الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/05/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب
ذكرنا الاحتمالات المطروحة في تعيين الجزاء في الجملة الشرطية المستدل بها على الاستصحاب، ذكرنا الاحتمال الأول الذي هو أن يكون الجواب مقدّر محذوف وتقديره فلا يجب عليه الوضوء، وأنّ جملة(فإنه على يقين من وضوئه)[1] مسوقة مساق التعليل، هذه العلّة أقيمت مقام الجزاء المحذوف؛ ولذا دخلت عليها الفاء. الاحتمال الثاني أن يكون الجزاء هو نفس جملة(فإنه على يقين من وضوئه) ولا داعي لافتراض أنّ الجزاء مقدّر. الاحتمال الثالث الذي انتهى إليه الكلام وهو الاحتمال الذي يقول أنّ الجزاء هو جملة(ولا يُنقض اليقين بالشك). وذكرنا الإشكالات التي ترِد على الاحتمال الأول وعلى الاحتمال الثاني، وأمّا الاحتمال الثالث الذي استُبعد أساساً، وقيل بأنه بعيد جداً ولم يُعرف من هو القائل بهذا الاحتمال، وإنما نُقل وذُكر كاحتمال. يُبعّد هذا الاحتمال أنّ التركيب ليس صحيحاً، وأنّ دخول الواو على جملة(لا ينقْض اليقين بالشك)، أو(لا يُنقَض اليقين بالشك) لا يناسب ما هو المتعارف من دخول الفاء على الجزاء، هذا هو الذي يُبعّد هذا الاحتمال، فلو كانت هذه الجملة هي الجزاء، فالمناسب أن يقال(فلا يُنقض اليقين بالشك) استبعاد هذا الاحتمال من دون فرق بين أن نجعل جملة(ولا يُنقض اليقين بالشك) هي الجزاء، فتكون جملة(فإنه على يقين من وضوئه) تتمّة للشرط، فكأنه قال: (وإن لم يستيقن أنه قد نام) وهو على يقين من وضوئه تتمّة للشرط، فيكون الجزاء(ولا يُنقض اليقين بالشك). أو نجعل هذه الجملة(فإنه على يقين من وضوئه) تمهيداً للجزاء وليست تتمّة للشرط، فكأنه قال: (وإن لم يستيقن أنه قد نام)، فحيث أنه على يقين من وضوئه (ولا يُنقض اليقين بالشك) فتكون تمهيداً للجزاء لا أنها تتمّة للشرط. نقول: على كلا التقديرين، سواء كانت جملة(فإنه على يقين من وضوئه) تتمّة للشرط، أو تمهيداً للجزاء، جعل الجزاء جملة(ولا يُنقض اليقين بالشك) هو خلاف الظاهر؛ لأنّ اللازم والمتعارف في هذه الحالة أن تدخل الفاء على جزاء الشرط لا أن تدخل الواو على جزاء الشرط. مضافاً إلى أنّ كونه تتميماً للشرط فيه مشكلة أخرى وهي دخول الفاء على تتمّة الشرط، فجملة(فأنه على يقين من وضوئه) إذا جعلناها تتمّة للشرط، فهذا أيضاً فيه مخالفة؛ لأنّ الفاء لا تدخل على الشرط ولا على متمماته، فدخول الفاء على جملة(فأنه على يقين من وضوئه) مع اعتبار أنها تتمة للشرط، هذا أيضاً فيه مخالفة أخرى.
على كل حال، هذه الاحتمالات الثلاثة في جزاء الجملة الشرطية. بعد استبعاد الاحتمال الثالث، باعتبار ما قلناه، يدور الاحتمال بين الاحتمال الأول الذي تبنّاه الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) وصاحب الكفاية(قدّس سرّه) وبين الاحتمال الثاني الذي تبنّاه المحقق النائيني(قدّس سرّه) وتبعه جماعة. عمدة ما يرد على الاحتمال الأول هو أنّ فيه افتراض الحذف والتقدير وهو على خلاف الأصل الأولي في باب الاستعمال ولا يُصار إليه إذا أمكن تصحيح الجملة وافتراض أنّ الجزاء مذكور في نفس الجملة وغير محذوف وغير مقدّر، وإنّما نلتجئ إلى الحذف والتقدير حينما لا يمكن افتراض أنّ الجزاء مذكور، أمّا إذا افترضنا أنّ الجزاء مذكور كما في الاحتمال الثاني؛ لأنّ الاحتمال الثاني يقول بأنّ الجزاء هو نفس جملة(فأنه على يقين من وضوئه) فلا مجال إلى المصير إلى الاحتمال الأول.
