الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

38/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر

الوجه الرابع: للجواب عن الاستدلال بحديث لا ضرر على حرمة الإضرار بالنفس. قلنا أنّ الاستدلال عن هذا الجواب يكون بوجوه وهذا هو الوجه الرابغ، وهذا الوجه ذكره بعض المحققين، وحاصله: أنّ الظاهر من حديث نفي الضرر إرادة ضرر الغير لا ضرر النفس، فلا يصح الاستدلال بالحديث على حرمة الإضرار بالنفس؛ لأنّ المراد بالضرر في الحديث هو الضرر المتوجّه إلى الغير لا الضرر المتوجّه إلى النفس . وعليه: لا يصح الاستدلال بالحديث في محل الكلام.

هذا الوجه يبدو أنه ناظر إلى فقرة لا ضرار لا إلى فقرة لا ضرر؛ لأنّ الحديث فيه فقرتان، هو ناظر إلى فقرة لا ضرار ويقول لا يصح الاستدلال بها على حرمة الإضرار بالنفس؛ لأنّها ظاهرة في حرمة الإضرار بالغير . وهذا مطلب صحيح، ظاهر فقرة لا ضرار هو النظر إلى الإضرار بالغير وليست ناظرة إلى إيقاع الضرر بالنفس، فلا يصح الاستدلال بها على حرمة الإضرار بالنفس، لكن الاستدلال بالحديث ليس بهذه الفقرة على ما تقدّم تقريبه، أصل التقريب لم يكن بهذه الفقرة، وإنّما كان بفقرة لا ضرر الدالة على نفي الأحكام الضررية، فيقال أنّ جواز الإضرار بالنفس حكم ضرري، فيكون منفياً، وإذا نفينا جواز الإضرار بالنفس يثبت عدم جواز الإضرار بالنفس وتثبت حرمة الإضرار بالنفس. هنا لا مجال لأن يقال أنّ المراد بالضرر هو الضرر المتوجّه إلى الغير، مفاد لا ضرر هو كل حكم يلزم منه الضرر وهو أعم من الضرر المتوجّه إلى النفس والضرر المتوجّه إلى الغير؛ ولذا يستدل بهذا الحديث على نفي وجوب الوضوء مع أنّ الضرر هنا يتوجه إلى النفس لا إلى الغير، هنا في لا ضرر لا مجال لأن يقال أنّ المراد بلا ضرر هو الضرر المتوجه إلى الغير لا المتوجه إلى النفس؛ بل المراد بالضرر بمقتضى إطلاقه هو الأعم من الضرر المتوجّه إلى الغير كما طُبّق على جواز حفر البالوعة وكذلك الضرر المتوجه إلى النفس كما في وجوب الوضوء ووجوب الغسل عندما يكون ضررياً، فلا مجال لدعوى أنّ الحديث ليس شاملاً للضرر على النفس؛ لأنّ الاستدلال ليس بفقرة لا ضرار، وإنّما هو بفقرة لا ضرر .

ومن هنا يظهر أنّ الصحيح في الجواب عن الاستدلال بحديث لا ضرر لإثبات حرمة الإضرار بالنفس هو ما ذُكر في الوجه الأول، ومن هنا يظهر أنّه لا دليل على حرمة الإضرار بالنفس بشكلٍ مطلق. نعم لا إشكال عندهم في حرمة الإضرار بالنفس عندما يكون الإضرار بالنفس ضرراً يُعبّر عنه بـــ (البليغ) ففرّقوا بين الضرر البليغ وبين الضرر غير البليغ ولم يلتزموا بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، وإنّما التزموا بها في خصوص ما إذا كان الضرر بليغاً، وقد يُستدل لذلك بالآية الشريفة: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾[1] هذه الآية الشريفة تنهى عن أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، ما هو المقصود بالتهلكة ؟ وما هو المقصود بأيديكم ؟ وماذا يُستفاد من الآية الشريفة ؟ هذه الآية باعتبار أنّ لها ارتباط بمحل الكلام، ويُستفاد منها حرمة الإضرار بالنفس الواصل إلى حد التهلكة على ما قيل، واستدلوا بها أيضاً على ذلك من العامّة والخاصّة، استدلوا بها على حرمة الإقدام على ما يُخاف منه على النفس كما صرح بذلك صاحب (مجمع البيان).[2] قال: استُدلّ بها على تحريم الإقدام على ما يُخاف منه على النفس وعلى جواز ترك الأمر بالمعروف عند الخوف؛ لأنّ في ذلك إلقاء النفس في التهلكة. من العامة أيضاً صرّحوا أنّها استدل بها على تحريم الإقدام على ما يخاف منه على النفس كما في (روح المعاني) ينقله أيضاً عن غيره. هذه الآية مُفسّرة بعدّة وجوه، والآية التي قبلها مرتبطة بالإنفاق، وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديهم إلى التهلكة.

