى وكبرى، الصغرى تقول: كان على يقين من وضوئه، والكبرى تقول: لا ينقض اليقين بالشك، يجري هذا الدليل في حقّه، ترتب في مقام الإثبات وليس ترتباً ثبوتياً، إذا استيقن أنه قد نام، فهذا يجب عليه الوضوء بلا إشكال؛ لأنه تيقن بالناقض، لكن إن لم يستيقن أنه قد نام، فلا مشكلة؛ لأنه على يقين من وضوئه، ومن كان على يقين من وضوئه لا يجوز له أن ينقض اليقين بالشك. هذا الترتب ليس ترتباً ثبوتياً واقعياً حتى يقال بأنه لا ترتب بين الجزاء والشرط بناءً على هذا الاحتمال، وإنّما هو ترتب في مقام الإثبات؛ إذ لا إشكال في حدّ نفسه يصح أن نقول أنّ هذا الشخص كان على يقين من وضوئه، ويُراد باليقين اليقين السابق، لكن ليس هذا مترتباً على الشرط، على عدم يقينه بالوضوء، وإنما هو مترتب عليه باعتباره دليلاً إثباتياً على عدم وجوب الوضوء على هذا المكلف الذي لم يتيقن بالنوم، فكأنه يقال له: إن لم تستيقن أنك قد نمت، فينبغي عليك الالتفات إلى أنك كنت على يقينٍ من وضوئك ولا تنقض اليقين بالشك . هذا النوع من الترتب يمكن افتراضه في المقام، بمعنى أنّ الترتب ليس ترتباً ثبوتياً، وإنّما ترتب بلحاظ مقام الإثبات وبلحاظ جريان الدليل، هذا الترتب موجود، الشخص الذي يتيقن أنه قد نام لا يجري في حقه هذا الدليل، أمّا الشخص الذي لا يوجد عنده يقين بالنوم يجري في حقّه هذا الدليل، هذا بالنتيجة ترتبٌ في مقام الإثبات وليس ترتباً في مقام الثبوت، فلا بأس أن يقال: (فأنه على يقين من وضوئه) ويراد بها الإخبار جداً، تخبر عن أنّ هذا كان على يقين من وضوئه ولا ينقض هذا اليقين بالشك، الدليل هو مجموع (فأنه على يقين من وضوئه) و(لا ينقض اليقين بالشك) هذا شيء يترتب على عدم اليقين بالنوم، لكن كدليل في مرحلة الإثبات لا في مقام الثبوت، وبهذا يمكن دفع حتى هذا الإشكال عن هذا الاحتمال الذي هو أحد الاحتمالات في الاحتمال الثاني وهو أن يكون المقصود بجملة (فأنه على يقين من وضوئه) هو الإخبار جداً، هي جملة خبرية مستعملة في مقام الإخبار لا في مقام الإنشاء كما يُنسب إلى المحقق النائيني(قدّس سرّه).
الكلام يقع في شيءٍ مهمٍ في المقام، وهو أنهم ذكروا أنه لا إشكال في أنّ الصحيحة تدل على الاستصحاب بلا إشكال، والمتيقن من ذلك أنها تدل على الاستصحاب كقاعدة في موردها، وإنّما الكلام في أنه هل يمكن أن يُستفاد من الصحيحة الاستصحاب كقاعدة في غير موردها، أو لا يمكن أن يستفاد ذلك ؟ التعدّي من مورد الصحيحة تارة نتعدى من مورد الصحيحة إلى باب الوضوء، لكن نخرج من مورد الصحيحة؛ لأنّ موردها هو الوضوء، عندما يكون موردها هو الشك في النوم، أي يشك في بقاء وضوئه من جهة الشك في النوم. هذا مورد الصحيحة. هل يمكن أن نتعدّى من مورد الصحيحة إلى باب الوضوء ولو كان الشك في بقائه من جهة الشك في ناقضٍ آخر للوضوء غير النوم، أو لا يمكن التعدّي إلى ذلك ؟ هذا مقام.