وأمّا مسألة إشكال التكرار الذي تقدّم على الاحتمال الأول، حيث أشكل عليه بأنه يلزم منه التكرار، عدم وجوب الوضوء مصرّح به قبل هذه الجملة بقوله(لا حتى يستيقن أنه قد نام) يعني لا يجب عليه الوضوء. ثمّ يقول(وإلاّ) يعني وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء، بأن نجعل الجزاء محذوفاً وتقديره(فلا يجب عليه الوضوء) يلزم من هذا التكرار، وكأنه قد قال: لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن أنه قد نام، وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب عليه الوضوء، فيلزم التكرار في الجواب من دون افتراض تعدد السؤال، وإنّما هو سؤال واحد ولزم التكرار في الجواب حسب تعبير المحقق النائيني (قدّس سرّه).
أقول: هذا الإشكال من جهة هو ليس تكراراً في الجواب من دون افتراض تكرار السؤال، الجواب هو الأول، وهو جواب عن السؤال هل يجب عليه الوضوء، أو لا يجب عليه الوضوء ؟ فأجاب بأنه لا يجب عليه الوضوء . هذا الذي ذُكر في الجملة الشرطية (وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء) ليس جواباً عن السؤال حتى يقال يلزم تكرار الجواب من دون افتراض تكرار السؤال، هو ليس كذلك، في قوله: (وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب عليه الوضوء) في الحقيقة لا يريد الإمام(عليه السلام) ــــــــ على تقدير صحة هذا الاحتمال ــــــــ أن يجيب عن هذا السؤال، وإنّما الغرض من ذلك هو الاستدلال على هذا الحكم، (وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنه على يقين من وضوئه) فليس المقصود بالتكرار هو الإجابة مرتين عن السؤال حتى يرِد هذا المحذور، وإنّما المقصود كما قلنا الاستدلال على الجواب، افتُرض في الاحتمال الأول أنّ جملة (فأنه على يقين من وضوئه) هي واردة موردة التعليل(فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنه على يقين من وضوئه. مضافاً إلى ذلك ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ الاستهجان في التكرار والحزازة المشار إليها موجودة في التكرار اللفظي، حينما تتكرر الجملة مرتين(فلا يجب عليه الوضوء) ويُصرّح في الثانية أيضاً(فلا يجب عليه الوضوء) قد يكون هناك استهجان وحزازة، وأمّا التكرار التقديري الذي هو محل الكلام، في المقام لا يوجد تكرار لفظي، لم يقل (وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء) وإنّما في المقام يوجد تكرار تقديري، بمعنى أن يكون الشيء تكراراً لشيء محذوف، يعني أن يكون المقدر تكراراً لشيء مذكور، هذا هو محل الكلام، المقدّر في محل كلامنا بناءً على الاحتمال الأول هو تكرار لشيءٍ مذكور. هذا التكرار التقديري ليس واضحاً الاستهجان به وكونه يشتمل على حزازة بحيث يكون خلاف الظاهر.
وبعبارة أخرى: كما عبّر بعض المحققين أنّ المقدّر في الجملة الشرطية وهو (فلا يجب عليه الوضوء)، هو غير(لا يجب عليه الوضوء) في الجملة الأولى المصرّح به بقوله(لا) الذي معناه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن أنه قد نام، هناك(لا يجب عليه الوضوء) يكون مقصوداً بنفسه باعتبار أنه جواب عن السؤال؛ لأنّ السؤال وقع عن أنه يجب عليه الوضوء، أو لا يجب عليه الوضوء؟ الإمام(عليه السلام) أجاب بأنه (لا يجب عليه الوضوء) فيكون قاصداً لعدم وجوب الوضوء عليه بنفسه. وزأمّا بالنسبة إلى التكرار، وبالنسبة إلى المقدّر في محل الكلام بناءً على الاحتمال الأول، في محل الكلام يقول: (وإن لم يستيقن أنه قد نام) المقدّر هو(فلا يجب عليه الوضوء) هذا ليس هو المقصود، بمعنى أنه لا يريد به الجواب عن السؤال، وإنما المقصود به هو التمهيد لبيان علّة الحكم وسبب عدم وجوب الوضوء عليه وهو أنه على يقين من وضوئه، فإذن: هو ليس مقصود بنفسه بحيث يكون هو جواباً آخر عن السؤال حتى يلزم التكرار، وإنّما