الاحتمال الأول: أنّ الآية تنهى عن الإفراط في الإنفاق. بعد أنّ أمرت بالإنفاق ﴿وانفقوا في سبيل الله﴾ كأنها تريد أن تقول أنّ هذا الإنفاق الذي أمرنا به لا يجوز أن يبلغ حدّ الإفراط بأن يُنفق الإنسان كل ما عنده ويبقى صفر اليدين، هذا منهي عنه، فكأنّ الآية تأمر بالحدّ الوسط، لا إفراط ولا تفريط، لا بخل وعدم إنفاق بالمرّة ولا إنفاق كل ما عنده من المال حتى إذا كان في سبيل الله، لابدّ من الالتزام بالحد الوسط، فهي تأمر بالإنفاق وتنهى عن الإفراط فيه.

هذا التفسير له مؤيدات من الروايات الواردة من طرقنا، في الكافي وغيره هناك روايات وإن كانت غير واضحة سنداً هي تُفسّر التهلكة في هذه الآية بإنفاق ما في يديه في سبيلٍ من سبل الله، لكنّ طرق هذه الروايات ليست تامة.

الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود بالتهلكة ليس هو الإفراط في الإنفاق، وإنّما بالعكس، المراد به عدم الإنفاق، وكأنّ الآية بعد أن أمرت بالإنفاق في سبيل الله، هي في مقام بيان عاقبة عدم الإنفاق، فهي مرتبطة بالآية الأولى وتأكيد للإنفاق وليس شيئاً آخر، لكن صيغت بعبارة أخرى، انفقوا في سبيل الله، كأنّها تقول أنّ عدم إنفاقكم في سبيل الله يؤدي بكم إلى التهلكة، فهي حثٌ آخر على الإنفاق في سبيل الله وبيان ما يترتب على ترك الإنفاق في سبيل الله.

الاحتمال الثالث: أنّ الآية مرتبطة بما قبلها؛ لأنّ هذه الآية واقعة في سياق آيات كلها تتحدث عن قتال المشركين وتتحدث عن الجهاد والقتال، وفي هذه الآيات اُمر بقتال المشركين، ثمّ انفقوا في سبيل الله، صحيح أنّ سبيل الله هو كل طريقٍ يؤدي إلى ثواب الله ورحمته ورضوانه، لكن الشائع والمعروف إطلاق سبيل الله على الجهاد، وآية انفقوا في سبيل معطوفة على آية وقاتلوا في سبيل الله، فكأنه أمرهم بالقتال في سبيل الله، وأمرهم بالإنفاق في سبيل الله، ثمّ قال ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، بمعنى أن ترككم للقتال في سبيل الله والإنفاق في سبيل الله يؤدي بكم إلى التهلكة.