وأخرى نفترض أنّ الكلام في إمكان التعدّي من مورد الرواية إلى سائر الموارد وضوء، أو غيره ؟ كل شيء يكون هناك يقين سابق وشك لاحق، فيقال: (لا يُنقض اليقين بالشك) سواء كان هذا المتيقن السابق وضوءً، أو غُسلاً، أو تيمماً، أو حكماً شرعياً، أو حكماً وضعياً، أو طهارة.....الخ ؟ كل هذه الأمور تكون مشمولة للصحيحة، وتكون الصحيحة دليلاً على تأسيس قاعدة كلّية تُسمّى بالاستصحاب وتجري في جميع الموارد. والكلام في هذا المقام يبتني على ما نختار من الاحتمالات السابقة في تعيين الجزاء في الجملة الشرطية؛ لأنه على بعض الاحتمالات يكون التعدّي إلى جميع الموارد وإثبات الاستصحاب كقاعدة كلّية في جميع الموارد ممكن، ولكنّه غير ممكن على بعض الاحتمالات الأخرى كما سيأتي. إذن: هذا البحث في الحقيقة يعتمد على ما نختاره في البحث السابق وأنّ الصحيح ما هو في مقام تعيين الجزاء في هذه الجملة الشرطية.
ذكروا: أنه بناءً على الاحتمال الأول ــــــــ الذي ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) وصاحب الكفاية(قُدّس سره) من أنّ الجزاء محذوف ومقدّر وأنّ جملة(فأنه على يقين من وضوئه) هي تعليل أقيم مقام الجزاء المحذوف المقدّر ـــــــــ تكون الصحيحة ظاهرة في اختصاص الاستصحاب واختصاص مفادها بباب الوضوء ولا يمكن التعدّي من باب الوضوء إلى سائر الموارد؛ في مقام تعليل ذلك ذكروا أنّ جملة (فأنه على يقين من وضوئه) فُرض في هذا الاحتمال أنها تعليل للحكم بعدم وحوب الوضوء، أنّ جواب الجزاء محذوف تقديره فلا يجب الوضوء؛ لأنه على يقينٍ من وضوئه فهو تعليل للحكم المقدّر. والظاهر أنّ الشيخ(قدّس سرّه) عندما ذكر هذا الاحتمال لم يكن يقصد أنّ العلّة هي جملة(فأنه على يقين من وضوئه) فقط، وإلاّ لا تصح وحدها لتعليل عدم وجوب الوضوء (لا يجب الوضوء، وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب الوضوء؛ لأنه على يقينٍ من وضوئه) هذا ليس علة لعدم وجوب الوضوء، وإنّما مقصوده هو أنّ هذه الجملة مع الجملة التي وقعت بعدها، أي مجموع الجملتين (فأنه على يقين من وضوئه) و(لا ينقض اليقين بالشك) هو الذي يكون علّة للجزاء المحذوف. هذا سوف يكون دليلاً على عدم وجوب الوضوء على هذا الشخص الذي لم يستيقن أنه قد نام.
هذا في الحقيقة أشبه بالقياس؛ بل هو قياس، صغراه هي قوله: (فأنه على يقين من وضوئه)، وكبراه هي (ولا ينقض اليقين بالشك). هذا القياس فيه حدٌ أوسط تكرر في الصغرى والكبرى وهو اليقين. قالوا: أنّ الحد الأوسط في القياس لابدّ أن يكون متحداً بلحاظ جميع الخصوصيات والقيود، إذا اُخذت قيود في الحد الأوسط في الصغرى لابدّ أن تكون هذه القيود مأخوذة أيضاً في الحد الأوسط في الكبرى، أي شيءٍ فُرض في الصغرى للحد الأوسط لابدّ أن يُفرض نفسه وبلا فارقٍ في الحد الأوسط في الكبرى، والسرّ في ذلك هو أنّ المقصود في القياس في الحقيقة هو إثبات الأكبر للأصغر، لكن بتوسط الحدّ الأوسط، فالحد الأوسط يُحمل على الأصغر في الصغرى وفي الكبرى يُحمل الأكبر على الحد الأوسط، وبتوسط الحد الأوسط يثبت الأكبر للأصغر، تقول: (هذا إنسان) و (كل إنسانٍ ناطق) بتوسط الإنسانية تثبت الناطقية لهذا؛ لأننا حملنا الإنسان على