هو ذُكر في الجملة الشرطية (وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنه على يقين من وضوئه) هذا في الحقيقة تمهيد لبيان علّة الحكم، ومثل هذا لا يكون مستهجناً. يعني بعبارة أخرى: لا يكون هذا تكراراً بلا فائدة، المستهجن هو التكرار بلا فائدة، أمّا عندما يكون التكرار فيه فائدة، ولو كانت هذه الفائدة هي أن يكون هذا تمهيداً لبيان علّة الحكم ـــــــ بناءً على الاحتمال الأول ـــــــ هذا يخرج عن كونه فيه حزازة كما عبّر المحقق النائيني (قدّس سرّه) في مقام الإشكال على الاحتمال الأول، أو فيه استهجان. على أن يضاف إلى هذا أنّ هذا الإشكال لو كان يرِد على الاحتمال الأول، فهو أيضاً يرِد على الاحتمال الثاني؛ لأنّ الاحتمال الثاني مرجعه في الحقيقة إلى عدم وجوب الوضوء عليه، يعني عندما يقول: (لا) يعني لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن أنه قد نام، وإن لم يستيقن أنه قد نام. الاحتمال الثاني يقول: الجواب هو الجزاء وهو جملة (فأنه على يقين من وضوئه) جعلناها جملة خبرية في مقام الإنشاء، يعني هذا يقين تعبّد ببقاء اليقين السابق، يعني لا يجب عليه الوضوء، ما دام هو على يقين من وضوئه السابق ولم يستيقن أنه قد نام، فهو محكوم بأنه على يقينٍ تعبدّيٍ بوضوئه السابق، ومرجعه إلى أنه لا يجب عليه الوضوء. أيضاً يلزم التكرار، يعني التكرار في المعنى موجود على كل حال، هناك قال: لا يجب عليه الوضوء، هنا أيضاً ذكر عبارة مرجعها إلى عدم وجوب الوضوء عليه؛ لأنّ من يكون على يقين تعبدي من وضوئه يكون حكمه هو عدم وجوب الوضوء عليه، فلو كان التكرار ولو بهذا المعنى خللاً في العبارة وخلاف الظهور ومستهجناً، هذا الإشكال نفسه يرِد على الاحتمال الثاني.
من هنا قد يقال: إنّ ما يرِد على الاحتمال الأول هو أنّ هذا الاحتمال فيه حذف وتقدير والحذف والتقدير خلاف الأصل الأولي في باب الاستعمال لا يُصار إليه إلا عند الضرورة، أمّا حيث يمكن جعل الجزاء مذكوراً في الجملة، فهذا هو المتعين. من هنا يمكن أن يقال: أنّ الاحتمال الثاني هو المتعين في قِبال الاحتمال الأول؛ لأنه ليس فيه افتراض الحذف والتقدير .
أمّا الاحتمال الثاني، فيمكن تصوّره بنحوين على ما تقدّم:
النحو الأول: أن نفترض أنّ جملة (فأنه على يقين من وضوئه) بنفسها جزاء للشرط، وهذه الجملة هي جملة خبرية، لكن تارة نقول أنّها جملة خبرية يُراد بها الإنشاء جداً، وبينّا أنّ المُنشأ على هذا الاحتمال هو التعبد باليقين السابق.
النحو الثاني: أنّ جملة (فأنه على يقين من وضوئه) هي جملة خبرية وتبقى على ظهورها الأولي ويُراد بها الإخبار، لكن لا يُراد بها الإخبار عن اليقين التعبّدي الحاصل بدليلٍ آخر؛ لأنّه خلاف الظاهر، وإنّما الجملة خبرية ويُراد بها الإخبار جداً يُراد بها الإخبار عن اليقين السابق، وجملة (فأنه على يقين من وضوئه)يعني على يقينٍ من وضوئه السابق، فالمقصود هو الإخبار عن اليقين السابق لا عن اليقين التعبّدي، فيكون المقصود بهذا الإخبار ــــــــ أي أنّ الإمام(عليه السلام) يُخبر أنّ هذا على يقين سابقٍ من وضوئه ـــــــ هو بيان وجه الحكم بعدم وجوب الوضوء الذي ذكره أولاً، لماذا لا يجب عليه الوضوء ؟ يقول الإمام(عليه السلام): باعتبار أنه كان على يقين من وضوئه سابقاً، فشكّ ولا يُنقض اليقين بالشك، هو يريد أن يُخبر عن حال هذا المكلف الذي لم يستيقن بالنوم ولم يحصل له يقين بارتفاع وضوئه. فليس المقصود بهذه الجملة الإنشاء، وإنّما المقصود بها الإخبار وليس المقصود بها الإخبار عن اليقين التعبّدي ولا على اليقين الفعلي للوضوء؛ لأنّ هذا كذب بلا إشكال، وقلنا أنّ الأول خلاف الظاهر وبعيد جداً، وإنّما المقصود بذلك هو الإخبار عن اليقين السابق، وهذه جملة خبرية صحيحة ومطابقة للواقع ليس فيها كذب وليس فيها خلاف الظاهر.