لعلّ هذا التفسير بقرينة السياق وظاهر الآية بدواً لا يبعد أن يكون هذا التفسير أقرب من التفسير الأول، بمعنى أن يكون المراد من التهلكة ليس هو الإفراط في الإنفاق. نعم، لو صحّت الروايات التي تفسّره بذلك تعيّن الالتزام بها، لكن بقطع النظر عن الروايات، لأول وهلة يبدو أنّ هذا التفسير هو الأقرب، بأن يكون المقصود بالتهلكة هو ترك الإنفاق، وكأنّ الآية تحذّر من عدم امتثال ما اُمروا به من الإنفاق، وبيان ماذا يترتب على ترك الإنفاق، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. هذا هو الأنسب للتهلكة؛ لأنّ الإفراط في الإنفاق عادةً لا يؤدي إلى التهلكة بمعناها الحقيقي، بمعنى الهلاك والموت والتلف وأمثال هذه الأمور. نعم، يؤدي به إلى الحرج والضيق والمشقة، لكن لا يؤدي إلى الهلاك، بخلاف ما إذا أخذنا بالتفسير الثاني خصوصاً مع إضافة ترك القتال وليس فقط ترك الإنفاق بأن جعلنا آية ﴿وأنفقوا في سبيل الله﴾ معطوفة على ﴿قاتلوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ يعني أنّ ترككم للقتال والإنفاق في سبيل الله يؤدي بكم إلى التهلكة، هنا التهلكة تكون بمعناها الحقيقي، بمعنى الهلاك والتلف؛ لأنّه لا إشكال أنّ ترك الجهاد وقتال العدو، وترك الإنفاق في سبيل الله على المجاهدين والجيوش التي تخرج لقتال العدو، ترك هذين الأمرين لا إشكال أنه سيؤدي إلى قوة العدو وتسلّطه على المسلمين وإهلاكهم، فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يمكن الحفاظ على معناها الحقيقي، وهذا يكون مؤيداً لتفسير الآية بهذا التفسير الثاني، يعني أن يقال أنّ المقصود بالهلكة هو ترك الإنفاق، وهذا يتأكَد إذا ضممنا إلى ذلك ترك القتال؛ لأنّ الجيش بحاجة إلى تمويل ولا يكفي أن يذهب المقاتلون وحدهم إلى القتال، فلابدّ من الإنفاق على هؤلاء حتى لا يضعفوا أمام العدو لقلّة ذات يدهم وقلّة عدتهم ويكون ذلك موجباً لهلاكهم، فيمكن المحافظة على الهلاك بمعناه الحقيقي إذا قلنا أنّ المقصود هو ترك الإنفاق في سبيل الله على أن يكون المقصود بسبيل الله هو الجهاد كما هو الشائع، وحسب سياق الآيات لا يبعُد أن يكون المقصود به ذلك .

بالنسبة إلى (لا تلقوا بأيديكم) المفسرون قالوا بضرسٍ قاطع أنّ المقصود بالأيدي هي النفس، يعني لا تلقوا بنفوسكم إلى التهلكة، وهذا التعبير موجود في لغة العرب، وعللّوا ذلك باعتبار أنّ اليد هي التي يظهر فيها ما في النفس، يعني ما في النفس يظهر وتكون حركات اليد هي التي تعبر عمّا في نفس الإنسان، بهذه العلاقة صحّ استخدام هذا اللفظ في النفس مجازاً باعتبار هذه العلاقة القائمة بينهما. بناءً على هذا يكون المقصود هو لا توقعوا أنفسكم في التهلكة. على التفسير الأول للآية، الإفراط في الإنفاق لا يؤدي عادة إلى الهلاك ولا ملازمة بينه وبين الهلاك، وإنّما يؤدي إلى الضيق والضرر الشديد وأمثال هذه الأمور. بناءً على هذا التفسير حينئذٍ يمكن أن يُستفاد من هذه الآية حرمة إلقاء النفس في ما فيه ضرر شديد كالضرر الذي يلحق الإنسان عندما ينفق كل أمواله، أمّا إذا فسّرناها بالتفسير الآخر تكون الآية مقصورة على إتلاف النفس، تكون ناظرة إلى إتلاف النفس والهلاك بمعناه الحقيقي، بمعنى عدم جواز إيقاع النفس في ما فيه هلاكها وتلفها، فيستفاد منه حرمة الإضرار بالنفس البالغ إلى مستوى إهلاك النفس وإتلافها، على كلا التقديرين لا يمكن أن نستفيد من الآية حرمة الإضرار بالنفس مطلقاًـ إمّا أن نستفيد منها حرمة الإضرار بالنفس الواصل إلى حد الهلاك والتلف، وأمّا أن نستفيد منها حرمة الإضرار بالنفس الواصل إلى الضرر الشديد الذي يحصل نتيجة إنفاق الإنسان كل ما عنده من أموال ويبقى صفر اليدين. هذا ما يرتبط بهذا البحث وتبيّن أنه كما ذكر الفقهاء لا دليل على حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً .

إلى هنا يتم الكلام عن هذا التنبيه الأخير، وبهذا يتم الكلام عن قاعدة لا ضرر . بعد تمام هذه القاعدة ندخل في البحث الآخر الذي هو الاستصحاب .

الاستصحاب

في بحث الاستصحاب ذُكرت مقدّمة بحثوا فيها في جملة من الأمور، ثمّ دخلوا في اصل البحث، في هذه المقدمة بحثوا عن تعريف الاستصحاب، وأنّ البحث عن الاستصحاب هل هو من المسائل الأصولية أو هو من المسائل الفقهية ؟ وهل أنّ الاستصحاب أمارة، أو هو أصل عملي ؟

الأمر الأول: تعريف الاستصحاب

ذكروا أنّ الاستصحاب له تعريفات عديدة:

التعريف الأول: ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه) من أنه عبارة عن (إبقاء ما كان) [3] كان هناك شيء في الزمان السابق، إبقاؤه على حاله يُعبّر عن بالاستصحاب. وذكر الشيخ(قدّس سرّه) أنّ هذا اسدّ التعريفات وأكثرها اختصاراً، ولا يريد الشيخ(قدّس سرّه) بالإبقاء الإبقاء التكويني كما توهّمه بعض، وإنّما يريد به حكم الشارع بالبقاء، إبقاء ما كان شرعاً، يعني حكم الشارع ببقاء ما كان، الشارع عندما يحكم ببقاء ما كان هذا الحكم الشرعي ببقاء ما كان يُعبّر عنه بالاستصحاب.

التعريف الثاني: ما ذكره في الكفاية، وهو شيء لا يخرج عمّا ذكره الشيخ(قدّس سرّه) وإنّما هو توضيح لبعض الأمور المفترضة في التعريف الأول، قال: (هو الحكم ببقاء حكمٍ أو موضوعٍ ذي حكمٍ شُكّ في بقائه).[4] . وهذا التعريف هو نفس التعريف السابق وليس شيئاً آخر، وكل منهما يعرّف الاستصحاب بحكم الشارع بإبقاء ما كان، مردّهما إلى شيء واحد.

التعريف الثالث: هو عبارة عن (الإبقاء العملي)، أي الإبقاء في مقام العمل.

التعريف الرابع: ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) حيث عرفّه بأنّه (الحكم الشرعي ببقاء الإحراز السابق من حيث الجري العملي).[5] كأنّ ما يحكم به الشارع هو بقاء اليقين السابق، لكن يحكم ببقائه فقط من حيث الجري العملي، ما يقتضي اليقين السابق من الجري العملي يحكم الشارع ببقائه، مع الشك بالبقاء يُحكم بالبقاء على اليقين السابق. وهذا التعريف ناظر إلى الأخبار، يعني ناظر إلى صحاح زرارة الدالة على الاستصحاب، ويعرّفه بمضمونها كما هو يفهم أنه عبارة عن أنّ الشارع يحكم ببقاء اليقين(لا تنقض اليقين بالشك) يقول: هذا معناه أنّ اليقين باقٍ، أنا أحكم ببقاء اليقين، لكن من حيث الجري العملي فقط. وهناك تعاريف أخرى كثيرة ذُكرت في كلماتهم.

المحقق الخراساني(قدّس سرّه) ذكر في الكفاية بأنّ عبارات الأصحاب في تعريف الاستصحاب مختلفة وكثيرة، لكنّه يقول أنّها كلها ترجع إلى معنى واحد، وهذا المعنى الواحد هو ما ذكره من أنّ الاستصحاب هو الحكم ببقاء حكمٍ، أو موضوع ذي حكم عند الشك في بقائه. فكأنه يفترض أنّ كل تعريفات الاستصحاب ترجع إلى تعريف الاستصحاب بأنه حكم شرعي ببقاء ما كان، وإن كانت عباراتهم مختلفة، لكن الجوهر والمعنى واحد، وهو الحكم ببقاء ما كان.