هذا، وحملنا الناطقية على الإنسان، فبتوسّط الإنسان يثبت الأكبر للأصغر. بناءً على هذا لكي تكون هذه الواسطة طريقاً لإثبات الأكبر للأصغر لابدّ أن تتكرر الواسطة في كلتا المقدمتين في الصغرى وفي الكبرى لا أن تكون مطلقة في أحدى المقدمتين ومقيّدة في الأخرى؛ لأنّ هذا لا ينتج المطلوب، وإنّما الذي ينتج المطلوب هو تكرر الحد الأوسط بنفسه في كلتا المقدمتين، فإذا فرضنا أنّ الحدّ الأوسط في الصغرى اُخذ فيه قيد، فلابدّ أن يكون هذا القيد مأخوذاً أيضاً في الحدّ الأوسط في الكبرى. هذه القاعدة الكلّية التي ذُكرت طُبّقت في محل الكلام، فقيل أنّ العلّة في محل الكلام هي مجموع قوله: (فأنه على يقين من وضوئه) و (ولا ينقض اليقين بالشك)، الحدّ الأوسط المتكرر في هذا القياس هو اليقين، لكننا نرى أنّ اليقين في الحد الأوسط في الصغرى ذُكر فيه قيد وهو(من وضوئه) ليس الحد الأوسط في الصغرى هو مطلق اليقين، وإنّما هو اليقين بالوضوء، في الكبرى ذُكر اليقين، واليقين لا يُنقض بالشك، لكن بناءً على هذه القاعدة لابدّ من افتراض أنّ القيد أيضاً مأخوذ في اليقين المذكور في الكبرى؛ لأنه اُخذ قيداً في الحدّ الأوسط في الصغرى، حيث لم يقل(فإنه على يقينٍ) وإنّما قال: (على يقين من وضوئه) فجملة (ولا ينقض اليقين بالشك) يكون المقصود بها هو (لا ينقض اليقين بالوضوء بالشك) فما يستفاد منها قاعدة مختصة بباب الوضوء ولا يمكن التعدّي منها إلى غيرها.
لا بدية أن يكون القيد المأخوذ في الحد الأوسط في الصغرى مأخوذاً في الحدّ الأوسط في الكبرى قد يُعترض عليها بأنه ليس هناك دليل واضح على هذه اللا بدية .
وبعبارة أخرى يقال: أنّ مجرّد تقييد الحد الأوسط في الصغرى ليس دليلاً على تقييد الحدّ الأوسط في الكبرى؛ ولذلك تكرار الحد الأوسط في القياس الذي ينتج النتيجة المطلوبة لا يتوقف على ذلك؛ بل هو أعم من أن يكون القيد المأخوذ في الصغرى مأخوذاً في الكبرى، أو لا يكون القيد مأخوذاً في الكبرى بأن تكون الكبرى أعم من هذا المورد ومن غيره، هذا أيضاً ينتج النتيجة المطلوبة، يعني عندما نفترض أنّ القيد لم يؤخذ في الكبرى، هذا أيضاً يمكن أن ينتج النتيجة المطلوبة، فعندما نقول ــــــ مثلاً ــــــ أنّ زيداً عالم بالنحو، والعالم يجب إكرامه، هل هذا لا ينتج أنّ زيداً يجب إكرامه ؟ لا يتوقف إنتاج القياس للنتيجة على افتراض أنّ القيد المأخوذ في الحد الأوسط في الصغرى لابدّ أن يؤخذ في الحدّ الأوسط في الكبرى، وإنّما القياس ينتج النتيجة حتى على هذا الافتراض ويثبت أنّ زيداً يجب إكرامه، لكن نستفيد من الكبرى قاعدة كلّية وهي أنّ كل عالمٍ يجب إكرامه سواء كان عالماً بالفقـه، أم كان عالماً بالنحو، ولا يُتوقف في عموم الكبرى ويكون القياس قياساً منتجاً وتكون الكبرى كبرى عامّة؛ بل هذا هو الأنسب لكبروية الكبرى ولكونها قاعدة كبروية يُراد تطبيقها على هذا المورد، من ناحية برهانية، من ناحية استحالة وعدم استحالة هذا الشيء غير موجود، يعني لا دليل ولا يلزم أي محذور من افتراض أنّ القيد مأخوذ في الصغرى وغير مأخوذ في الكبرى، الانتاج على حاله، والشرط في انتاج القضية موجود، سواء كان مأخوذاً في الكبرى، أو لم يكن مأخوذاً فيها، تقول