وبعبارةٍ أخرى: جملة (فأنه على يقين من وضوئه) هي جملة خبرية يُراد بها الإخبار عن اليقين السابق بالوضوء الذي ليس لديه يقين بارتفاعه، وإنّما هناك شك في ارتفاعه، أو بقائه، وأنه لا ينبغي نقض اليقين بالشك، فلا محذور في إبقاء الجملة كجزاءٍ للجملة الشرطية.
إذن: الاحتمال الثاني الذي ذهب إليه المحقق النائيني (قدّس سرّه) يمكن تصوره بنحوين: تارة كما قال هو بأنّ هذه جملة خبرية يُراد بها الإنشاء. وتارة نبقي الجملة الخبرية على حالها كجملةٍ خبريةٍ لا يُراد بها الإنشاء، لكن ندّعي أنّ المقصود ليس هو الإخبار عن اليقين التعبّدي أو اليقين الفعلي بالوضوء، وإنّما الإخبار عن اليقين السابق بالوضوء، والذي يرجّح هذا التصوّر للاحتمال الثاني في مقابل التصوّر الأول للاحتمال الثاني هو أنّ التصوّر الأول الذي هو ظاهر كلامه في (فوائد الأصول)[2] يلزم منه التكرار، إذا جعلنا الجملة خبرية يُراد بها الإنشاء جداً يلزم أن يكون قوله (عليه السلام): (ولا ينقض اليقين بالشك) تكراراً لنفس مفاد (فأنه على يقين من وضوئه)؛ لأنّ كلاً منهما يراد به التعبد باليقين. إذا جعلنا جملة (فأنه على يقين من وضوئه) جملة خبرية يُراد بها الإنشاء ـــــــ إنشاء التعبّد بالبقاء ـــــــ يعتبره الشارع متيقناً بوضوئه، وإن لم يكن كذلك حقيقة، لكن الشارع يعتبره على يقينٍ من وضوئه، وجملة(ولا ينقض اليقين بالشك)أيضاً يُراد بها التعبّد ببقاء اليقين، أنّ اليقين لا يُنقض بالشك؛ بل هو باقٍ تعبّداً؛ لأنّ اليقين ارتفع بالشك حقيقة وواقعاً، وإنّما يُراد أنّ اليقين السابق بالرغم من عروض الشك بعد ذلك ولا ينبغي نقضه بالشك، هو باقٍ، وهذا تعبّد باليقين، وهذا تكرار لنفس المفاد الأول وليس شيئاً آخر، الجملة الثانية هي نفس مفاد الجملة الأولى، هذا بغضّ النظر عن أنّ الجملة الثانية قد تُعطي نفس المفاد، لكن في دائرة أوسع ممّا تعطيه الجملة الأولى، الجملة الأولى (فأنه على يقين من وضوئه) بناءً على أنّ المقصود بها الإنشاء جداً قد تعطي عدم نقض اليقين في خصوص موردها، في باب الوضوء عند الشك في النوم، لكن جملة (ولا يُنقَض اليقين بالشك) ـــــــ بناءً على قراءتها بصيغة المبني للمجهول ـــــــ مفادها التعبّد باليقين، لكن في دائرة أوسع من باب الوضوء، ومن كون الشك في النوم، هذا ممكن، لكن قد تُقرأ هذه الرواية بقراءةٍ أخرى(ولا ينقُض اليقينَ بالشك) هذا سوف يؤثر على الاستدلال في البحث الآتي بالصحيحة على حجية الاستصحاب في دائرة أوسع من موردها ـــــــ باب الوضوء ـــــــ إذا قرأناها (ولا ينقُض اليقينَ بالشك) حينئذٍ قد يقال أنها لا تتسع لغير باب الوضوء الذي هو موردها. على كل حال هذا الافتراض غير موجود إذا قلنا بالتصوّر الثاني، يعني إذا قلنا أنّ الجملة خبرية يُراد بها الإخبار عن اليقين السابق لا يلزم التكرار، الجملة خبرية تقول هذا كان على يقين من وضوئه، ثمّ يأتي التعبّد باليقين في جملة(ولا ينقض اليقين بالشك) التعبّد باليقين لا نستفيده بناءً على هذا التصور من جملة (فأنه على يقين من وضوئه) حتى يلزم التكرار، وإنمّا نستفيده من جملة النهي عن نقض اليقين بالشك)؛ لأنّ هذا مرجعه إلى التعبد ببقاء اليقين