السيد الخوئي(قدّس سرّه) اعترض على هذا بأنّ الأمر ليس هكذا،[6] لا يمكن أن نقول أنّ كل عبارات الأصحاب المختلفة في تعريف الاستصحاب ترجع إلى أمرٍ واحد، والسر في ذلك هو أنّ هناك اختلافاً في المباني وكيفية الاستدلال على الاستصحاب، فبعضهم يعتبر الاستصحاب أمارة، وبعضهم يعتبر الاستصحاب أصلاً عملياً. إذن: هناك خلاف في المباني وما هي حقيقة الاستصحاب، هل هو أمارة، أو هو اصل عملي ؟ يقول السيد الخوئي(قدّس سرّه) بأنّه إذا كان أمارة يكون له تعريف، وإذا كان أصلاً عملياً يكون له تعريف آخر، ولا يمكن أن نقول أنّ كل التعاريف ترجع إلى معنى واحد، الاستصحاب إذا كان أمارة، فينبغي تعريفه كأمارة، يعني ينبغي البحث عن نكتة الامارية الموجودة في الاستصحاب وذكر هذه النكتة في مقام تعريفه، إذا كانت النكتة في كون الاستصحاب أمارة هي الحدوث، فينبغي تعريفه بالحدوثـ وإذا كانت النكتة هي كما عرّفه الشيخ بهذا التعريف وهي كون الحكم متيقّناً في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق، فينبغي تعريفه بهذا؛ لأنّ نكتة الأمارية هي أن يكون الشيء متيقناً سابقاً ومشكوك لاحقاً، كون الشيء متيقناً سابقاً هي نكتة الأمارية، بدعوى أنّ الشيء إذا كان متيقناً في الزمان السابق وشُكّ في بقائه؛ فحينئذٍ كون الشيء متيقناً أمارة على البقاء، باعتبار أنّ أغلب الأشياء المتيقنة التي تحدث في السابق هي توجد فيكون أمارة على بقاء هذا الشيء عندما نشك في بقائه، أو لشيءٍ آخر، المهم أن يكون الشيء متيقناً، فلابدّ كإمارة أن نعرّفه بنكتة الأمارية، إذا قلنا أنّ نكتة الأمارية هي حدوث الشيء بدعوى أنّ الغالب في ما يحدث أنّه يبقى لا أنّ ما يحدث يزول، كونه يزول ويفنى هذه حالة نادرة والغالب أنّ ما يحدث يبقى، فيكون الحدوث هو نكتة الأمارية في أن يبني الإنسان على بقاء ما كان حادثاً؛ لأنّ الحدوث أمارة على بقائه؛ لأنّ الغالب في ما يحدث أنه يبقى ولا يزول، إذا كانت هذه نكتة الأمارية فلابدّ من تعريفه بالحدوث، فعندما نبني على أنه أمارة، فلابدّ من تعريفه بالنكتة التي صار لأجله أمارة ولا معنى حينئذٍ لتعريفه بأنه عبارة عن الحكم الشرعي بالبقاء؛ لأنّ الحكم الشرعي بالبقاء ليس أمارة، وليس كاشفاً، حكم شرعي تعبّدي ببقاء ما كان، فتعريف الاستصحاب بناءً على الأمارية بأنه الحكم الشرعي ببقاء ما كان ليس صحيحاً، وإنّما لابدّ من تعريفه بما يُشعر بكونه أمارة وأن تُذكر نكتة الأمارية في تعريفه، وإذا بنينا على أنه أصل عملي كسائر الأصول العملية الأخرى وليس أمارة؛ حينئذٍ يصح تعريفه بأنه حكم شرعي ببقاء ما كان، الشارع حكم تعبّداً ببقاء ما كان، كما حكم بالبراءة، وكما حكم بالاحتياط في بعض الموارد، كذلك حكم بأنّ الإنسان إذا على يقين من شيءٍ وشك فيه لاحقاً حكم تعبّداً بإبقاء الحالة السابقة، فيصحّ تعريفه بأنّه حكم الشارع بإبقاء ما كان، أو ببقاء ما كان على اختلاف هذه التعابير .

 


[1] البقرة/السورة2، الآية195.
[2] مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي، ج2، ص516.
[3] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج3، ص9.
[4] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص384.
[5] فوائد الأصول، تقرير بحث النائيني للشيخ الكاظمي الخراساني، ج4، ص306.
[6] دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج4، ص7.