ـــــــ مثلاً ــــــــ أنّ هذا البرنامج نافع للطلاب والمتعلمين، وكل ما هو نافع يجب إشاعته ونشره، والكبرى لا تختص بخصوص هذا البرنامج الذي هو مفيد للطلاب المبتدئين، وإن كانت الصغرى مختصة بذلك، لكن الكبرى تقول إنّ كل ما كان نافعاً ومفيداً يجب نشره، والقضية منتجة مع الحفاظ على كلية الكبرى. إذن: ليس بالضرورة أنّ القيد المأخوذ في الصغرى لابدّ أن يكون مأخوذاً في الكبرى. نعم، هناك شيء ولعلّه هو المقصود بهذا البيان الذي تقدم، وهو أنّ السؤال يكون عن فائدة أخذ القيد في الصغرى، ما هي الفائدة من أخذ القيد في الصغرى، وكأنه يلزم من ذلك لغوية أخذ القيد في الصغرى، يعني في المثال السابق عندما نقول(هذا عالم بالنحو) و (كل عالمٍ يجي إكرامه) لا داعي لذكر (بالنحو) ويمكن الاستغناء عنه، فنقول: (هذا عالم) و (كل عالم يجب إكرامه) فقد يقال: أنّ ذكر القيد في الصغرى بلا فائدة ويلزم منه اللّغوية وعدم الفائدة؛ لأنه لا يترتب عليه الأثر، يعني لا الانتاج يتوقف على افتراضه؛ بل الانتاج تام ويثبت وجوب إكرام هذا من دون أن يذكر في الصغرى أنه عالم بالنحو، فلو اكتُفي بأنه عالم أيضاً الانتاج يكون ثابتاً، ما هي الفائدة من ذكر القيد في الصغرى، قد يقال: أنّ المحذور ليس محذوراً عقلياً، أنّ القياس لا يكون قياساً منتجاً إذا كانت الكبرى أوسع من الصغرى، أو كان القيد مأخوذاً في الصغرى وغير مأخوذٍ في الكبرى. الإشكال هو إشكال اللّغوية، فإذا استطعنا أن نتجاوز إشكال اللغوية بتصوّر فائدة لذكر القيد كأن يكون بيان واقع الحال، أو قد تكون هناك أمور أخرى تقتضي ذكر هذا القيد في الصغرى، لكن من دون أن يتوقف الانتاج والاستدلال على افتراضه، يمكن تصوّر فوائد أخرى لذكر هذا القيد في الصغرى من دون أن يتوقف الانتاج على افتراضه. المحذور ليس محذوراً عقلياً، وإنّما المحذور هو محذور اللّغوية، ومحذور اللغوية يكفي أن نتصوّر فائدة لذكر هذا القيد، ولا برهان على أنّ هذا القيد المذكور في الصغرى لابدّ أن يكون مأخوذاً في الكبرى.
إذن: بناءً على هذا الكلام لا يصح أن نقول ـــــــ إلى هنا، الكلام له تتمة ـــــــ أنّ الاحتمال الأول الذي ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) لا ينتج إلاّ حجية الاستصحاب في خصوص باب الوضوء؛ بل يمكن للشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) أن يقول أنّ الكبرى كلّية، وأنّ اليقين المذكور في الكبرى مطلق، فيتمسك بإطلاق العبارة لإثبات أنّ كل يقين لا يُنقض بالشك، وهذه قاعدة عامة تشمل الوضوء وتشمل غير باب الوضوء.
فمن هنا قد يقال: عكس ما ذكر، بأنّ مقتضى الاحتمال الأول هو ثبوت حجية الاستصحاب استناداً إلى الصحيحة في جميع الموارد ولا يختص بباب الوضوء، فضلاً عن مورد الرواية الذي هو الشك في الوضوء من جهة الشك في النوم، وذلك تمسكاً بإطلاق اليقين في جملة(ولا ينقض اليقين بالشك) .
ذكروا في مقام إثبات التعميم بهذه الصحيحة وأنّ الذي يثبت بها هو حجية الاستصحاب في جميع الموارد، ذكروا بعض الوجوه غير ما ذكرناه لإثبات التعميم واستفادة القاعدة الكلية من هذه الصحيحة، هذه الأمور نذكرها بشكل مختصر، ثمّ نعلّق عليها بعد ذلك ونربطها بالبحث السابق.