السابق. ونقول أكثر من هذا، فجملة(فأنه على يقين من وضوئه) إذا فرضنا أنها جملة خبرية في مقام الإنشاء، ومرجعها إلى التعبّد باليقين السابق، نفس التعبد باليقين هو في حدّ نفسه يستبطن عدم نقضه بالشك، فنقول: جملة(ولا ينقض اليقين بالشك) هي تكرار بناءً على هذا التصوّر، جملة(فأنه على يقين من وضوئه) إذا كان المقصود به اليقين التعبدي هي تستبطن عدم نقضه بالشك، باعتبار أنّ اليقين التعبدي لا ينتقض بالشك، هو وارد في مورد الشك، اليقين التعبدي إنما يصح عندما يشك المكلف، هو موضوعه الشك، وهذا معناه أنه في حدّ نفسه يستبطن أنه لا ينتقض بالشك، فهو يستبطن افتراض أنه لا ينتقض بالشك إذا كان المقصود بالجملة هو اليقين التعبدي، فتكون جملة (ولا ينقض اليقين بالشك) تكراراً وإعادة لنفس المفاد، بينما بناءً على التصور الثاني لا يلزم التكرار؛ لأنّ الجملة خبرية ويراد بها الإخبار جداً.
نعم، الذي يُلاحظ على التصور الثاني هو الإشكال الذي أورده المحقق الخراساني (قدّس سرّه) على الاحتمال الثاني، حيث كان يقول: أنّ جملة (فأنه على يقين من وضوئه) هي الجزاء؛ وحينئذٍ لا يكون هناك ارتباط ولا ترتب بين الجزاء والشرط، بينما الجملة الشرطية مفادها الارتباط وترتب الجزاء على الشرط. لماذا لا يكون هناك ترتب ؟ الشرط هو(وإن لم يستيقن أنه قد نام) والجزاء هو(فأنه على يقين من وضوئه) بناءً على الاحتمال الثاني، هو يقول: (فأنه على يقين من وضوئه) لا يترتب على عدم اليقين بالنوم؛ لأنّ المكلف على يقين من وضوئه، سواء استيقن أنه لم ينم، أو استيقن أنه قد نام، أو شك في أنه نام، أو لم ينم، على كل الاحتمالات هو على يقين من وضوئه. فإذن: كونه على يقين من وضوئه لا يترتب على عدم يقينه بالنوم. هذا الإشكال دفعناه سابقاً حيث قلنا أنّ هذا الإشكال مبني على افتراض أنّ المقصود باليقين هو اليقين السابق، بينما سابقاً كنا نقول في مقام تفسير كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) أنّ المقصود باليقين هو اليقين التعبدي؛ لأنه هو يقول: جملة خبرية مستعملة في مقام الإنشاء، وقلنا أنّ المقصود بالإنشاء هو إنشاء التعبد باليقين. (فأنه على يقين من وضوئه) تعبداً باليقين السابق، وهذا يترتب على عدم يقينه بالنوم، اليقين التعبدي يترتب على عدم يقينه بالنوم، اليقين السابق لا يترتب على عدم يقينه بالنوم، لكن اليقين التعبدي ببقاء الوضوء يترتب على عدم يقينه بالنوم، وإلا فلا يصح التعبد ببقاء اليقين وببقاء الوضوء، إنّما يصح التعبد ببقاء الوضوء إن لم يستيقن أنه قد نام، أمّا إذا استيقن أنه قد نام يعني استيقن بارتفاع وضوئه، وصار عنده يقين بأنه محدث؛ حينئذٍ لا معنى للتعبد بكونه متوضئاً، هكذا دفعنا هذا الإشكال سابقاً، لكن هذا الإشكال الآن يرِد؛ لأننا نقول بناءً على التصور الثاني من الاحتمال الثاني، نقول أنّ الجملة الخبرية يُراد بها الإخبار عن اليقين السابق، فيرِد هذا الإشكال، كون هذا على يقين من وضوئه سابقاً كيف يترتب على عدم يقينه بالنوم ؟! هو على كل حال على يقين سابقٍ من وضوئه، سواء لم يستيقن أنه قد نام، أو استيقن أنه قد نام. هذا الإشكال يرِد على التصور الثاني من الاحتمال الثاني.