الأمر الأول الذي ذُكر لإثبات التعميم: ما ذكره أكثر من واحد ومنهم صاحب الكفاية(قدّس سرّه)[1] من أنّ التعليل ـــــــ بناءً على الاحتمال الأول ـــــــ له ظهور في أنه تعليل بأمرٍ ارتكازي لا بأمرٍ تعبّدي. وكأنه توجد قاعدة لديهم هي أنّ كل تعليل في الأدلة والنصوص لابدّ أن يكون تعليلاً بأمرٍ ارتكازي وليس تعليلاً بأمرٍ تعبّدي صرف، والسرّ في ذلك هو أنّ الشارع المقدّس عندما يحكم بحكم هو لا يحتاج إلى تعليله وإقامة الدليل عليه، بإمكانه أن يذكر الحكم ويسكت، ويجب على العبد إطاعة المولى في ذلك الحكم، لكن عندما يتصدّى الشارع المقدّس للتعليل، فهذا معناه أنها محاولة منه لإقناع المخاطبين، ومن الواضح أنّ هذا الإقناع لا يكون إلا ّإذا كان تعليلاً بأمر يفهمه المخاطب ويدركه، فلابدّ أن يكون التعليل بأمرٍ ارتكازي، يعني بأمرٍ مفهومٍ ومرتكزٍ في ذهن المخاطبين، أمّا أن يكون بأمرٍ تعبّدي صرِف لا يدركه المخاطب ولا يستوعبه، فهذا خلاف ظهور التعليل. التعليل ظاهر في أنه بأمرٍ ارتكازي لا بأمرٍ تعبدي. هذه القاعدة الكلية طُبقت في المقام؛ فحينئذٍ قيل في محل الكلام بأنّ الشارع إن كان في هذه العبارة يريد تعليل الحكم بعدم وجوب الوضوء باستصحابٍ جارٍ في خصوص باب الوضوء، أو باستصحابٍ جارٍ في خصوص مورد الرواية، هذا تعليل تعبّدي والعرف لا يفهم هذا الشيء، العرف لا يُفرّق لبن الوضوء وبين الغُسل، أو بين الوضوء وبين سائر الأمور التي يكون هناك يقين بها ثمّ يحصل الشك، الأمر الارتكازي في ذهن العرف هو الاستصحاب كقاعدة عامة لا يختص ببابٍ دون باب، اختصاص الاستصحاب بباب الوضوء أمر تعبّدي، تعليل عدم وجوب الوضوء باستصحاب خاصٍ بباب الوضوء أو بخصوص مورد الرواية أمر تعبدي صرف، العرف لا يفهمه، ولا يساعد عليه الارتكاز العرفي، فنحن بين أمرين: إمّا أن نقول أنّ التعليل يختص بباب الوضوء، والرواية تدل على حجية الاستصحاب في باب الوضوء فقط، هذا يلزمه أن يكون التعليل بأمرٍ تعبدي وهو خلاف الظاهر؛ لأنهم ذكروا أنّ التعليل بشكلٍ عام لابدّ أن يكون بأمر ارتكازي لا بأمرٍ تعبدي، فإذن: للمحافظة على هذا الظهور لابدّ أن نقول أنّ التعليل بأمر ارتكازي، المرتكز في أذهان العقلاء هو الاستصحاب كقاعدة عامة تجري في جميع الموارد من دون فرقٍ بين الوضوء وبين غيره؛ لأنّ تمام النكتة في الاستصحاب الذي يفهمه العرف والمرتكز في ذهنه على ما تقدم هو مسألة الشك السابق واليقين اللاحق، ليس هناك خصوصية للمشكوك والمتيقن بقطع النظر عن مسألة الشك في المقتضي والشك في الرافع، لكن ليس هناك خصوصية لأن يكون متيقناً بالوضوء، أو يكون متيقناً بالغسل. العرف لا يفهم هذه الخصوصية؛ ولذا لابدّ من الالتزام أنّ التعليل بأمر ارتكازي، وهذا يعني أنّ التعليل حدث بكبرى الاستصحاب التي لا تختص ببابٍ دون باب، فيمكن التعميم على هذا الأساس.